رام الله-أخبار المال والأعمال-عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، يوم الأربعاء، لقاء طاولة مستديرة بعنوان "العمال الفلسطينيون في سوق العمل الإسرائيلية: آليات السمسرة المرتبطة بإصدار تصاريح العمل"، قدم فيها وليد حباس، وأدارها المدير العام للمعهد رجا الخالدي، كما قدم المداخلات الرئيسية كل من مدير عام تنظيم العمل الخارجي في وزارة العمل أسماء حنون، والأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين شاهر سعد، والمحامي عنان حمام، وممثل منظمة العمل الدولية منير قليبو. وعقد هذا اللقاء بدعم من قبل مؤسسة هنريش بل- فلسطين والأردن. وشارك في اللقاء مدعوون من القطاعين العام والخاص ومن ذوي الاختصاص.
الخالدي: تصاعد في ظاهرة "السوق السوداء"
وأشار الخالدي في الافتتاح إلى أن هذه الجلسة تتناول فقط جانب من جوانب استغلال أوضاع العمال الفلسطينيين داخل سوق العمل الإسرائيلية، وهي ظاهرة بيع وشراء تصاريح العمل في إسرائيل بشكل غير قانوني في السوق السوداء، التي تدر أرباحاً وفيرة على السماسرة الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث أن حوالي 30% من التصاريح الممنوحة يتم إصدارها حالياً ضمن نظام المقاولة متضمنة رسوم سمسرة.
ورقة ماس: استغلال العمال الفلسطينيين من قبل السماسرة
واستعرض الباحث في ورقته آليات السمسرة التي باتت ظاهرة معروفة، وإن كانت غير موثقة، ويمكن أن تلمس واقع السمسرة في سوق العمل من خلال التقارير الإعلامية، التي تزايدت مؤخراً بشكل كبير، وعبر تصفح العديد من الصفحات المنتشرة على الفيسبوك. وبرغم محاكمة المتورطين في المؤسسات الحكومية، إلا أن أعمال الفساد لم تنته في كل من الإدارة المدنية ووحدة خدمات المشغلين. وتشير تقديرات بنك إسرائي (المركزي) إلى أن 20,166 عاملا فلسطينيا اشتروا تصاريح عمل للدخول لأماكن عملهم في إسرائيل في العام 2018 وتم تقدير الأرباح الإجمالية لسماسرة التصاريح في حينه بقرابة 122 مليون شيقل. إلا أن تقديرات البنك لأسعار التصاريح في السوق السوداء لا تعكس الحجم الحقيقي للظاهرة، إذ احتسب متوسط الربح الشهري عن كل تصريح بمبلغ لا يتجاوز 500 شيقل. ولكن في الواقع تتراوح أرباح التصاريح ما بين 500 و800 شيقل، لذلك لا بد أن الأرباح المتحققة أعلى بكثير من تقديرات بنك اسرائيل. ولفهم آليات السمسرة والوساطة بشكل أفضل أشار الباحث إلى أنه لا بد من فحص كيف يقوم المشغلون باحتساب أجور العاملين. ما أن يقوم المشغل الإسرائيلي (سواء الوهمي أو الفعلي) بإصدار تصريح عمل، فإنه يضطر الى اصدار قسيمة راتب للعامل الفلسطيني. وتبين القسيمة الراتب/الأجر الإجمالي والصافي- ويشمل الفرق بينهما العديد من التفاصيل التي يمكن جمعها تحت عنوان الاستقطاعات أو الخصومات. وهذا التصريح الكاذب يُمكّن صاحب العمل من دفع الحد الأدنى من الاستقطاعات والخصومات لوحدة خدمات المشغلين. بينما في الواقع، يدفع صاحب العمل للعامل صافي الأجر السائد في سوق العمل وهو أعلى بكثير من المصرح به.
وأوضح الباحث أنه وفق تقديرات بنك إسرائيل، يبلغ متوسط الاستقطاعات الشهرية التي يدفعها صاحب العمل (سواء الوهمي أو الفعلي) إلى وحدة خدمات المشغلين حوالي 1,482 شيقلا. واستندت هذه التقديرات إلى مسح شمل 1271 عاملا فلسطينيا (561 عاملا منهم قاموا بشراء تصاريح عمل) تم مقابلتهم في أربعة معابر منتشرة في الضفة الغربية في حزيران 2018. وهذا يعني أن معظم قسائم الرواتب الصادرة لحملة التصاريح تقوم بالتصريح عن الحد الأدنى من الأجور.
