رام الله-"الأيام"-سائد أبو فرحة-تفاجأت المواطنة نداء قطامش من البيرة، حينما ذهبت لشراء كمامة من إحدى الصيدليات في المدينة، أمس، بإبلاغ الصيدلانية لها بأن ثمنها ثلاثة شواكل، أي ضعف المبلغ الذي حددته وزارة الاقتصاد الوطني، أول من أمس، لأسعار الكمامات الخاصة بالاستخدام غير المتكرر.
وقالت قطامش: توجهت إلى الصيدلية انسجاماً مع قرارات مجلس الوزراء بضرورة لبس الكمامة والكفوف في أماكن العمل، ولدى سؤالي عن سعر الكمامة، تفاجأت بأن سعرها ضعف ما أعلنته وزارة الاقتصاد، وعندما راجعت الصيدلانية وأطلعتها على صفحة الوزارة، أخبرتني أنه لا يمكن الالتزام بالسعر المحدد، لأن كلفة الكمامة على الصيدلية ذاتها يصل إلى شيكلين ونصف الشيكل.
وتابعت قطامش: كما أبلغتني الصيدلانية أن هناك نقابة للصيادلة، بالتالي فإن وزارة الاقتصاد ليست من تقرر الأسعار، مضيفة: "أتمنى على رئيس الوزراء والحكومة، إن كانا يريدان من المواطن الالتزام بالقانون وشروط السلامة العامة، متابعة ومراقبة الأسعار في الصيدليات".
ولا تمثل قصة قطامش سوى نموذج واحد على مظهر متكرر فيما يتعلق بالأسعار، إذ يكفي القيام بجولة على عدة صيدليات في رام الله والبيرة، ما فعلته "الأيام"، لتبيان أنه ليس هناك سعر واحد للكمامات بالذات.
وتراوح السعر الذي حدده خمسة صيادلة التقتهم "الأيام"، ما بين 2 - 3 شواكل، وكلهم أجمعوا على عدم إمكانية بيع الكمامة بالسعر الاسترشادي، طالما أن سعر الكلفة أصلاً أكثر منه، ويتراوح ما بين 2 - 5ر2 شيكل.
وقال أحد الصيادلة: في السابق أي قبل أزمة "كورونا"، كنت أوزع هذه الكمامات مجاناً خاصة على جيراني كلما كانوا يطلبونها، لكن الأمور اختلفت كثيراً، وبت أبيع الواحدة بثلاثة شواكل، لارتفاع ثمنها الآن من المصدر.
وأضاف: أنا أتفهم موقف المواطن، لكن لا يمكننا أن نبيع الكمامة بأقل من سعر الكلفة ويتجاوز الشيكلين عموماً، ما ينطبق على علبة الكفوف وتصل إلى 25 شيكل، علما أن سعر الكلفة لها يبلغ 23 شيكلاً.
أمجد الزغير، أحد أصحاب مصنع لإنتاج الكمامات للاستخدام الوحيد أي غير المتكرر، مقره في الخليل، ذكر أنه يبيع الكمامة الواحدة في الضفة بشيكل، بالتالي فإن جرى بيعها بشيكل ونصف الشيكل سيكون ذلك عادلاً.
بيد أنه رفض المقارنة بين الكمامة محلية الصنع، ونظيرتها المستوردة، وقال: أسعار المواد الخام الخاصة بصناعة الكمامات ليست رخيصة، وكذلك لا ينبغي تناسي كلفة الأيدي العاملة، والاستيراد، وحتى أجرة النقل لوصولها إلى المستهلك، فكل ذلك له كلفة ليست بالبسيطة.
وكانت شركة "رد فور" التي يمثلها الزغير، تعمل في صناعة الأحذية، لكن مع بدايات أزمة كورونا، تحولت إلى إنتاج الكمامات.
وقال: المصنع لوالدي وأعمامي، ونحن ننتج آلاف الكمامات التي توزع في كل أنحاء الضفة.
