رام الله-أخبار المال والأعمال-جددت سلطة النقد الفلسطينية، اليوم الثلاثاء، تأكيدها على أن جميع المصارف ومؤسسات الإقراض العاملة في فلسطين ملتزمة بتعليمات سلطة النقد التي أصدرتها سابقاً فيما يخص الاقتطاع من رواتب موظفي القطاع العام المقترضين.
وقال مدير دائرة انضباط السوق في سلطة النقد علي فرعون بأن سلطة النقد عممت على البنوك ومؤسسات الإقراض بخصم أقساط القروض وأية التزامات أخرى، بنسبة موازية للدفعة المحولة من رواتب الموظفين، حيث تلتزم بخصم ما نسبته 50 % من الدفعة المحولة، أو من قيمة القسط الشهري، أيهما أقل، وذلك لسداد كامل الالتزامات الشهرية للمقترض والمقترضين بكفالته، وعدم فرض أية فوائد تأخير أو غرامات تأخير في حال تأجيل الجزء المتبقي من القسط.
وأضاف فرعون في تصريحات صحفية: "يعني ذلك أن نسبة الخصم للأقساط وأي التزامات إن وجدت، مجتمعة، يجب أن لا تتجاوز 50% من الدفعة المحولة أو من هذه الالتزامات، أيهما أقل.
وأوضح بأن ذلك لا يشمل موظفي القطاع العام المحولة رواتبهم بالكامل (2000 شيكل وما دون)، وكذلك المقترضين من المصارف ومؤسسات الإقراض بموجب مصادر دخل أخرى لسداد القرض.
وأكد فرعون أن البنوك ملتزمة بتعميمات سلطة النقد، وتقوم سلطة النقد بمتابعة كافة الشكاوى مع إدارات البنوك، مشيراً إلى أن هناك لبس حدث عن عدد من الموظفين بسبب تغيّر آلية الخصم مقارنة مع ما جرى خلال الشهر الأول من الأزمة.
ولفت إلى أن البنوك قدمت مبادرات إيجابية للتعامل مع الأزمة، من ضمنها إطلاق منتج "جاري مدين دوّار" لتغطية الأقساط، وتقوم البنوك بتحصيل القسط عند تحويل الراتب من وزارة المالية، وبعض البنوك قدمت سلف للموظفين المقترضين، وبعضها أعلن عن إمكانية تأجيل أقساط القروض.
وكانت صحيفة القدس نشرت التحقيق التالي:
كشفت أزمة الرواتب التي دخلت شهرها الثاني، عن ضعف المناعة الاقتصادية لدى موظفي القطاع العام، الذين باتوا يعيشون ظروفًا بالغة الصعوبة، عجزوا خلالها عن تدبير متطلبات حياتهم اليومية، وضاعفت السياسات التي تعتمدها البنوك تجاه تحصيل القروض والتي لا تلتزم فيها بتوجيهات سلطة النقد من الأزمة، إذ وجد العديد من الموظفين حساباتهم مكشوفة وما يترتب على ذلك من عمولات يتم استيفاؤها من راتب الشهر المقبل. مثلما كشفت الأزمة عن انحسار حاد في السيولة، وركود كبير في الأسواق من شأن استمراره على هذا النحو أن يصيب الدورة الاقتصادية بالشلل التام.
في التحقيق التالي نحاول عبر لقاءات مع عدد من الموظفين اكتفوا بذكر الأحرف الأولى من أسمائهم، وتجار ومحللين سياسيين واقتصاديين، تقديم صورة تقريبيّة عن يوميات موظفي القطاع العام، ومدى قدرتهم على التحمّل فيما إذا استمرت الأزمة شهورًا أطول، إضافة إلى مقترحات للموظفين وللمسؤولين بكيفية التعامل مع الأزمة المستحكمة.
الالتزامات تضاعف المعاناة
لقد كشف صرف نصف الراتب للشهر الثاني على التوالي، حجم المعاناة التي يعانيها موظفو القطاع العام، فمنهم من لا يصل إلى البنك لاستلام راتبه، فالالتزامات والدفعات الشهرية للبنوك كانت كفيلة بابتلاع ما قُيّد في حسابه، ومنهم من اضطر للعمل بعد الدوام الرسمي لتسديد ديون تراكمت والتزامات عائلية لا يجد مفرًا من الوفاء بها، بينما كان لافتًا رغبة العديد من الموظفين الذين التقيناهم أن فضّلوا عدم ذكر أسمائهم أو الإشارة إليها بالأحرف الأولى فقط.
