رام الله-وفا-جعفر صدقة-أعلن وزير المالية شكري بشارة، يوم الأربعاء، ان الحكومة الفلسطينية بدأت اجراءات التحكيم الدولي بشأن القضايا التجارية والمالية العالقة مع اسرائيل، بما في ذلك "بروتوكول باريس" الناظم للعلاقة الاقتصادية بين الجانبين، بهدف تعديله.
وقال بشارة، في لقاء مع صحفيين في مقر المعهد الفلسطيني للمالية والضرائب بالبيرة، "الرئيس وقع قرار اللجوء للتحكيم الدولي منذ شهر آذار، والحكومة اتخذت قرارا في جلستها الأخيرة بتفويض وزارة المالية باتخاذ الاجراءات اللازمة واحالة ملفات القضايا العالقة، وفي مقدمتها "برتوكول باريس" نفسه، بهدف تغييره، وما دون ذلك ملفات تفصيلية، لمحكمة التحكيم الدولي في "لاهاي".
وأضاف: اسرائيل تتحايل في تطبيق "بروتوكول باريس"، وتفرض اجراءات بشكل أحادي، ما جعل الاحتلال مشروعا مربحا بامتياز، وفي العام 1994 كان حجم الاقتصاد الإسرائيلي 76 مليار دولار وارتفع في 2017 الى 369 مليار دولار. نعتقد ان جزءا مهما من هذا النمو لا يقل عن الثلث، نتيجة منظومة "بروتوكول باريس".
وأوضح بشارة ان إجمالي ما اقتطعته اسرائيل من عائدات المقاصة ( وهي ضرائب فلسطينية على الواردات من اسرائيل والخارج، تجبيها اسرائيل بالنيابة عن السلطة الوطنية) تجاوزت في 12.5 مليار شيقل في السنوات الخمس الأخيرة فقط، منها حوالي 1.4 مليار شيقل عمولة ادارية على الجباية (3%)، و11 مليار شيقل بدل خدمات: كهرباء، ومياه، وتحويلات طبية، وصرف صحي.
وقال "هذا يعطي فكرة عن مقدار الأموال التي اقتطعتها اسرائيل من المقاصة الفلسطينية" على مدى 25 عاما.
وأضاف "رأينا في الأزمة المالية الحالية التي بدأت منذ شباط الماضي فرصة سانحة لتغيير كل منظومة "بروتوكول باريس"، وبدأنا في شهر آذار استدراج اسرائيل إلى التحكيم الدولي ووقع الرئيس محمود عباس قرارا بذلك، ومنذ أسبوع قرر مجلس الوزراء تفويض وزارة المالية باتخاذ الاجراءات اللازمة" بهذا الخصوص.
واضاف: الاعتماد بنسبة 60% من الدخل على مصدر ليس بأيدينا (المقاصة) مدمر للاقتصاد الفلسطيني، وهو بمثابة سكين على رقبتنا بشكل دائم".
وأكد بشارة ان الملف الذي سيقدم إلى محكمة التحكيم الدولي في "لاهاي" سيشمل "برتوكول باريس" كمظلة لكل القضايا الأخرى، وتتضمن مخصصات عوائل الشهداء والجرحى والأسرى، التي بدأت اسرائيل باقتطاع مبالغ موازية لها، وتقدر بحوالي 144 مليون دولار سنويا، وآلية جباية الضرائب على المحروقات وتقدر بأكثر من 2.5 مليار شيقل سنويا، والرسوم الادارية التي تقتطعها اسرائيل مقابل جمعها للضرائب (3%) وتقدر بحوالي 270 مليون شيقل سنويا، والاضافات التي فرضتها اسرائيل على رسوم معبر الكرامة وتقدر المبالغ المستحقة للجانب الفلسطيني جراء هذه الاضافات حوالي 480 مليون شيقل، والضرائب على المنشآت الواقعة في المنطقة المسماة "ج" وتقدر بحوالي 870 مليون شيقل، والضرائب على الواردات الفلسطينية غير المباشرة (عبر وكلاء اسرائيليين) وتقدر بحوالي 120 مليون شيقل سنويا، والمبالغ الضائعة نتيجة آلية تقاص ضريبة القيمة المضافة، التي تعتمد على اظهار الفاتورة، وتقدر بحوالي 159 مليون شيقل سنويا، والضرائب الضائعة نتيجة عمل شركات الاتصالات الاسرائيلية في السوق الفلسطينية دون ان تدفع الضرائب، والتي يصعب تقديرها، وسرقة المياه الجوفية، وإعادة بيع جزء منها، والفوائد على الأموال المحتجزة لدى اسرائيل، اضافة الى انشاء منطقة تخليص جمركي فلسطينية (بوندد).
