رام الله-محمد رجوب-ملحق "حياة وسوق"-يستعد الجهاز المصرفي الفلسطيني، لتجنب أية مخاطر قد تنجم عن سريان قانون حظر التعامل ب "الكاش" في أعمال البيع والشراء في إسرائيل، إذا كان المبلغ يزيد عن 11 ألف شيقل.
ويتبنى القانون الإسرائيلي، الذي سيسري اعتبارا من الأول من العام المقبل، توصيات لجنة "لوكر" ويفرض قيودا وضوابط على استخدام الأموال النقدية "الكاش" في المعاملات التجارية، ويستبدلها بالبطاقات والحوالات الالكترونية، وأنظمة الدفع الحديثة التي تبقى بموجبها العملة الورقية في خزنات البنوك، وتتحول من حساب إلى آخر في إطار المعاملات التجارية اليومية والصفقات المختلفة، وذلك في إطار الحرب على ظاهرة التهرب الضريبي، والتهرب الجمركي.
ويفرض القانون الإسرائيلي عقوبة مشددة في حال إقدام الإسرائيليين على التهرب من الضوابط الواردة فيه من خلال اللجوء إلى تقسيط مبالغ كبيرة إلى دفعات تقل عن 11 ألف شيقل.
وتسعى الجهات الرقابية في معظم الدول لتبني سياسات الدفع الالكتروني، في مواجهة أية مخاطر تترتب على التعامل النقدي، ومنها التهرب الضريبي، وجرائم غسل الأموال، والتجارة غير المشروعة، فضلا عن احتمالية تداول العملة المزورة.
وبدأت الحكومة الفلسطينية منذ عام 2014، النقاش حول آليات تشجيع اعتماد أنظمة الدفع الالكترونية، وشكلت في ذلك الحين لجنة وزارية برئاسة سلطة النقد، وانبثق عنها "الخطة الوطنية لأنظمة الدفع الالكتروني في فلسطين".
ويتوقع أن تعتمد كافة البنوك التي تعمل تحت مظلة سلطة النقد اجراءات أكثر تشددا في قبول العملة الإسرائيلية، دون التحقق من مصدرها، مع بدء سريان القانون الإسرائيلي، تجنبا لتدفق الكاش مجهول المصدر من إسرائيل إلى حسابات مصرفية يملكها فلسطينيون يحملون الهوية الزرقاء.
كما ان هناك احتمالية لارتفاع نسب التضخم في الضفة الغربية، إذا ما حدث تدفق كبير ل"الكاش" للسوق الفلسطينية، وارتفاع عمليات شراء الأراضي والعقارات، إلا أن ذلك قد يصطدم بالاجراءات المتبعة في حال اقدام أي فلسطيني يحمل الهوية الزرقاء، لشراء أرض أو بيت في الضفة الغربية، ومنها موافقة جهازي الأمن الوقائي والمخابرات، ومصادقة مجلس الوزراء على الصفقة.
ضوابط من سلطة النقد
وفي هذا الصدد، يقول نائب محافظ سلطة النقد الفلسطينية رياض أبو شحادة: "عندما يقوم البنك المركزي الإسرائيلي باصدار المزيد من عملة الشيكل، بينما تتبنى الحكومة الإسرائيلية، قانونا يضع قواعد مشددة لاستخدام الكاش، من المتوقع أن يأتي هذا الكاش إلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، هروبا من الجمارك والضرائب في الجانب الإسرائيلي".
وأضاف خلال حديث له مع برنامج "المشهد المصرفي" الذي تنتجه سلطة النقد الفلسطينية وإذاعة أجيال المحلية: "من المتوقع أن تتدفق إلينا مبالغ كبيرة من عملة الشيقل، وهنا وضعنا ضوابط محددة للتعامل معها والحد من تدفقها، لمنع أي آثار سلبية على الاقتصاد الفلسطيني، في مجال غسل الأموال او التهرب الجمركي او الضريبي، او التضخم وارتفاع الأسعار في الموجودات الثابتة خصوصا الأراضي والعقارات".
