نابلس-الجزيرة نت-عاطف دغلس-"ما حك جلدك مثل ظفرك، فتول أنت جميع أمرك"، مقولة تسقط على الفلسطينيين حرفا ومعنى لا سيما الآن، حيث يُحاصَرون سياسيا واقتصاديا ويساوَمُون في أرضهم ووطنهم ومالهم الذي تسطو عليه إسرائيل وتمنعه منه.
للشهر الخامس على التوالي، تمنع إسرائيل أموال الضرائب (المقاصة) التي تجنيها من الفلسطينيين لصالح السلطة، وترفض إعطاءهم إياها كاملة إلا بعد اقتطاع جزء منها يذهب أساسا لصالح عائلات الشهداء والأسرى، وهو ما جعل السلطة الفلسطينية تُحجم عن قبول تلك الأموال منقوصة، وبالتالي دخولها في أزمة اقتصادية ترتبت عليها مشاكل جمة.
ولتجاوز تلك الأزمة، اقترضت الحكومة الفلسطينية من المصارف الفلسطينية، ولكن تفاقم العجز لديها دفع رجال أعمال فلسطينيين لمد يد العون لها ومساعدتها ماليا بـ150 مليون دولار أميركي تُصرف خلال الأشهر الثلاثة القادمة بمعدل 50 مليونا كل شهر.
ورغم أهمية الخطوة وكونها المرة الأولى التي يدعم فيها القطاع الخاص الحكومة، فإن ذلك لم يمنع تساؤلات المواطنين بشأن المقابل لهذا الدعم، رغم أن المساعدة المالية مقرونة بفائدة تبلغ 3%.
خندق واحد
وفي تصريحه للجزيرة نت قال رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري إن دعمهم سيقدم بمطلع الشهر القادم أو في منتصفه على أن يسدد حال حصول "فائض" لدى الحكومة، وأكد أن هذه "أول مرة في العالم" يدعم القطاع الخاص الحكومة.
وأوضح المصري أن هدفهم هو الوقوف إلى جانب الحكومة لتتجاوز أزمتها، ودعم ودفع عجلة الحياة الاقتصادية للمواطن، وأضاف "كلنا نلتف حول القيادة والحكومة بوجه المتربصين ونعتبر أنفسنا في الخندق نفسه".
ورغم أن هناك توجها من الحكومة لقبول العرض والترحيب به، فإنها قالت للجزيرة نت على لسان وزيرها للاقتصاد خالد العسيلي إنها تتدارس العرض المقدم، نافيا وجود أي اشتراطات أو "مخاطر" تترتب على هذا القرض.
وضجّت مواقع التواصل الاجتماعي منذ اللحظات الأولى لإطلاق رجال الأعمال لمبادرتهم بشيء من الشكر وكثير من التندر المشوب بالحذر، حيث كتب أحدهم "رؤوس الأموال اشترت (ابتاعت) البلد"، وقال آخر "القطاع الخاص يستثمر في الحكومة".
وتُقدر أموال المقاصة بنحو 170 مليون دولار شهريا، وتنوي إسرائيل اقتطاع نحو 12 مليونا منها عقابا لذوي الشهداء والأسرى، وسعيا للجم المقاومة.
وبرأي أستاذ الاقتصاد بجامعة النجاح الوطنية بنابلس بكر اشتية فإن القطاع الخاص هو القادر الآن على دعم الحكومة بعد أن استنفدت وسائلها باللجوء للمصارف الفلسطينية، في حين تأتي خطوتها الثالثة عبر التفعيل "ولو الجزئي" لشبكة الأمان العربية المقدرة بنحو 100 مليون دولار، لأن "المناورة" مع الاحتلال قد تمتد لستة شهور أخرى أي إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية.
"رد الجميل"
واستبعد اشتية في حديثه للجزيرة نت أن يكون هناك أي مقابل تقدمه الحكومة إلا نسبة الفائدة المتفق عليها، وقال إن القطاع الخاص "مدين للحكومة" بما تقدمه له من تسهيلات وإعفاءات "كبيرة جدا" عبر قوانين تشجيع الاستثمار والوكالات الحصرية والاحتكارات بالسوق الفلسطيني.
وأضاف أن القطاع الخاص "مدلل" بقانون تشجيع الاستثمار وضريبة الدخل المخفضة أصلا والتي ستخفض من 20% على الشركات الكبرى والاحتكارية، وفق ما أعلنه وزير المالية ردا على دعم القطاع الخاص للحكومة، إلى 15%.
وسياسيا لا يبحث رأس المال، حسب اشتية، حاليا عن أي مكاسب، رغم التخوف الدائم من رأس المال السياسي، لأن قدرته على اختراق الصفوف الأمامية للسياسيين يجعله بخانة المزايا التفضيلية التي ينالها عبر القوانين كقانون تشجيع الاستثمار والضرائب.
ولتجاوز الأزمة، يقترح اشتية أن يتحمل العبء الكل الفلسطيني من رأس المال وموظفي القطاع الخاص والمؤسسات الأهلية، وليس الموظف العمومي وحده -كما يحصل الآن- الذي يُشكل فقط 17% من مجموع العمالة الفلسطينية.
زيادة المديونية
ويقدر حجم رأس المال الفلسطيني، حسب اشتية، بـ14 مليار دولار أميركي هي عبارة عن ودائع أفراد وشركات بالمصارف الفلسطينية، علاوة على مليارات أخرى بالخارج، في حين تعاني السلطة من عجز بموازنتها العامة يقدر بنحو مليار دولار وديون ارتفعت لتصل إلى ثلاثة مليارات، حسب الكاتب والباحث السياسي الدكتور عقل صلاح.
ورغم استبعاد صلاح أي مخاطر اقتصادية أو سياسية كبيرة ومباشرة جراء دعم القطاع الخاص للحكومة، فإن الاقتراض سيزيد "مديونية السلطة" بفعل الفوائد العالية المترتبة عليها، كما لا يملك هذا القطاع القدرة المالية الضخمة لاستمرار دعم الحكومة.
ويرى صلاح في حديثه للجزيرة نت أن رأس المال قدم دعمه "لتسجيل نقاط" ولتثبيت قدمه في الواقع السياسي الفلسطيني ولتعزيز نفوذه، لكنه ورغم ذلك فهو "جبان" ويهمه بالمحصلة الربح وبالتالي لا يُخاطر باستمرار إقراض الحكومة.
ويطرح صلاح حلا يكمن في التقشف ومحاربة الفساد المالي والإداري في المؤسسات الفلسطينية، ومصارحة الشعب لمنح غطاء للحكومة، خاصة وأن تفعيل شبكة الأمان العربية بات "غير متاح" في ظل الانصياع العربي الرسمي للقرار الأميركي بعدم دعم السلطة للضغط عليها للقبول بصفقة القرن.
وتبقى سياسة "النفس الطويل" والجهد الموحد العامل الأكثر ردعا للاحتلال وصلفه الذي يتخذ من هذه الأموال وسيلة لابتزاز الفلسطينيين وعقابهم، ورغم ذلك يظل التساؤل قائما: هل ستظل الحكومة ممتنعة عن أخذ أموالها من الاحتلال فيما لو استمر في تعنته بالاقتطاع من أموال الضرائب؟