وقال بشارة: ارتأينا ان الفرصة سانحة لتصويب هذا الوضع في العلاقة مع اسرائيل، ولم يعد التردد مقبولا فيما يتعلق بإصلاح منظومة بروتوكول باريس، فقد آن الاوان للمواجهة.
وفيما يتعلق بإحالة جباية بالضرائب على المحروقات للحكومة الفلسطينية مباشرة، كما كان الحال في السنوات الاولى من عمر السلطة الوطنية، قال بشارة: ان السلطة بدأت بطرح الموضوع للمفاوضات مع الجانب الاسرائيلي منذ نحو ست سنوات "ولم تمر فرصة دون المطالبة بها".
واضاف: المحروقات هي أكبر سلعة نستوردها، وتبلغ فاتورتها الشهرية حوالي 800 مليون شيقل، والضرائب عليها تشكل حوالي نصف المقاصة. نحن نشتري المحروقات ونوزعها، وهم لا يفعلون شيئا، ومع ذلك ندفع ثمنها كاملا بما في ذلك الضرائب عليها الى وزارة المالية الاسرائيلية، التي تعيدها لنا بعد 50 يوما. نحن نطالب بتصويب هذه الآلية عبر جباية الضرائب على المحروقات من قبلنا مباشرة منذ ست سنوات، لكنهم يماطلون باستمرار بحجة امكانية تخفيض الضرائب في السوق الفلسطينية، وبالتالي امكانية تهريب الوقود من الاراضي الفلسطينية الى إسرائيل، وهي حجة غير مبررة، فالكمية التي نستوردها واضحة، ونعلن الاسعار بداية كل شهر أيضا بوضوح".
وتابع: مع الازمة الحالية، ارتأينا انه حان الوقت للدخول في مواجهة مع الجانب الاسرائيلي بهذا الخصوص، وطلبنا معالجة المسألة فورا. منذ 5 اسابيع اتفقنا (وزارتي المالية)، على وضع آليات للتنفيذ، لكن اسرائيل في حالة شلل بسبب الانتخابات، فلا يوجد وزير مالية ونحن نتعامل مع مدير عام الوزارة، ولا يوجد برلمان (كنيست)، لهذا لم تتم المصادقة على الاتفاق. الاتفاق اتخذ مبدئيا، لكن لم يتم تنفيذه "عمليا" لعدم المصادقة عليه سياسيا.
وأردف: قلنا لهم لنا أموال مجمدة (في هذا البند)، ونحن نريدها ووافقوا، لكنهم طرحوا شرطا في اللحظة الاخيرة، يتعلق بتسديد 500 مليون شيقل من ديون شركة كهرباء محافظة القدس فرفضنا، وبعد نقاش تم تخفيض المبلغ الى 300 مليون شيقل، سدد 100 مليون منها من المقاصة، والباقي سددته الشركة من قرض حصلت عليه من بنك فلسطين ضمنته الحكومة"، ما سمح بتحويل ملياري شيقل من عائدات المقاصة، تشكل عائدات الضرائب على المحروقات حتى نهاية شهر تموز، اضافة الى ثلاث اشهر اخرى قادمة (حتى نهاية تشرين الاول المقبل).