أما فيما يخص تبعات تجارة التصاريح، اعتبر الباحث أن تجارة التصاريح تبدو مجدية للأطراف الثلاثة (المشغل الوهمي والمشغل الفعلي والعامل). إلا أن هذا النظام غير القانوني والمعقد يقوم على استغلال العمال بشكل مضاعف، حيث تعمل آليات السمسرة على تعزيز قدرة المناورة لكل من المشغل الوهمي والفعلي مقابل إضعاف قوة مناورة العمال في سوق العمل. كما أنها لا تقتصر ظاهرة تخفيض قيمة الأجر اليومي بهدف التهرب من الاستقطاعات والضرائب على العمال الذين يشترون التصاريح فقط، بل إن غالبية المشغلين الفعلين والوهميين يصرحون عن أجور غير حقيقية لزيادة أرباحهم، إذ يتيح لهم ذلك عدم دفع الاستقطاعات المترتبة على أي أموال دفعوها فعلياً للعامل فوق الأجر المتدني المصرح به. إلا أن العمال الذين يشترون التصاريح يجدون أنفسهم مرغمين أكثر من غيرهم على التنازل عن حقوقهم العمالية لضمان استمرار التصريح.
حنون: وزارة العمل الفلسطينية هي المخولة بتنظيم العمالة الفلسطينية في إسرائيل
من جهتها، أشارت حنون إلى أن أعداد العمال الفلسطينيين في إسرائيل يفوق العدد الرسمي المصرح به من طرف الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وان عددهم يصل الى حوالي 200 ألف عامل (95 ألف عامل يحملون تصريحا للعمل بإسرائيل، و40 ألفا يحملون تصاريح للعمل بالمستوطنات، البقية يعملون بتصاريح أخرى او عن طريق التهريب). وذكرت حنون ان خلال فترة الإغلاق جراء جائحة كورونا قد زاد عدد الفتحات في الجدار، وهذا بدوره عمل على زيادة عدد العمال الفلسطينيين الذين يعملون بإسرائيل عن طريق التهريب، وشددت أيضاً أنه ووفق برتوكول باريس الاقتصادي فان وزارة العمل الفلسطينية هي المخولة بتنظيم العمالة الفلسطينية في إسرائيل، ولكن مكتب العمل الإسرائيلي والسماسرة هم من يقومون بإدارة هذا الملف على الأرض. أما بخصوص المنصة الالكترونية للتوظيف المعمول بها اسرائيلياً، أشارت حنون إلى انها تخدم مصلحة الجانب الإسرائيلي كونها تعمل على سلخ الملف بحد تعبيرها عن السلطة الفلسطينية. وأكدت في ختام مداخلتها على ضرورة ان يكون التفاوض بما يتعلق بملف العمال الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات ما بين الجهات الحكومية الرسمية وليس المدنية التجارية.
سعد: أرقام فلكية لحجم المتاجرة بتصاريح العمل
من جانبه، أكد سعد في أن وزارة العمل الفلسطينية هي المسؤولة عن إدارة ملف العمال الفلسطينيين في إسرائيل، وذلك حسب بروتوكول باريس الاقتصادي، وأشار إلى ان حجم التجارة بتصاريح العمل يصل الى مبالغ أكبر بكثير من تلك الموثقة في الورق، الى ما يقارب 700 مليون شيقل سنوياً. وأوضح أن هناك عدة قضايا يتعرض لها العمال الفلسطينيون في إسرائيل، موضحا كيفية استغلال هؤلاء العمال، والتعدي على حقوقهم ومستحقاتهم، كما وضح انه بتقرير تقصي الحقائق التابع لمنظمة العمل الدولية يتم توثيق هذه المعلومات. وطالب سعد بضرورة محاربة ومحاكمة سماسرة التصاريح، وتحصيل حقوق العمال الفلسطينيين في إسرائيل كاملة، محملاً منظمة العمل الدولية مسؤوليتها الحقوقية والقانونية في معالجة هذا الملف وهذه الانتهاكات وليس الاكتفاء بتوثيقها ورفع التقارير بشأنها، مهما كانت مهمة تلك التقارير ودقيقة في متابعتها لقضايا العمال الفلسطينيين.
