رام الله-أخبار المال والأعمال-توصلت دراسة أصدرها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) حول "هيكل الاقتصاد الكلي والأسواق المالية وتمويل النشاط الحكومي: دروس لفلسطين"، إلى أن الخيارين المطروحين لتحقيق الاستدامة في تمويل العجز، وهما إصدار سندات حكومية بعملة أجنبية أو إصدار عملة فلسطينية لتمكين التمويل النقدي، غير قابلين للتطبيق حتى الآن نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة والبيئة المؤسسية غير المؤاتية.
أعد الدراسة فريق من ثلاثة باحثين من جامعتي هامبورغ الألمانية وشيفيلد البريطانية برئاسة البروفيسور هاينر فلاسبك من جامعة هامبورغ، تحت الإشراف العام لمعهد ماس وبالتعاون مع سلطة النقد.
وقال المدير العام لمعهد ماس د. نبيل قسيس، أن "الدراسة تقدم الكثير من الأدلة الواقعية على هذا الاستنتاج".
وأضاف:"فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية الفلسطينية، من الملاحظ أنه على مدى السنوات العشرين الماضية، اعتمدت السلطة الوطنية الفلسطينية على المنح والمساعدات لتمويل نفقاتها. في الآونة الأخيرة، انخفضت هذه المساعدات إلى حد كبير، كما أن احتجاز سلطات الاحتلال للأموال التي تجبيها لصالح السلطة الفلسطينية أدى في بعض الأحيان إلى تأخير دفع رواتب موظفي السلطة، فضلا عن الانخفاض العام في الإنفاق الحكومي".
وتابع قسيس: "كما أن العجز التجاري الكبير والمستمر يدفع بالحكومة والقطاع الخاص بصورة أكبر إلى المديونية، بسبب غياب عملة فلسطينية وطنية، فيلجأ القطاعان العام والخاص إلى الاحتياطيات الأجنبية".
وأشار قسيس إلى أنه "على الرغم من نجاح السلطة الوطنية الفلسطينية بجهود سلطة النقد في تجنب أزمة عملة شاملة حتى الآن، إلا انه من غير المحتمل أن تصمد الأساليب الحالية لتمويل العجز على المدى البعيد، حيث أن المخزون المحلي من الاحتياطيات الأجنبية في طريقه إلى النضوب، كما أن تراكم المتأخرات وارتفاع الدين بوتيرة كبيرة لا يبشران بالخير".
ولفت قسيس إلى أنه بحسب الدراسة، يضع هذا الواقع الحكومة أمام خيارين لتمويل العجز: إما إصدار سندات دين في أسواق رأس المال أو إصدار عملة فلسطينية لتمويل النفقات من خلال البنك المركزي. وفيما يتعلق بالخيار الأول، فإن من شأن تمويل سوق رأس المال في ظل غياب بنك مركزي كامل الصلاحيات إحداث تقلبات كبيرة في معدل أسعار الفائدة وزعزعة الاستقرار المالي.
أما بالنسبة للتمويل النقدي، فتؤكد الدراسة أن البيئة المؤسسية والاقتصادية الحالية لا تسهم في خلق الشروط اللازمة لإصدار عملة وطنية. في كل الأحوال، سيكون سعر صرف هذه العملة شديد التقلب، كما أن التضخم الناتج عن ارتفاع أسعار الواردات يمكن أن يزيد من زعزعة استقرار التنمية الاقتصادية.
وخرجت الدراسة بتوصيات تدعو فيها صانعي القرار إلى التركيز على مجموعة من الأهداف قصيرة وطويلة المدى.
نظراً لأن إصدار السندات يتوقف وقبل كل شيء على استقرار القطاع الخارجي، يجب على السلطة الوطنية الفلسطينية أن تشرع في تدخلات إستراتيجية سياسية واقتصادية قصيرة المدى لتنشيط القاعدة الإنتاجية وزيادة الصادرات.
أما على المدى الطويل، فيعتبر إصدار عملة فلسطينية من ضرورات التنمية الاقتصادية السيادية.
وتشدد الدراسة على أن أية محاولة لإصدار سندات دين بدون تصحيح الاختلالات الحالية من شأنه أن يؤدي إلى تقلب كبير في معدلات الفائدة والصرف، وتختتم باقتراح سياسات محددة يمكن للسلطة الوطنية الفلسطينية، من خلال سلطة النقد إتباعها رغم القيود المؤسسية والاقتصادية الحالية.