وقال: هذا مكننا من إطالة أمد الخطة النقدية حتى نهاية شهر تشرين الاول المقبل، بدلا من نهاية تموز الفائت، حيث تمكنا من دفع 60% من راتب الشهر الماضي اضافة الى ما تبقى من راتب شهر شباط، ورفع نسبة الصرف للموظفين في غزة (الحد الادنى) من 1500 شيقل الى 2000 شيقل اسوة بموظفي الضفة الغربية، وسددنا أقساط مستحقة للجهاز المصرفي بقيمة 373 مليون شيقل، إضافة إلى 94 مليون شيقل فوائد، كما سددنا كل أذون الخزانة التي استحقت للقطاع الخاص خلال فترة الازمة، وقيمتها 390 مليون شيقل، وحافظنا على الضخ النقدي للوزارات، ومجموعه 87 مليون شيقل، وصرف العلاوات وبدل التنقل الثابت بمقدار 17 مليون شيقل في الضفة ومليون شيقل في غزة، ورفعنا الحصة الشهرية لنفقات قطاع غزة من 95 مليون دولار الى 107 ملايين دولار.
وأضاف بشارة "مع نهاية شهر تموز، اقتربنا الى الحدود القصوى لتحمل النظام المالي، والجهاز المصرفي، والاقتصاد بشكل عام، وشهدت المساعدات الخارجية انكماشا بنسبة 25% الاشهر السبعة الماضية".
وتابع: بدأت المواجهة مع اسرائيل في شهر شباط، ووصلنا الى هذا المنعطف الخطير بسب القرار الاسرائيلي خصم 12 مليون دولار شهريا من عائدات المقاصة، توازي ما نصرفه لعوائل الشهداء والجرحى والاسرى، وهذا قمة الاجحاف الاخلاقي والقانوني، وترتب عليه تبعات قانونية خطيرة، اذا نواجه العديد من القضايا امام محاكم أميركية، لهذا كان موقف القيادة الفلسطينية والحكومة والرأي العام موحد برفض القرار الاسرائيلي، واختيار الكرامة برفض استلام المقاصة منقوصة".
واستطرد: وجدنا انفسنا مضطرين لإدارة عملنا بثلث الايرادات فقط، فاعتمدنا خطة نقدية (موازنة طوارئ)، بالإنفاق حسب الاولويات، وعليه قررت الحكومة الاستمرار بالاعتمادات الشهرية وفق مبدا 1/12 من موازنة العام 2018، مع وقف التعيينات والترقيات واستملاك او استئجار العقارات، وشراء السيارات، وأية اجراءات أخرى لها أثر مالي، وخفضنا النفقات التشغيلية بنسبة 20%، وخفض النثريات كمهمات السفر، وعدم اعتماد اية موازنات للنفقات التطويرية الجديدة مع الاستمرار بالمشاريع قيد التنفيذ، كما عملنا على ايجاد شبكة تمويل من الجهاز المصرفي، بمقدار 500 مليون دولار حتى نهاية تموز". (الاقتراض الفعلي بلغ 284 مليون دولار حتى نهاية تموز).
وأكد بشارة ان تقديرات الخطة النقدية "كانت دقيقة، فقد توقعنا تراجع الايرادات المحلية نتيجة انكماش الاقتصاد، وبالفعل فقد تراجعت بنسبة 10% مقارنة مع الفترة المقابلة من العام 2018، كما توقعنا تراجع الدعم الخارجي للموازنة، وهذا حصل أيضا".
واضاف: بما توفر لنا من ايرادات (الايرادات المحلية والقروض المصرفية)، تمكنا من دفع 50-60% من الرواتب، بحد ادنى 2000 شيقل، ما يعني ان حوالي 55% من الموظفين تلقوا رواتبهم كاملة، أي اننا صرفنا 72% من إجمالي فاتورة الرواتب".
وتابع: كنا نتوقع، بناء على المعطيات وتحليلات القيادة، ان نخرج من الازمة في نهاية تموز، لكن هذا لم يحصل، وبالترتيب الذي توصلنا اليه بشأن الضرائب على المحروقات، تمكنا من اطالة امد الخطة النقدية حتى نهاية شهر تشرين الاول القادم".