رام الله-صحيفة الأيام-لا إحصائية دقيقة حتى اللحظة لخسائر الاقتصاد الفلسطيني جراء تداعيات انتشار فيروس كورونا، بانتظار أول دراستين مهنيتين، إحداهما للبنك الدولي والثانية لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية "ماس"، يتوقع إعلان نتائجهما منتصف الشهر الجاري، لكن في وقت أعلن فيه العديد من دول العالم عن مواعيد لاستئناف تدريجي للأنشطة الاقتصادية، يبدو أن قدرة قطاع الأعمال الفلسطيني على التحمل، بمختلف مكوناته بدأت بالنفاد.
وسارعت مؤسسات تمثل القطاع الخاص، كالغرف التجارية، إلى تقديم بعض المقترحات للحكومة لاستئناف تدريجي للأنشطة الاقتصادية، "حيثما كان ذلك ممكنا، وبالحد الأدنى، ودون مساس بالإجراءات والتعليمات الصحية"، قال عبد الغني العطاري رئيس غرفة تجارة رام الله والبيرة.
وأضاف: "على مدى اليومين الماضيين، نحن على اتصال مع وزير الاقتصاد ومحافظ رام الله والبيرة ليلى غنام. قدمنا مقترحات بإعادة فتح بعض المنشآت، ضمن شروط السلامة حتى نتمكن من إعادة عجلة الاقتصاد إلى الدوران تدريجيا".
تجاريا، قال عطاري، يمكن البدء بفتح جزئي لورش صيانة السيارات، والمطاعم التي تقدم خدمة التوصيل إلى المنازل أو البيع دون استضافة زبائن داخلها، ومحلات بيع مواد البناء والأدوات الصحية، بحجم عمالة مقلص وبالتناوب لضمان عدم التجمع والاكتظاظ".
في قطاع الصناعة، بحسب عطاري، هناك عدد "لا بأس به" من المنشآت استمرت في عملها، كمصانع المنظفات والأدوية والألبان، والورق الصحي، والمطابع، والمياه، "وأي صناعة يمكن تشغيلها ضمن الشروط والإجراءات الصحية يجب أن تفتح. وتدريجيا يمكن الانتقال من مهنة إلى أخرى"، مضيفا: "هذه المقترحات تقدمنا بها إلى وزير الاقتصاد، ولمسنا منه رد فعل إيجابيا في الموضوع، وهي قيد الدرس من قبل لجنة الطوارئ الوزارية".
في الخليل، حيث تضم نحو 40% من المنشآت الصناعية في فلسطين، يبدو أثر إجراءات العزل وتقييد الحركة أكثر وضوحا، وأمس، بعث رئيس غرفة تجارة الخليل، عبدو إدريس، رسالة إلى رئيس الوزراء محمد اشتية طالب فيها بتخفيف هذه الإجراءات.
وقال إدريس: "طلبنا إعادة تشغيل المنشآت الصناعية بنسبة 30%، لأن التوقف التام مدمر لاقتصاد محافظة كالخليل التي تضم مئات المنشآت الصناعية وتشغل آلاف العمال ليس من مصلحة أحد وقف رواتبهم".
وأضاف: هناك من يلومنا على الضغط باتجاه تخفيف الإجراءات بما يسمح بعودة الأنشطة الاقتصادية إلى العمل ولو جزئيا، وهو واجبنا كممثلين للقطاع الخاص هذا أولا، وثانيا ما نطالب به لا يهدد الصحة العامة. الغالبية العظمى من المنشآت عائلية ومن يعمل بها هم أفراد العائلة من إخوة وأبناء، فهل يعقل أننا نخاطر بهم".
ولفت إدريس إلى عديد الدول التي بدأت بتخفيف إجراءات العزل للتقليل من تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية، "بما فيها إيطاليا إحدى أكثر الدول تأثرا بالوباء".
إضافة لصعوبة التنقل في حالة الطوارئ، فإن إحدى ابرز العقبات التي تواجهها المنشآت في مختلف القطاعات الاقتصادية تتمثل بجفاف السيولة لديها، وفقا لاستطلاع سريع أجراه مركز التجارة الفلسطيني "بال تريد" خلال الأيام القليلة الماضية، وشمل نحو 80 شركة عضواً في المركز.
وقال أمين سر مجلس إدارة "بال تريد" سمير حليلة، إن الاستطلاع هدف إلى التعرف إلى مشاكل قطاعات الأعمال، ومدى تأثر عمليات الاستيراد والتصدير، والمشاكل المرتبطة بالعمالة في هذه المنشآت، والمطلوب من إجراءات سريعة لاستعادة نشاطها، أو على الأقل تقليل الأضرار إلى أقل حد ممكن، "وأبرز النتائج كانت أن هناك عددا بسيطا من الشركات تعمل بطاقات إنتاجية متفاوتة. المشكلتان الرئيسيتان هما: صعوبة الحركة، وفقدان السيولة".