عموماً، فإن موضوع الكمامات والكفوف، باعتباره أحد متطلبات السلامة العامة والتدابير الاحترازية المطبقة من الحكومة، بات يحظى باهتمام متزايد من المواطنين، خاصة بعد إعلان رئيس الوزراء د. محمد اشتية، أول من أمس، عن إيقاع عقوبات بحق الأفراد، والمنشآت التي لا تلتزم بتعليمات السلامة العامة، خاصة ارتداء الكمامات والكفوف في الأماكن العامة.
وأصدر مجلس الوزراء قراراً جاء فيه، "كل شخص لا يضع كمامة وقفازين في الأماكن العامة والحكومية، والشركات والمؤسسات والمنشآت، ومحلات المهن، وأماكن التسوق، والمحلات التجارية، والعيادات الطبية، والمراكز الصحية، أو لا يلتزم بقواعد التباعد الاجتماعي، أو أي من متطلبات البروتوكول الصحي، يعاقب بغرامة مالية لا تقل عن 20 ديناراً، ولا تزيد على 50 ديناراً أو ما يعادلها بالعملة المتداولة".
وسبق هذا القرار، إعلان وزارة الاقتصاد الوطني، قائمة السقف السعري "الأعلى" للكمامات والكفوف الصحية ومعقم اليدين، وحدد سعر الكمامة الطبية المنتجة من أقمشة غير منسوجة ومخصصة لاستخدام وحيد بشيكل ونصف الشيكل، بينما حدد سعر كمامة الوقاية العامة وهي أيضاً غير منسوجة وللاستخدام مرة واحدة بشيكل، أما سعر كمامة الوقاية العامة للاستخدام المتكرر فبلغ 5 شواكل.
وبالنسبة للكفوف الصحية، فإنه حدد سعر العلبة الواحدة حسب نوعها بـ 15 و18 و25 شيكلاً.
عزمي عبد الرحمن، المتحدث باسم الوزارة، أشار إلى أن الأسعار حددت من قبل فريق ضم أيضا وزارة الصحة، مبينا أن الأسعار المحددة منطقية ومنصفة.
بيد أن عبد الرحمن اعتبر أن من المبكر الحكم على مدى التزام الصيدليات بالأسعار، مشيرا إلى أن طواقم حماية المستهلك التابعة للوزارة تقوم بجولات في الأسواق، وستتخذ الإجراءات اللازمة بحق المخالفين.
موضوع الكمامات والكفوف، ليس مدار متابعة من طواقم المؤسسة الرسمية فحسب، بل إن جمعية حماية المستهلك تعنى بالشأن ذاته.
وقال صلاح هنية رئيس جمعية حماية المستهلك في محافظة رام الله والبيرة: توجهنا إلى وزيرة الصحة مي كيلة بضرورة تحديد أسعار الكمامات، ليتمكن المستهلك من معرفة السعر العادل، ويكون الجميع على بينة، خاصة أن الكمامات والقفازات باتت ملزمة بالقانون،
وسيحرر عليها مخالفات، وصدرت الأسعار وعبرنا عن تقديرنا لهذه الخطوة، لكن للأسف لم يتم الالتزام بها، وبدأ الضغط من تجار الجملة سواء المستودعات أو تجار النثريات بضرورة رفع الأسعار.
واستدرك: لقد اعتدنا هذه الأسطوانة المتكررة، سواء عند بداية حالة الطوارئ في فلسطين، حيث تم رفع أسعار المعقمات، تحت ذريعة أن سعر الكحول ارتفع من بلد المنشأ، وأن هناك شحا في العالم من المصادر، وللأسف تم التغول بسعرها، رغم كافة التسهيلات التي قدمتها وزارة الصحة للشركات المحلية، ليكون المنتج الفلسطيني حاضراً بقوة ويخفف على المواطنين.
وأضاف: نحن مع الإجراءات الصحية والالتزام بها، لكن يجب ضبط أسعارها وتوفيرها بكميات في السوق، لتزيد العرض وتلبي الطلب وتنخفض الأسعار، ولا يعقل أن تشكل عبئا ماليا على الناس في هذا الوضع الاقتصادي والاجتماعي المعقد، وقد وجهنا عناية المستهلك إلى أن يصنع كمامته بنفسه، ليقلل التكاليف ويحمي نفسه، وهناك عديد النشرات التي توضح آلية تنفيذها.