للشهر الثاني على التوالي، فإن (ن. ف) الموظف في إحدى المدارس في نابلس لا يصل البنك من أجل سحب ما تبقى له من راتبه ويصله ما خصم من راتبه عبر رسائل على هاتفه النقال، فما يتلقاه حاليًا من بقية راتبه (ألفي شيكل) يذهب لسداد الشيكات وتسديد قيمة قرض كان قد التزم به منذ عدة أشهر، بل إنه بقي مديونًا للبنك بنحو 650 شيكلًا، ولا يعلم ما هي إجراءات البنك معه في هذه الحالة، لكن الشيكات تمّت تغطيتها من البنك، كما يوضح لـ "القدس" دوت كوم.
ويقول (ن. ف): إنه "يتدبّر حياته بالاستدانة من البقالات التي يعرف أصحابها، ويدفع فواتير الكهرباء والماء والهاتف والإنترنت والخبز، بالاستدانة نقدًا، لكنّه يتساءل نحن وللشهر الثاني نتدبر أمورنا دينًا، لكن إلى متى هذا الحال؟ هل ميزانية السلطة قائمة على أموال المقاصة فقط؟ ويطالب بالابتعاد عن الخصم من رواتب الفئات الدنيا من الموظفين، وأن يتم الخصم من رواتب الفئات العليا كالوزراء والسفراء.
أما (م. ر) من سلفيت، فيقول لـ "القدس" دوت كوم: إن "الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الوطنية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، إذ مررنا بالعديد من الظروف الصعبة نتيجة الاحتلال، وفي هذه المرحلة فإن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة صعبة في ظل الحصار من قبل الاحتلال والغطرسة الأميركية ومحاولات تمرير صفقة القرن، شعبنا واعٍٍ والموظفون مدركون لما يجري، ونحن نقف إلى جانب القيادة في ظل الظروف الراهنة، وما جرى هو من أجل الأسرى والشهداء، نحن نأمل أن لا تطول هذه الأزمة ويتم إيجاد حلول لها".
بالنسبة لـ(م. ر)، فإنه كموظف يجب أن يتبع المثل القائل "على قد لحافك مد رجليك"، فالأصل الاقتصاد بالمصاريف الحياتية، رغم أن الأسعار تشهد ارتفاعًا في ظل هذه الأوضاع الصعبة، وذلك بالعمل مع والده في القطاع الخاص بعد انتهاء دوامه، وقد يتدبر بعض المصاريف بشراء حاجياته بالاستدانة من أصحاب المحال التجارية، فالمجتمع المحلي المحيط به متعاون، وحتى المجلس المحلي يقوم بشحن الكهرباء والماء بالدين، لكن في حال استمرت الأزمة الراهنة فإن الموظفين سيبحثون عن أعمال ومصادر أخرى للدخل.
موظف آخر يعمل في مدينة رام الله وفضل عدم ذكر اسمه قال لـ"القدس"دوت كوم: إنه "يوجد غبن في قضية الخصم من قيمة القرض للبنوك، فالشهر الماضي تم خصم نصف قيمة القرض الخاص بي، لكن هذا الشهر قام البنك بخصم نصف القرض لهذا الشهر وما تبقى من قيمة القرض للشهر السابق". مشيرًا إلى أن النص الوارد في التعميم الصادر عن سلطة النقد بخصم النصف ما بين الراتب أو القرض أيهما أقل، جعلت النص فضفاضًا للبنوك، والأصل أن يتم إلزام البنك بأن يخصم فقط نصف القرض.
أما الموظف (ب. ت) والذي يعمل في جهاز المخابرات العامة، ويبلغ من العمر (34 عامًا)، ويعيل أسرة مكونة من طفلين، فقد رفض الحديث بداية، ثم علق قائلًا: "أنا سعيد هكذا". سألناه لماذا أنت سعيد؟ أجاب: "هذه أزمة وستزول، عندما شكلت حماس الحكومة قطع عنا الراتب سنتين ولم نتكلّم شيئًا".
أما (ج. غ) المهندس الخمسيني في وزارة الإسكان والأشغال العامة، وينحدر من قطاع غزة وعائلته مازالت هناك، فقد جاء إلى رام الله لتحسين ظروفه وظروف عائلته، فاثنان من أبنائه يدرسان الطب في الجامعات المصرية، وابنته تعمل مدرسة. ويضيف قائلًا :"لم يمضِ على مجيئي الكثير، وحتى الآن مع الظروف في غزة والضفة لم أستطع معرفة راتبي بشكل واضح، لكنني أعلم أنه ناقص عن المفروض، ولولا مشروعي الخاص مع أخي لما استطعت تدبر أمور الأولاد".
