رام الله-الأناضول-يبحث الجهاز المصرفي الفلسطيني، حلولا "غير تقليدية"، لإدارة أزمة مالية تواجهها البلاد، مع بدء إجراءات إسرائيلية بشأن اقتطاع جزء من أموال المقاصة، دفعت الحكومة الفلسطينية لوقف تسلمها منقوصة.
وقال عزام الشوا، محافظ سلطة النقد الفلسطينية، إن البنوك في فلسطين واجهت ضغوطات مالية نتجت عن أزمة المقاصة، "وتجاوب أرباب العمل المصرفي وفق طاقتهم، في التعامل معها".
وقال الشوا في مقابلة مع الأناضول: "أرباب العمل المصرفي الفلسطيني، تحملوا ضغوطنا، إضافة إلى الضغط القادم من الحكومة.. كفلسطينيين لا نريد الخروج خاسرين من الأزمة.. يكفي ما خسرناه سابقا".
تعاني السلطة الفلسطينية من أزمة مالية، بعد إقرار إسرائيل في 2018، قانونا يتيح لها مصادرة مبالغ من الضرائب (المقاصة) تجبيها لصالح فلسطين، بدعوى أن المبالغ مخصصة للأسرى وعائلات الشهداء.
وبدأت إسرائيل بتنفيذ قرارها في 17 فبراير/ شباط الماضي؛ وتخصم شهريا 11.3 مليون دولار، الأمر الذي دفع الحكومة الفلسطينية إلى رفض تسلم كامل أموال المقاصة.
وتعد أموال المقاصة الفلسطينية (حجمها 200 مليون دولار شهريا)، المصدر الرئيس لفاتورة أجور الموظفين، وبدونها لن تتمكن الحكومة من الإيفاء بالتزاماتها تجاه الموظفين والمؤسسات.
وتسلم الموظفون العموميون في فلسطين (133.2 ألف موظف)، 50 بالمئة من رواتبهم في فبراير/ شباط ومارس/ آذار، و60 بالمئة خلال أبريل/ نيسان ومايو/ أيار 2019.
وتعتمد الحكومة الفلسطينية حاليا، على الإيرادات المحلية (الضرائب ورسوم المعاملات الحكومية)، وقروض من القطاع المصرفي المحلي، ومنح مالية خارجية، لتوفير السيولة.** قروض لتوفير السيولة
وذكر الشوا، أن البنوك منذ بدء أزمة المقاصة نهاية فبراير/ شباط الماضي، تقدم قروضا للحكومة، "كل بنك وفق قدرته بما لا يضر بعملياته وودائع عملائه".
وتقدم البنوك في فلسطين (14 مصرفا)، حسب قدرتها، قرضا مجمعا تتراوح قيمته الشهرية بين 40 - 50 مليون دولار شهريا، منذ مارس/ آذار 2019.
وتقدر الحكومة الفلسطينية، حاجتها إلى 400 - 450 مليون دولار كقروض من البنوك العاملة، حتى نهاية أكتوبر/ تشرين أول المقبل.
ويبدو أن دعوات السلطة الفلسطينية بتفعيل شبكة الأمان المالية العربية، لم تجد تجاوبا من أعضاء الجامعة العربية؛ فيما جدد الفلسطينيون طلبا، الثلاثاء، بتفعيلها وحشد 100 مليون دولار شهريا لإدارة الأزمة.
مبادرات لإدارة الأزمة
ينظر محافظ سلطة النقد -الذي يواجه اليوم واحدة من أصعب تحدياته المالية بمنصبه الذي تولاه في 2015- إلى مبادرة أطلقها رجال أعمال فلسطينيون، لحشد قرض مالي للحكومة الفلسطينية، أداة لإدارة أزمة المقاصة الحالية.
والثلاثاء الماضي، أكمل رجال أعمال فلسطينيون اتفاقا مع حكومة بلادهم، يقضي بتوفير قرض مالي قيمته حتى 200 مليون دولار، لمساعدتها في إدارة أزمة المقاصة الحالية.
وتابع الشوا: نتواصل مع رجال أعمال فلسطينيين وعرب في الخارج، للاستثمار في فلسطين من خلال إيداع جزء من أموالهم في القطاع المصرفي الفلسطيني.. هذا المطلوب.
يبلغ إجمالي موجودات القطاع المصرفي الفلسطيني 15.5 مليار دولار، بينما تبلغ الودائع 12.6 مليار دولار، والتسهيلات الائتمانية 8.6 مليارات دولار، وفق أرقام أبريل 2019.
وزاد: إلى جانب القروض التي يقدمها القطاع المصرفي.. نفكر أيضا في إصدار سندات ضمن آلية معينة، لتوفير السيولة المالية.
وبشأن تخوفات العملاء من احتمالية تذبذب السيولة وأثرها على ودائعهم، ذكر الشوا أن البنوك ومؤسسة ضمان الودائع، ومن خلفهم سلطة النقد مسؤولون أمام العملاء عن أمن ودائعهم.
حملات تشويه
وألمح محافظ سلطة النقد الفلسطينية إلى وجود جهات غير إسرائيلية، تعمل على تشويه سمعة القطاع المصرفي الفلسطيني.
"إسرائيل وجهات أخرى لن أسمها، تحاول منذ سنوات تشويه سمعة القطاع المصرفي الفلسطيني في الخارج.. لكنها لم تنجح".
كانت بنوك إسرائيلية، هددت في أكثر من مناسبة بوقف التعامل مع البنوك العاملة في فلسطين، بسبب تخوفات من تهم قد تتعرض لها من تعاملات مشتركة مرتبطة بـ غسل أموال وتمويل الإرهاب.
وأشار الشوا إلى وجود أكثر من 200 بنك مراسل حول العالم، "ولا تشديدات غير اعتيادية في علاقتها معنا.. ونواصل فتح علاقات مع بنوك مراسلة جديدة حتى في ظل الأزمة الحالية".
وتواجه 3 بنوك عاملة في السوق الفلسطينية، دعاوى من إسرائيليين يحملون الجنسية الأمريكية، رفعت مطلع 2019 بشأن ما وصفوها تهم تمويل الإرهاب خلال فترة الانتفاضة الثانية.
والبنوك الثلاثة هي: بنك "القاهرة عمان" (أردني له فروع بفلسطين)، وبنك "فلسطين" الأكبر محليا من حيث الموجودات والودائع والتسهيلات، وبنك "الاستثمار الفلسطيني، والأخيران مدرجان بالبورصة المحلية.
وعقدت سلطة النقد الفلسطينية خلال وقت سابق من العام الجاري، اجتماعات مع ممثلين من وزارة الخزانة الأمريكية، بشأن القضايا المرفوعة.
يقول الشوا، إن مكاتب المحاماة التي ستدافع عن البنوك الثلاثة خلال الفترة المقبلة، تحضر حاليا ملفاتها للمرافعة في المحاكم، وإقناع القضاة بعدم صحة الدعاوى المرفوعة".
في إبريل/ نيسان 2018، أصدرت المحكمة العليا الأمريكية قرارا نهائيا، برد دعاوى مرفوعة ضد البنك العربي (أردني مدرج ببورصة عمان وله فروع في فلسطين)، في الولايات المتحدة، حول قضايا مرتبطة بتمويل الإرهاب.