وحذر من مغبة الاستجابة لضغوط التجار الموردين للكمامات والقفازات لمراجعة الأسعار بغية رفعها، مطالباً الشركات الفلسطينية بضرورة تقديم سعر عادل للمستهلك، خاصة أن 27 منشأة جرى ترخيصها، بعد مطابقتها للمواصفة الفلسطينية، لصناعة الكمامات والملابس الواقية.
وقال: هذا النشاط الصناعي يجب أن ينعكس على أسعار المستهلك والجملة، وتوفير كميات كافية لتلبية الطلب، ونحن مع دعم المنتجات الفلسطينية، فهذا وقتها، فقد وقفنا مع الصناعة الفلسطينية ويجب أن تقف معنا اليوم.
ومضى قائلاً: المشكلة أن سعر الكمامات قبل الطوارئ والوباء، كان بأغورات، وفجأة باتت لها معادلة سعرية واشتراطات.
وأشار إلى أن الأردن حددت أسعار الكمامات بـ 17 قرشا للمستهلك أي أقل من شيكل واحد، ثم وفرت مليوني كمامة في المؤسسة الاستهلاكية العسكرية والمدنية، إضافة إلى توفرها في السوق.
وفي المقابل، فإن د. أيمن خماش نقيب صيادلة فلسطين، أكد أن قائمة السعر الاسترشادي حددت دون التشاور مع النقابة، مضيفا: "تواصلنا مع وزارة الصحة، وأكدت لنا أن تحديد الأسعار تم دون التشاور معها أيضا".
وتابع: نحن تحدثنا مع أكثر من مسؤول في وزارة الصحة، وأكد لنا هذه المسألة، لكن بجميع الأحوال ما نود تأكيده أن الأسعار المحددة في القائمة أقل بكثير من سعر الكلفة الحقيقية.
كما لفت إلى قيام النقابة بالتواصل مع وزارة الاقتصاد، ومؤسسة المواصفات والمقاييس ممثلة بمديرها العام من أجل الموضوع ذاته.
وقال: أرسلنا كتاباً موجهاً لوزيري الصحة والاقتصاد اليوم (أمس)، أكدنا فيها أن الأسعار المعلنة تقل عن سعر الكلفة، وطالبنا بإعادة النظر في الأسعار، وتزويدنا بأسماء موردين كيف نتعاون معهم ونتمكن من البيع بالسعر المقترح، وقد تلقينا وعوداً بتزويدنا بهذه الأسماء.
وتابع: تواصلنا مع بعض المصانع التي تنتج كمامات، واتضح أنه لم تكن هناك رقابة على سعر الكلفة الحقيقية للمنتجات وبيعها إلى الأسواق، بالتالي تم بيع هذه المنتجات بأسعار مرتفعة جداً.
ولفت إلى أن كثيرين لا يدركون أنه منذ بداية أزمة "كورونا"، ارتفعت أسعار الكمامات من بلد المنشأ، علاوة على ارتفاع الأسعار من الموردين بحكم الأوضاع، بالتالي فإنها وصلت إلى الصيادلة بأسعار مرتفعة.
وقال: كثير من الكمامات الموزعة في سوقنا لم تكن مطابقة للمواصفات، لكن تم تحديد المواصفات، إلا أنه بسبب عدم الرقابة والتأكد من الكلفة الحقيقية للكمامات أخذت تباع بأسعار مرتفعة، بيد أنه مع تنامي التنافس بين المصانع المحلية والشركات الموردة حدث انخفاض على الأسعار.
كما نوه إلى وجود مخزون كبير من الكمامات لدى الصيدليات، تم شراؤها بسعر مرتفع خلال الفترة الماضية، مضيفا: "هل يعقل أن تسوق هذه الكمامات بالسعر المحدد، وهو أقل بكثير من سعر الكلفة التي تحملتها الصيدليات، من هنا أعتقد أن هذا الموضوع بحاجة لمراجعة، إلا إذا تم التوصل لآلية يتم بموجبها تعويض الصيدليات عن الفارق في السعر".