وأضاف: "هناك إجراءات إدارية يجب اتخاذها بشكل فوري، ولا تكلف شيكلا واحدا، أهمها استئناف تقاص الشيكات، وإزالة المعيقات أمام القطاعات التي ما زالت مستمرة بالعمل كقطاعي الصحة والزراعة، بما يضمن وصول المزارعين الى أراضيهم وأيضا وصول المنتجات إلى الأسواق".
أحد القطاعات التي كان تعطيلها مفاجئا، وفقا لاستطلاع "بال تريد"، قطاع التكنولوجيا، حيث لا تشكل صعوبات الحركة أي مشكلة لهذا القطاع لقدرة العاملين فيه على العمل من المنزل بطاقة كاملة، "لكن فوجئنا أنه متوقف تماما عن العمل، والسبب عدم توفر السيولة لديه. إذا توفرت السيولة فلا يوجد ما يمنع من استئناف العمل في هذا القطاع بكامل طاقته"، قال حليلة.
أيضا، يرى حليلة أن قطاعات: الزراعة، والصحة، والصناعات الكيماوية، والصناعات الغذائية "يمكن تشغيلها فورا، وبكامل طاقتها، ضمن شروط تلبي المتطلبات الصحية".
وقال، على سبيل المثال، ما الذي يمنع عودة العمل في مشروع كبوابة أريحا (مشروع عقاري ضخم تنفذه شركتا "باديكو" القابضة والاتصالات الفلسطينية)، بمجموعات عمل صغيرة تتوسع تدريجيا، مع توفير مبيتهم في المشروع، خصوصا أن محافظة أريحا نظيفة من فيروس كورونا، وهي مغلقة تماما، وهذا ينطبق على مشاريع البناء الأخرى، حيث يمكن العمل بها وفقا لضوابط تتماشى مع الإجراءات الصحية".
رغم مرور عشرة أيام على استحقاق رواتب شهر آذار، فإن عددا كبيرا من منشآت القطاع الخاص لم تصرف رواتب لموظفيها، إما بشكل كامل او جزئي، وقال حليلة، إن "تشغيل المعطل منها أمر مهم، لكنها تحتاج أيضا الى سيولة لتسيير العمل وصرف رواتب موظفيها، ونتوقع من سلطة النقد التحضير لضخ سيولة في السوق أسوة بما فعله البنك المركزي الأردني في وقت مبكر، حيث ضخ 500 مليون دينار للشركات الصغيرة من خلال قروض بشروط ميسرة بكفالة الحكومة".
ضمن الخطوات التي اتخذها البنك المركزي الأردني، أيضا، خفض الاحتياطي الإلزامي لديه، من 7% الى 5%، في مسعى لتوفير السيولة لدى البنوك لتعيد ضخها في الاقتصاد الأردني.
وخفض الاحتياطي لدى سلطة النقد الفلسطينية، البالغ 9% من إجمالي الودائع لدى البنوك العاملة في فلسطين، مطلب قديم جديد للبنوك وللحكومة أيضا، ويمكن خفض الاحتياطي لدى سلطة النقد إلى نسبة مساوية للبنك المركزي الأردني (5%)، وتوفير سيولة فورية للبنوك بمقدار 520 مليون دولار.
وقال مصرفي، فضل عدم ذكر اسمه: "يمكن استخدام المبلغ ضمن خطة من سلطة النقد والحكومة لتغطية تسهيلات للشركات الصغيرة والمتوسطة المتضررة على غرار الأردن بأسعار فوائد مخفضة، ويمكن وضع المبلغ لدى سلطة النقد على أن تقوم البنوك بالسحب منه وفقاً لحجم الائتمان".
وأضاف المصرفي: لا تستطيع البنوك تحمل مخاطر إضافية دون وجود مشاركة في حمل هذه المخاطر.
ضمن الإجراءات المطلوبة أيضا من سلطة النقد، بحسب المصرفي، "تخفيف الشروط بخصوص حجز المخصصات، والسماح بالجدولة دون دفعات مقدمة، ومد فترات الجدولة".
ويرى المصرفي أن الخروج من الأزمة الحالية يمكن أن يتم على مرحلتين، الأولى، والتي يمكن البدء بها فورا، وتشمل تشغيل بعض القطاعات، مثل: المطاعم للتوصيل فقط، وقطاع البناء، وقطاع الصناعة مع فرض مبيت العاملين طيلة الشهر بالتنسيق مع وزارة العمل.
