رام الله-وفا-قالت "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية إن مُعظم المصارف الكبيرة في إسرائيل تُوفر خدمات تُساعد على دعم، وإدامة، وتوسيع المستوطنات غير القانونية من خلال تمويل بنائها في الضفة الغربية المحتلة.
وقدمت المنظمة في تقرير أصدرته اليوم الثلاثاء، حول "تمويل الانتهاكات: المصارف الإسرائيلية في مُستوطنات الضفة الغربية"، الصادر في 41 صفحة، تفاصيل أبحاث جديدة في مجال الأنشطة المصرفية في المستوطنات، والانتهاكات التي تُساهم فيها هذه الأنشطة.
وحسب ما جاء في التقرير، فإن أكبر 7 مصارف إسرائيلية تُوفر خدمات للمستوطنات، كما يُوثق مُشاركة معظمها في بناء وحدات سكنية، تعمل على توسيع المستوطنات، من خلال الحصول على حقوق الملكية في مشاريع البناء الجديدة، ورعاية المشاريع حتى اكتمالها.
وأشارت إلى أن نقل المُحتل مواطنيه المدنيين إلى الأراضي المُحتلة، وترحيل أو نقل أفراد من سُكان الإقليم، يُشكل جرائم حرب، ومن خلال تسهيلها توسيع المستوطنات، تسهل هذه الأنشطة المصرفية نقل السكان بشكل غير قانوني.
وقالت مُديرة المُناصرة في مكتب المنظمة في إسرائيل وفلسطين ساري بشي: تُشارك المصارف الإسرائيلية مع المطورين العقاريين في بناء منازل مُخصصة حصرا للإسرائيليين على الأراضي الفلسطينية، وتُساهم هذه المشاريع التي تؤمنها المصارف في تهجير الفلسطينيين بشكل غير قانوني".
وبحثت "هيومن رايتس" في قوائم مشروعات بناء المستوطنات على الإنترنت، وسجلات الأراضي الفلسطينية والإسرائيلية والبلدية، وتقارير شركات البناء، كما قابلت مُلّاك الأراضي، وزارت مواقع بناء المستوطنات، وراجعت أبحاثا حول الأنشطة المصرفية ووضعية الأراضي أنجزتها المنظمتان الإسرائيليتان غير الحكوميّتين "من يربح من الاحتلال"، و"كِرم نابوت".
وتُقدم خريطة أعدتها صورة جُزئية للخدمات المالية التي تُقدمها المصارف في جميع أنحاء مستوطنات الضفة الغربية، إضافة إلى مشاريع البناء، حيث تُقدم قروضا للسلطات المحلية والإقليمية للمستوطنات، وقروضا عقارية لمشتري المنازل في المستوطنات، وتُدير فروع المصارف هناك.
وحسب التقرير، لا يُمكن لسكان الضفة الغربية الفلسطينيين الممنوعين بأمر عسكري من دخول المستوطنات إلا كعمال يحملون تصاريح خاصة، والاستفادة من هذه الخدمات، في حين تُوفر المصارف الفلسطينية والأجنبية خدمات للزبائن الفلسطينيين خارج المُستوطنات.
وتساهم المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الإنساني الدولي، في نظام تمييزي تُقيد من خلاله السلطات الإسرائيلية، وتُعرقل التنمية الاقتصادية الفلسطينية، في حين تُمول وتدعم المستوطنات الإسرائيلية المبنية على الأراضي المنتزعة بشكل غير قانوني من الفلسطينيين.
ويحظر القانون الإنساني الدولي على دولة الاحتلال استخدام الأراضي إلا لأغراض عسكرية أو لصالح السكان المحليين الذين يعيشون تحت الاحتلال.
وتُصبح المصارف التي تُمول أو "تُرافق" مشاريع البناء في المستوطنات شريكا في التوسع الاستيطاني، وتُشرف على كل مرحلة من مراحل البناء، وتحتفظ بأموال المشترين في حسابات الضمان، وتحصل على ملكية المشروع في حالة تقصير شركة البناء.