في حين، يقول الموظف (ط. ك) والذي رفض الإفصاح عن المؤسسة التي يعمل بها: "المفروض عدم وجود أزمة أصلًا، ولا بد من وجود سياسيين واقتصاديين فلسطينيين قادرين على إدارة الأمر، لا أن يتركوا المواطن يدفع ثمن كل شيء، أستطيع تدبر أموري لشهر أو ربما شهرين، ولكن السؤال وماذا بعد ذلك؟".
ولم تترك أزمة الرواتب الشقيقات الثلاث للمواطن (أ. ش)، الذي قال: إن "شقيقاته موظفات في قطاع التدريس ووزارة المالية، وإن لديهن التزامات شهرية، وهن متزوجات ولديهن أسر، رواتبهن بين ألفين إلى أربعة آلاف شيكل، وكل واحدة منهن ملتزمة بأقساط شهرية إما للبيت أو لشراء سيارة أو مصاريف معيشة مع زوجها. ونتيجة هذه الأزمة يتبقى لهن من رواتبهن ما بين 1500 إلى 2000 شيكل، الأمر الذي اضطر أزواجهن للبحث عن عمل آخر لسداد القروض وتوفير مصاريف المعيشة".
ويروي (أ. ش) عن شقيقته "د" المدرسة في وزارة التربية أن راتبها الأصلي كان 3000 شيكل، والآن يصرف لها ألفان فقط، وقسط السيارة الشهري يتطلب منها تسديد مبلغ 1900 شيكل شهريًا، والشركات الخاصة غير ملتزمة بأي قرار بما يتعلق بصرف نصف الراتب فقط، ولذلك لم يتبقَ شيء من راتبها، وزوجها المدرس بإحدى المدارس الخاصة يضطر للعمل في قطاع الإنشاءات عقب الانتهاء من عمله لتوفير المصاريف اللازمة.
عندما يكون الحق على الـ"system" مش ع البنوك!
رغم التعليمات الصريحة الصادرة عن سلطة النقد حول كيفية التعامل مع قروض الموظفين، فقد لوحظ عدم التزام البنوك بتلك التعليمات، إذ يتم خصم كامل القرض بذريعة "السيستم"، الذي لا يصعب إعادة برمجته.
وعلى مبدأ إذا راجعت اضحكت عليك، وإذا ما راجعت راحت عليك، تعمل العديد من البنوك التي يقوم بعضها بإعادة المبالغ المقتطعة من القرض لعملائها دون احتساب فوائد، بحجة أنّ "الحق على السيستم"، بينما تلجأ بعض البنوك إلى إعادة الصرف على المكشوف على أن يتم تحصيل الفوائد في الشهر المقبل. وسط غياب شبه كامل لسلطة النقد التي تكتفي بإصدار التعليمات لرفع العتب.
ركود في الأسواق وتقلّص في نسبة المبيعات
وامتد تأثير خصم رواتب الموظفين العموميين، إلى الحركة التجارية، فتقلّصت نسبة المبيعات، وتأثرت حركة الاستيراد، فالتجار متخوفون من المرحلة المقبلة وما قد تؤول إليه الأمور نتيجة استمرار أزمة الرواتب.
يقول صاحب محلات نصري شامة للألبسة في رام الله، في حديث لـ"القدس"، إنه ومنذ شيوع خبر اقتطاع الراتب والحركة التجارية في ركود متواصل، وتقلصت نسبة المبيعات لديّ إلى 60%، ما اضطرني إلى تقليص استيرادي، لقد اضطررت إلى تأجيل خططي التجارية تخوّفًا من القادم". موضحًا أنّ حركة السوق ضعيفة، إذ يفضّل الناس وفي ظل الأزمة الراهنة صرف أموالهم على المواد التموينية بدلاً من صرفها على الملابس.
ويؤكد صاحب محل "الحذاء الأبيض" وهو من أعرق المحلات التجارية في شارع ركب وأقدمها ويعود تأسيسه لعام 1964، أن مبيعات محله تدنت للنصف منذ بدء الأزمة، "لقد أصبحنا مثل الموظفين، ننتظر الراتب معهم".