حمام: ضرورة زيادة مستحقات العمال الفلسطينيين
وأشار المحامي حمام في مداخلته إلى ضرورة ان يكون هناك تواصل لنقابات العمال الفلسطينية مع نقابات العمال الإسرائيلية، ومع ممثلين من القطاع الخاص الإسرائيلي ومع الاتحادات الزراعية والصناعية، لمعرفة ابرز القطاعات التي تحتاجها سوق العمل الإسرائيلية، وابرز الخبرات والمهارات المطلوبة لذلك. من شأن ذلك توجيه العمال الفلسطينيين لهذه القطاعات وتدريبهم على المهارات التي تلزمها. وأوضح أهمية هذا الاجراء بمثال عن المتوسط الشهري لأجر العامل الصيني في إسرائيل، والذي يتراوح ما بين 24000 -30000 شيقل (ما يقارب خمسة اضعاف متوسط اجر العامل الفلسطيني الشهري)، بعد ان كان الاجر الشهري لا يتجاوز 5000 شيقل في 2008، ويعود هذا الى ان العامل الصيني خلال هذه الفترة اكتسب مهارات عالية لا يملكها العامل الفلسطيني مكنته من استحقاق اجر اعلى. وبين سعد ان نقابات العمال الإسرائيلية تستطيع الضغط على الكنسيت الإسرائيلي في مجال زيادة عدد العمال الفلسطينيين، وكذلك زيادة مستحقاتهم، مؤكداً أن العامل الذي يحمل تصريح عمل بإسرائيل يستطيع الاستفادة من خدمة التامين، بينما الذي يعمل بتصريح عمل اخر (تصريح تجاري على سبيل المثال) ويعمل في إسرائيل لا يستطيع الاستفادة من خدمة التامين في حالات الحوادث واصابات العمل.
قليبو: ضرورة محاكمة السماسرة بالقانون
بينما تحدث قليبو عن أهمية التقارير الدورية التي تصدرها منظمة العمل الدولية في سبيل نصرة قضايا العمال الفلسطينيين بما فيهم العاملون في إسرائيل والمستوطنات، مؤكدا ان عدد العاملين الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات يفوق 200 ألف عامل. ولفت قليبو إلى ظروف العمل الصعبة والاستغلال الذي يتعرض له العمال من طرف المشغلين الإسرائيليين، وانه لولا الظروف الصعبة ومعدل البطالة المرتفع في الأراضي الفلسطيني لما لجأ هؤلاء الى العمل في إسرائيل. وأشار قليبو إلى أنه بإمكان العامل الفلسطيني استرداد مبلغ معين من رسوم تصريح في حال لم تتم الموافقة على طلب التصريح. وذكر ان هناك سماسرة من النساء يمارسن هذا النشاط في منطقة الأغوار ويتقاضين عمولات عالية جراء السمسرة، مشددا على ضرورة وجود جهة أو ممثل لرعاية حقوق العمال الفلسطينيين في إسرائيل وتوجههم، وطالب بمحاكمة السماسرة بالقانون، وتساءل قليبو: أين البديل لإسرائيل؟؟ وأين مسؤولية الحكومة الفلسطينية تجاه ذلك؟؟
فيما تمحورت مداخلات المشاركين حول خطورة موضوع السمسرة والتجارة بتصاريح العمل، وان ما يتم هو مخالف لما جاء في بروتوكول باريس الاقتصادي، وعلى ضرورة محاسبة هؤلاء السماسرة ومحاكمتهم، ووقف هذه التجارة، وفي هذا السياق أكد وزير العمل السابق مأمون أبو شهلا على أن هناك حجم كبير للتجارة بتصاريح العمل وانه يقارب المليار شيقل سنوياً، وأنه لا بد من معالجة هذه الظاهرة الخطيرة.