رام الله-أخبار المال والأعمال-يستعد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) لعقد الجلسة الرابعة لمنتدى الحماية الاجتماعية الفلسطينية الشاملة، يوم 15 شباط الجاري، مع التركيز على قانون الضمان الاجتماعي.
ويهدف المعهد لدراسة كافة جوانب الإخفاق في إطلاق نظام الضمان الاجتماعي حتى الآن، وطرح مواقف الأطراف وقوى الضغط تجاه هذه المسألة الحيوية.
وسيقوم المعهد خلال الجلسة القادمة باستعراض شامل لبنود قانون الضمان الاجتماعي لعام 2016، وسبل إحيائه بما يتجاوب مع المطالب المختلفة لتعديله وتوضيحه، وأيضًا بما يحصد الدروس المستفادة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بفلسطين جراء جائحة "كوفيد-19".
وقال مدير عام المعهد رجا الخالدي، إن قيام المعهد بإطلاق هذه المبادرة جاء من واقع غياب أنظمة الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي، وتزامن ذلك مع آخر تطورات الوضع والأزمة الناشئة بسبب جائحة كورونا التي أوصلت شريحة واسعة من المجتمع الفلسطيني إلى ما دون خط الفقر والبطالة، ما رسخ لدى المعهد القناعة بضرورة لعب دوره كجهة بحثية محايدة في التمهيد لبناء أنظمة الحماية الاجتماعية الشاملة، وفق أسس علمية.
وأشار الخالدي إلى أن الحماية الاجتماعية أحد أهم السياسات والأدوات الضرورية لمواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني.
دروس وعبر
وعقد المعهد، خلال الشهرين الماضيين، ثلاث جلسات ناقشت أولها في 23 تشرين الثاني 2020 "أسس الانطلاق نحو الحماية الاجتماعية - الإطار المفاهيمي وتجارب الدول خلال جائحة (كوفيد-19)".
وركزت الجلسة على مفهوم الحماية الاجتماعية بالعلاقة مع الضمان الاجتماعي، وتجارب بعض الدول وسياسات الحماية الاجتماعية فيها أثناء فترة انتشار جائحة كورونا، كالأردن، وتونس، وإسرائيل على سبيل المثال، وتطرقت لواقع الحماية الاجتماعية في فلسطين، ومستوى التغطية ومدى شموليتها في ظل تشتت برامج الحماية الاجتماعية وعدم شموليتها ما قبل جائحة كورونا وبعدها، بالإضافة لعرض حول تجربة الضمان الاجتماعي الفلسطيني وأسباب فشلها والدروس المستفادة منها، وأسس الانطلاق نحو نظام حماية اجتماعية شامل بما فيه الضمان الاجتماعي.
وقدمت الجلسة بعض التوصيات كأساس لبناء قطاع حماية اجتماعية فلسطيني شامل يلبي احتياجات المجتمع الفلسطيني، وقادر على مواجهة التحديات المستقبلية، وذلك بناء على إعادة التأكيد على الرؤية والمنطلقات التي تم التوافق عليها، مع توسيع نطاق شمولية هذه الرؤية لتمتد إلى مفهوم الحماية الاجتماعية، والبدء في تبديد المخاوف المتعلقة بإدارة مؤسسة نظام الحماية الاجتماعية، بما فيها الضمان الاجتماعي، من خلال إعادة إنتاج هذا القانون بشكل مدروس وتوافقي، وإعادة صياغة وتعديل البنود المختلف عليها. ووضع هيكلية واضحة لأنظمة الحماية الاجتماعية، وإصدار الأنظمة واللوائح للجميع، واعتماد مبدأ الشفافية في الحوار ونشر المعلومات وإشراك جميع الأطراف، وبما يضمن حق الرقابة المجتمعية.
وأشار المعهد في بيان، الى أن التجارب الدولية تفيد بأن أهم عوامل فشل أنظمة الضمان الاجتماعي في دول العالم الثالث تتمثل في غياب مبادئ الحوكمة والشفافية والإفصاح وتضارب المصالح وضعف المساءلة، وكل ذلك يؤدي إلى نزع الثقة عن القائمين على هذه المؤسسة. أما بخصوص الخلافات حول مستوى النسب والاقتطاعات فهي مسألة يمكن حلها بالتفاوض والتوافق.
آثار اقتصادية
وناقشت الجلسة الثانية، في 11 كانون الثاني 2021، "الأثر الاقتصادي الكلي المتوقع لتطبيق قانون الضمان الاجتماعي في فلسطين"، والتي أعدها د. طارق صادق ود. مهند أبو رجيلة وقدمت نتائج لنماذج اقتصادية كلية لتطبيق القانون في صيغ اقتصادية مختلفة، مؤكدة أنه في جميع السيناريوهات فإن تطبيق النظام سيفرز نتائج إيجابية في المدى المتوسط في النمو الاقتصادي والعمالة والاستثمار.