وأكد أبو شحادة أن البنوك الفلسطينية اعتمدت في السنوات الأخيرة جملة من الاجراءات من أجل تشجيع معتمديها على استخدام انظمة الدفع الالكترونية بما تحمله من مزايا متعددة وتقلل إلى حد كبير من المخاطر على المواطن الفرد والجهاز المصرفي على حد سواء.
تدخلات سياساتية
وبدوره، رأى الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم أن التهرب الضريبي، سيبقى مستمرا في إسرائيل حتى بعد نفاذ قانون حظر تداول الكاش، ولكنه قد يتخذ أشكالا أخرى بعيدة عن الأجهزة المصرفية الرسمية، ولكنه يستبعد حصول ارتفاع مباشر في أسعار العقارات في المحافظات الفلسطينية بعد نفاذ القانون، ويعتقد د. عبد الكريم أن "الكاش" قد يتدفع في الأسابيع الأولى لسريان القانون ولكن البنوك الفلسطينية ستتحوط لذلك جيدا.
وقال: أتوقع أن تتدخل سلطة النقد الفلسطينية بالتنسيق والتعاون مع سلطة الأراضي ودائرة ضريبة الأملاك، بجملة من الإجراءات السياساتية وتنطلق من اشتراط اتمام صفقات بيع وشراء الشقق والأراضي من خلال الجهاز المصرفي، وهذا من شأنه أن يحول دون تدفق أموال الكاش من إسرائيل إلى الضفة الغربية، ويحول دون تعرض البنوك الفلسطينية لأية مخاطر.
وفيما يتعلق باحتمالية استخدام الأموال الكاش لشراء الأسهم من السوق الفلسطينية، وبالتالي انتقال الاموال تلقائيا الى السوق الرسمية، قال: إن هذا صعب جدا لأن الأسواق الرسمية مكشوفة تماما أمام الجهات الرقابية، كما أن استخدام الكاش لتملك الاموال غير المنقولة أمر صعب ايضا.
ويرى د. عبد الكريم ان ثمة احتمالية لاستمرار تداول الأموال النقدية في أوساط فلسطينيي الداخل اذا ما كان البيع والشراء يتم فيما بينهم، بعيدا عن "الوسط اليهودي" لاعتبارات مختلفة.
وأوضح أن القانون الإسرائيلي الجديد سيفرض على العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر ومشغليهم تحويل أجورهم إلى البنوك الفلسطينية إذا كانت تزيد عن 11 ألف شيقل. "وان كان هذا ينسجم مع التوجه الإسرائيلي بحظر تداول الكاش إلا أنه مصلحة مباشرة للعمال الفلسطينيين وللسلطة الوطنية الفلسطينية على حد سواء، إذ سيكون تحويل الأجور المنتظم دلالة أمام الجهات القضائية الإسرائيلية على حق العامل، بما يحول دون تعرضه لأي مساومة على حقوقه، كما ان ذلك سيخفف من الضغوط التي يفرضها تكدس عملة الشيقل في الجهاز المصرفي الفلسطيني، نتيجة للعراقيل التي يضعها البنك المركزي الإسرائيلي أمام شحن العملة من البنوك الفلسطينية متذرعا بأن بعض هذه الأموال مجهولة المصدر".
ويتراوح عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل ما بين 120-150 ألفا، وتصل فاتورة أجورهم الشهرية إلى قرابة مليار شيقل، وتسري في أوساط العمال شائعات تزعم بأن السلطة الوطنية الفلسطينية تسعى لتحويل اجورهم إلى البنوك الفلسطينية من أجل اقتطاع مبالغ منها تحت مسمى "ضريبة الدخل". وأوضح الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم أن هذه الشائعات لا أساس لها، إذا لم يفرض القانون دفع ضريبة على الدخل المتأتي من دول أخرى.