والمرحلة الثانية تخفيض ضريبة الدخل أو الإعفاء لمدة عام، وتخفيض ضريبة القيمة المضافة لتحفيز الاستهلاك، وتخفيض رسوم رخص البناء ورسوم بيع وشراء العقارات، وإنشاء صندوق تشرف عليه سلطة النقد لمنح المشاريع المتضررة قروضا طويلة الأجل بأسعار متدنية لضمان عودتها.
وأضاف المصرفي، لا نستطيع طباعة عملة، ولكن هناك خطوات تحفيزية للاقتصاد يمكن أن تؤدي الى تعويض بعض النقص في إيرادات السلطة، لكنها ستفيد على المدى البعيد. إيرادات الحكومة سيكون عليها ضغط، ولكن يمكن تغطيتها من خلال اقتراض مؤقت"، وهو ما يجري العمل عليه فعلا، وفقا لمصادر حكومية، حيث تعمل سلطة النقد على ترتيب قرض مجمع من البنوك للحكومة بمقدار 1.4 مليار شيكل.
بدورها، فقد بدأت الحكومة تستشعر ثقل الإجراءات المرتبطة بمواجهة "كورونا" على الاقتصاد، عبر تشكيل لجنة وزارية تضم سبعة وزراء، إضافة الى أمين عام مجلس الوزراء وممثل عن وزارة الداخلية، اجتمعت برام الله، أمس، وناقشت على مدى ثلاث ساعات أفكاراً ومقترحات لعودة تدريجية للأنشطة الاقتصادية دون إخلال بالشروط الصحية.
وبحسب مصدر حكومي رفيع، فضل عدم التعريف بهويته، فإن وجهتي نظر تتقابلان في أروقة الحكومة، الأولى، وأصحابها وزارة الصحة والأجهزة الأمنية، تنحو منحى الإبقاء على تشديد الإجراءات الوقائية الى حين الاطمئنان لوضع حد للفيروس حتى لو تطلب الأمر أسبوعين أو ثلاثة أخرى، في حين تتصدر الوزارات الاقتصادية وجهة النظر الأخرى، الداعية إلى البدء بتفعيل تدريجي للأنشطة الاقتصادية، ضمن إجراءات وتعليمات وزارة الصحة، مستندة إلى التباطؤ في تسجيل حالات الإصابة على مدى أيام الأسبوع الأخير.
وقال المصدر: "الصحة والأمن يميلون الى الإبقاء على الإجراءات المشددة لفترة أخرى، لكن من جهة أخرى، هناك منشآت إن لم تعمل فإن أصحابها والعاملين فيها لن يجدوا طعاما. لا يجوز القول، ان العملية نجحت لكن المريض مات".
خلال الأيام الأخيرة، اتخذت وزارة الاقتصاد الوطني جملة من الإجراءات بهدف التخفيف عن بعض القطاعات، إذ سمحت بتشغيل منشآت بشكل جزئي، وإجراءات أخرى لمعالجة بعض القضايا كتكدس الحليب لدى المزارعين، وتسهيل انتقال السلع الزراعية والدواجن بين المحافظات، إضافة الى توفير بعض السيولة بالطلب من الشركات المساهمة العامة التعجيل في عقد جمعياتها العمومية وتحويل ما تقرره من توزيعات نقدية إلى حسابات المساهمين في غضون يومين بدلاً من فترة أربعين يوما التي نص عليها القانون، وحتى الآن، تم تحويل حوالى 40 مليون دولار الى حسابات مساهمي الشركات التي عقدت اجتماعات لهيئاتها العمومية هذا الأسبوع، فيما يتوقع ضخ أرباح بمقدار 130 مليون دولار في حسابات المساهمين قبل حلول شهر رمضان.
وقال المصدر الحكومي: "منذ بدء الأزمة، فإن اقتصادنا يعمل بأقل من 15% من طاقته، وهذا لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة، لهذا فإن هناك جملة من التوصيات ستوضع على طاولة الحكومة بالسماح باستئناف العمل في بعض المهن والمنشآت التي تحتاج إلى عدد قليل من العمال، بين عامل وثلاثة عمال، كورش صيانة السيارات، والمغاسل الأوتوماتيكية، وزيادة ساعات العمل في مصانع غذائية بما يكفي لتكرار عملياتها الإنتاجية، وتشغيل مصانع تنتج سلعا تصديرية، وأيضا ورش البناء مع ضمان بقاء العمال في أماكن العمل".