ومُعظم هذا البناء يتم على الأراضي التي أعلنتها السلطات الإسرائيلية "أراضي دولة"، والتي يُمكن أن تشمل الأراضي التي انتزعتها بطريقة غير قانونية من مُلّاك الأراضي الفلسطينيين، وتستخدم إسرائيل هذه الأراضي بطريقة تمييزية، وتُخصص ثلث أراضي الدولة أو الأراضي العامة في الضفة الغربية، باستثناء القدس الشرقية، لـ "المنظمة الصهيونية العالمية"، وفقط 1 بالمئة للاستخدام من قبل الفلسطينيين.
وفي قرية عزون الفلسطينية، على سبيل المثال، فقدت عائلة مُرشد سُليمان الوصول بشكل مُنتظم إلى أراضيها، عندما أقامت إسرائيل جدار الفصل بين عزون ومستوطنة "ألفي منشيه" القريبة، على الجانب الإسرائيلي، و"بنك لئومي"، ثاني أكبر مصرف في إسرائيل، يشارك مؤسسة بناء إسرائيلية في تشييد 5 مباني جديدة في هذه المستوطنة، على الأرض التابعة لعزون.
ومُباشرة خارج قرية مسحة الفلسطينية، يُرافق "مزراحي تفحوت"، رابع أكبر مصرف في إسرائيل، مشروعين سكنيين جديدين، مع ما مجموعه 251 وحدة سكنية، ويُوسع المشروع أساسا مُستوطنة "إلكانا" نحو مسحة، ما أدى إلى تفاقم القيود المفروضة على الوصول إلى الأراضي.
وفقدت عائلة عامر بشكل كبير الوصول إلى أراضيها التي كانت تبلغ مساحتها 500 دونم (50 هكتارا)، ويقول أفراد العائلة إن جزءا من البناء الجديد يتم على الأرض التي اشتراها والدهم، لكنها انتزعت دون إذن منهم، وهم الآن ممنوعون منها.
وفي مسحة أيضا، بنت السلطات الإسرائيلية جدارا فاصلا يغوص في عمق الضفة الغربية، لجعل "إلكانا" ومستوطنات أخرى في الجانب الإسرائيلي.
ونوهت المنظمة الى أنها اتصلت بكلا المصرفين طلبا لردهما، لكنها لم تتلق أي ردود ذات مغزى.
ونوهت إلى أن المُستوطنات تُساهم بطبيعتها في انتهاكات حقوقية خطيرة، ولا تستطيع الشركات التي تزاول أعمالا في المستوطنات أو معها التخفيف من أو تجنب المُساهمة في هذه الانتهاكات، لأن الأنشطة التي تقوم بها تتم على أرض تم الاستيلاء عليها بطريقة غير مشروعة، وفي ظل ظروف التمييز، ومن خلال انتهاك خطير لالتزامات إسرائيل كقوة مُحتلة. تُثير هذه الأنشطة مخاوف مُرتبطة بالنهب، بسبب سياسات الاستيلاء على الأراضي من قبل الجيش الإسرائيلي، التي تجعل من الصعب التأكد مما إذا كان أصحاب الأراضي قد وافقوا بحرية.
وأعربت "هيومن رايتس" عن اعتقادها أنه من أجل الامتثال لمسؤولياتها الحقوقية، ينبغي للمصارف، مثل غيرها من الشركات، التوقف عن القيام بأعمال تجارية في المستوطنات الإسرائيلية أو معها. عليها أن تتوقف عن إقامة أو تنفيذ أنشطة داخل المستوطنات، أو تمويل، أو إدارة، أو دعم المستوطنات أو الأنشطة المُرتبطة بالمُستوطنات والبنية التحتية، والتعاقد لشراء السلع المُنتجة في المُستوطنات.
وقالت بشي: "لا يُمكن للمصارف القيام بأعمال تجارية في المستوطنات دون أن تُساهم في التمييز، التهجير، وسرقة الأراضي. ولتجنب هذه النتيجة، عليها أن تُنهي أنشطتها الاستيطانية".