ودعت توصياتها إلى التطبيق التدريجي للضمان الاجتماعي لتجنب التأثير السلبي المرتبط بالامتثال الواسع، وإلى بناء الثقة في نظام الضمان الاجتماعي من خلال حملات توعية حول أهمية الضمان الاجتماعي ومزاياه، والإعلان عن خطط استثمارية واضحة، وضرورة إجراء تعديلات على قانون الضمان الاجتماعي ولوائح القانون لزيادة الثقة بالنظام.
كما خلصت الجلسة الثانية إلى ضرورة تحسين الكفاءة في المؤسسات المالية لتحويل المدخرات إلى استثمارات في القطاعات الإنتاجية.
وشدد المعهد على أن إنفاذ قانون الحد الأدنى للأجور قبل تطبيق الضمان الاجتماعي "أمر ضروري". وينص قانون الضمان الاجتماعي على أن الأجور الخاضعة لنظام الضمان الاجتماعي يجب آلا تقل عن الحد الأدنى للأجور.
وقال المعهد، إن تطبيق الحد الأدنى للأجور من شأنه أن يقلل من التأثير السلبي للامتثال الواسع للضمان الاجتماعي على الرفاهية. كما أوصت بعدم دفع مستحقات نهاية الخدمة عن السنوات السابقة فور إنفاذ القانون، لأن ذلك من شأنه أن يضخم الأثر السلبي على المدى القصير.
التأمين الصحي
أما الجلسة الثالثة، التي عقدت في 25 كانون الثاني 2021، فقد ناقضت "الطريق الى التغطية الصحية الشاملة في دولة فلسطين ونظام التأمين الصحي المطلوب"، واستعرضت هذه الجلسة ورقة أعدها د. فتحي أبو مغلي حول التغطية الصحية الشاملة، وهي المحصلة المرغوبة لأداء النظام الصحي، والتي يتلقى من خلالها جميع المحتاجين للخدمات الصحية (بما في ذلك تعزيز الصحة، وخدمات الصحة الوقائية والخدمات العلاجية بكافة مستوياتها إضافة لخدمات التأهيل وإعادة التأهيل والعناية الملطفة) دون تحمل أعباء مالية غير ضرورية. وخرجت الجلسة بضرورة تشكيل هيئة وطنية للصحة من الخبرات الوطنية كافة، تقوم بوضع الدراسات والخطط التنفيذية للنهوض بالقطاع الصحي، بما يشمل التأمين الصحي، والتحويلات الطبية، وجاهزية المستشفيات والمرافق الصحية الحكومية، لضمان تقديم أفضل الخدمات الصحية، وفق معايير مهنية معروفة للجمهور، ولزيادة فعالية الأداء الطبي والمالي للجهاز. ودعت للانطلاق من اعتبار التغطية الصحية الشاملة كهدف لإعمال الحق في الصحة من خلال توفير خدمات صحية ذات جودة عالية للجميع، بعدالة ودون التسبب في إفقار الأسر التي تحتاج لخدمات صحية. وبناء نظام للتأمين الصحي الإلزامي المبني وفق مفهوم تجميع المخاطر، يعتبر النموذج الأمثل للوضع الفلسطيني مع ضرورة مساهمة حكومية من خلال ضرائب عامة او خاصة وفق ما جاء في الورقة المقدمة من اللجنة الصحية الوطنية المشكلة من قبل مجلس الوزراء، وضرورة وجود حاضنة لتجميع التمويل اللازم وإدارة شراء الخدمات الصحية، تتمتع بالاستقلالية وهي مؤسسة عامة للتأمين الصحي، التي يجب ألا تتبع لوزارة الصحة وإنما تشتري خدمات صحية من كافة مقدمي الخدمات الصحية بما في ذلك المراكز الصحية الحكومية بمختلف مستوياتها.
كما دعت إلى إنشاء نظام تأمين صحي تكميلي للخدمات التي لا يغطيها التأمين الصحي الأساسي وفق سلة الخدمات المعتمدة، ووضع الآليات المناسبة وتحديد الجهات الرسمية المسؤولة عن توفير التغطية التأمينية للفئات غير القادرة على الدفع أو لا يسمح دخلها بتوفير الرسوم اللازمة للتأمين، إضافة لتحديد الجهات المسؤولة عن تغطية رسوم بعض الفئات الأخرى مثل العاطلين عن العمل وأسر الشهداء والأسرى، والاتفاق مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الاونروا) على سلة الخدمات التي تغطيها للمنتفعين من خدماتها من اللاجئين وإيجاد آلية لتغطية باقي الخدمات التي لا توفرها خدمات (الأونروا) الصحية.
إطار شامل
وقال الخالدي، إن المعهد سيعمل على إعداد ورقة موقف في نهاية مداولات المنتدى تعكس نقاط التوافق حول إطلاق أنظمة الحماية الاجتماعية، كإطار شامل وواضح ينظم عمل كافة الجهات في سعيها نحو تحقيق الحماية الاجتماعية الشاملة، وعبر عن أمله بأن يساهم هذا الجهد البحثي والحوار العلمي الأهلي في تعزيز جاهزية كافة الأطراف لإعادة فتح هذا الملف وتلبية الحاجة للمضي قدماً دون تردد في وضع الأسس الصحيحة للحماية الاجتماعية الشاملة.