سحابات القلق فوق الرؤوس.. لبنان بلا مال والوقت ينفد

تاريخ النشر
سحابات القلق فوق الرؤوس.. لبنان بلا مال والوقت ينفد
السائق فؤاد خماسي يقود سيارته الأجرة في بيروت يوم السادس من اكتوبر تشرين الأول 2020. تصوير: عصام عبد الله - رويترز.

بيروت (رويترز) - يبتلع خزان الوقود في سيارة اللبناني فؤاد خماسي حوالي 40 ألف ليرة كل يوم، لكن هذا الرقم قد يتضاعف لأربعة أمثاله على الأقل إذا توقف الدعم.

لا يستطيع سائق السيارة الأجرة، البالغ من العمر 53 عاما، سوى شراء الوقود لسيارته والطعام لأطفاله. أصبح يعيش في غلالة من القلق، تحاصره المخاوف من أن تقفز أسعار الغذاء والواردات الأساسية المدعومة، كالقمح والوقود والدواء، وتناطح السحاب.

الوقت ينفد والمال ينضب في لبنان.

قال خماسي "هذه أصعب أيام حياتي.. في بعض الأيام، تضع يدك في جيبك فلا تجد شيئا... أغادر المنزل وليس بوسعي سوى الدعاء".

هوت احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي بشدة دون ما كانت تعتبره الدولة بالفعل "مستويات خطيرة" عندما تخلفت عن سداد ديونها الضخمة في مارس آذار، في دلالة على أنها لا تستطيع تحمل تكلفة الحفاظ على الدعم لفترة طويلة.

لم يضع القادة، الذي يقبضون منذ عقود على زمام السلطة في البلاد، خطة للإنقاذ المالي حتى الآن، بعد عام من احتجاجات ضخمة اجتاحت البلاد، وفشلوا في تأمين المساعدات من المانحين الأجانب.

تعثرت المحادثات مع صندوق النقد الدولي في وقت سابق من هذا العام عندما عجز مسؤولو الحكومة والمصرفيون والأحزاب السياسية عن الاتفاق على حجم الخسائر في النظام المالي ومن يجب أن يتحملها.

وبعد الانفجار الكبير في مرفأ بيروت في أغسطس آب الذي أودى بحياة ما يقرب من 200 وأحدث أضرارا بمليارات الدولارات، تدخلت فرنسا القوة الاستعمارية السابقة.

لكن الساسة الطائفيين المتنافسين لم يتمكنوا من تجاوز أول عقبة تقابلهم في خارطة الطريق الفرنسية للحصول على المساعدة المالية. كانت تلك العقبة تشكيل حكومة جديدة بشكل سريع.

وترنحت عملة البلاد مع تعثر الجهود الفرنسية، بعد أن فقدت أكثر من 80 في المئة من قيمتها أمام الدولار الأمريكي منذ الخريف الماضي.

في غضون ذلك، تسببت تعليقات المسؤولين التي تشير إلى وقف بعض الدعم خلال أشهر في عمليات شراء بدافع الذعر، لتطل أشباح نقص الغذاء وانهيار أشد مأساوية لقيمة العملة.

أصبح كثيرون يستعدون للجوع والبرد مع اقتراب الشتاء في دولة يبلغ عدد سكانها ستة ملايين نسمة، يعيش أكثر من 55 في المئة منهم تحت خط الفقر.

إرجاء التعامل مع المشكلة

قال ناصر سعيدي نائب حاكم مصرف لبنان (البنك المركزي) السابق لرويترز إن كل ما حدث منذ أكتوبر الماضي كان من الممكن تفاديه.

وأضاف أن توجيه المساعدات إلى اللبنانيين الأشد فقرا هو إجراء أكثر فعالية من الدعم الشامل الذي استفاد منه المهربون الذين ينقلون البضائع إلى سوريا.

وأوضح أن الأمر يتعلق بإرجاء التعامل مع المشكلة وأن ما كان ينبغي عمله يتمثل في خطة اقتصادية ومالية شاملة.

قال مستوردو السلع الأساسية إنهم لم يتم إعطاؤهم جدولا زمنيا يوضح إلى متى يمكن أن يستمر الدعم.

وقال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إن المصرف لا يمكنه تمويل التجارة إلى أجل غير مسمى، إلا أنه لم يحدد إطارا زمنيا. وقال الرئيس ميشال عون في الآونة الأخيرة في إشارة لاحتياطيات البلاد إن المال سينفد، "ماذا نقول؟".

وقال مصدر مسؤول مقرب من الحكومة لرويترز إن الأموال المتبقية للدعم ستستمر لستة أشهر أخرى عبر قطع الدعم عن بعض السلع.

وتتراشق الدولة، التي يصفها المعارضون بأنها غارقة في الفساد، والقطاع المصرفي المشلول، وهو أكبر دائنيها، بسهام النقد في معركة المسؤولية عن الأزمة.

في غضون ذلك، تزداد الفجوة اتساعا بين الفقراء والأثرياء، رغم أنها بالفعل تقف بين أكبر نظيراتها في المنطقة. وفي بلد ينتج القليل ويعتمد بشكل كبير على الواردات، تضاعفت أسعار الكثير من المواد الاستهلاكية حتى حفاضات الأطفال التي زاد سعرها لثلاثة أمثال.

وفي بيروت، يبحث رجال ونساء، بعضهم برفقة أطفال صغار، عن الطعام في حاويات القمامة، قرب مفترقات الطرق في مشهد يمكن أن يتكرر كثيرا.

تخزين الأدوية

بعد شهرين من انفجار المرفأ، يتوقع اللبنانيون حياة أشد قسوة.

تعتمد الكثير من العائلات الآن على المؤسسات الخيرية. وقد يدفع الانهيار الاقتصادي الناس للاعتماد بشكل أكبر على الفصائل السياسية في الحصول على المساعدات والأمن، في ردة إلى عصر الميليشيات إبان الحرب الأهلية.

وكان بعض المحللين قد حذروا من أن قوات الأمن التي تتراجع قيمة رواتبها بسرعة لن تكون قادرة على احتواء الاضطرابات المتزايدة.

وتتحمل المستشفيات ما يفوق طاقتها تحت وطأة الزيادة في حالات كوفيد-19. وأظلمت شوارع المدينة بفعل نقص الوقود. ووقفت السيارات في طوابير أمام المحطات للحصول على حصتها.

وقالت سهام عيتاني الصيدلانية التي تشعر بالخوف من ارتفاع الأسعار والتعرض للسرقة "نحن خائفون من ألا نتمكن من الاستمرار" مضيفة أن إمدادات الأنسولين وأدوية ضغط الدم تراجعت بالفعل.

وقالت صيدلانية أخرى إن رجلا كان يخفي وجهه وراء قناع احتجزها تحت تهديد السلاح وطلب منها طعاما لطفل رضيع.

وقام مصطفى المهلهل، الذي يبلغ من العمر 62 عاما ويعاني من السكري، بتخزين أربع قوارير من الأنسولين في ثلاجته، لكنها فسدت بفعل انقطاع التيار الكهربائي.

وقال "لو ارتفع السعر، كيف سأدفع ثمنها؟.. سيموت الناس في الشوارع".