أمّا صاحب "محمص الكسواني" للمكسرات والهدايا في رام الله، فيوضح في حديث لـ"القدس"دوت كوم، أن مبيعاته انخفضت منذ بداية الأزمة وحتى الآن إلى ما يقارب 30%، وفي غالبية المبيعات تكون بالإقبال على المواد الغذائية، أما الهدايا والشكولاتة فنسبها ضئيلة جدًا، رغم أن المحمص يعتمد سياسية العروض المرتبطة باقتراب انتهاء تاريخ الصلاحية.
وطاولت أزمة الرواتب المطاعم، فتجد أن مطعم الناصرة في شارع ركب بمدينة رام الله قد تأثر نتيجة الأزمة الحالية، إذ أعرب صاحبه عن استيائه الشديد مما آلت إليه الأوضاع.
ويقول: "منذ بدء أزمة الرواتب، أصبح مطعمي فارغًا تمامًا من الزبائن رغم شهرته وعراقته في رام الله، لقد أصبح المطعم يعمل بشكل فعلي أيام السبت فقط، حين يزورنا أهل الداخل، أما الآن، نغلق المطعم عصرًا، بعد أن كنّا نعمل حتى العاشرة مساءً، لقد صرت أدفع لعمالي من مالي المدخر دون تحقيق أي ربح، إذا استمر هذا الوضع سأتكبد خسارة فادحة". فيما يعلّق أحد العمال في المطعم قائلًا: "صار الناس يوفرون طلب الطعام من المحلات، ويتقشفون خوفًا من القادم".
اتحاد المعلمين يحذّر
وحذّر اتحاد المعلمين من الآثار السلبية التي قد تترتب على العملية التعليمية في حال استمرت الخصومات على رواتب المعلمين فقد أعرب الأمين العام للاتحاد، سائد ارزيقات، عن خشيته من تسجيل حالات امتناع عن الدوام، بسبب عدم توفر المواصلات للعديد من المعلمين والمعلمات. مضيفًا أن "الوضع كارثي، نخشى أن يكون في الشهر القادم، حالات امتناع عن الدوام، الموظف في الشهر الأول صمد في ظل الخصم، وفي الشهر الثاني صمد على مضض، لكن من يتابع الظروف والأوضاع يدرك حجم الأزمة، ولذا لا بد من إعلام القيادة بأن الوضع أصبح لا يطاق".
وطالب ارزيقات، الحكومة برفع رواتب المعلمين من أجل عدم إحداث إرباك بالشهر الأخير من العام الدراسي الحالي، ولو كان هذا الخصم في العطلة ربما كان أفضل حالًا.
وحول المناشدة التي وجهها ارزيقات لرئيس حكومة تسيير الأعمال د. رامي الحمد الله، ولرئيس الحكومة المكلف د. محمد اشتية، قال ارزيقات: "هذه المناشدة جاءت بسبب حاجة الموظفين ومعاناتهم، فالمطلوب انتهاج سياسة دعم وتعزيز صمود شاملة ومخطط لها، وأن يتم توجيه الشركات والمؤسسات للمساهمة في تعزيز صمود الموظفين، فالراتب أصلا لا يكفي، ولا بد من التخفيف قدر الإمكان من أعباء الحياة عن الموظف".
ونوّه ارزيقات إلى أن بعض المعلمين لم يتمكنوا من الوصول إلى المدارس التي يعملون بها، بسبب عدم توفر أجور المواصلات، فنصف الراتب لا يكفي المعلمين، ومعظمهم مرتبط بشيكات وقروض والتزامات شهرية. مطالبًا بضرورة زيادة نسبة الصرف للمعلمين والموظفين من ذوي الرواتب الدنيا إلى 75% بدلا من صرفها بنسبة 50%.
وأكد ارزيقات أن بعض البنوك لا تلتزم بتعليمات سلطة النقد، وتخصم قيمة القسط الشهري للقرض كاملة، وفي حال تأجيل الدفعات يتم وضع فوائد عالية جدًا عليها. مشددًا على ضرورة التعميم على البنوك بتأجيل أقساط القروض بدون فوائد حتى الخروج من هذه الأزمة، التي لم يكن الموظف سببًا فيها بل السبب هو الاحتلال الإسرائيلي.
رسالة أمين عام اتحاد المعلمين إلى أولي الأمر
وجّه الأمين العام لاتحاد المعلمين سائد ارزيقات رسالة عاجلة إلى كل من رئيس حكومة تسيير الأعمال د. رامي الحمد الله ورئيس الوزراء المكلف د. محمد اشتيّة فيما يلي نصّها:
دولة رئيس الوزراء
د. رامي الحمد الله حفظه الله
رئيس حكومة تسيير الأعمال
دولة رئيس الوزراء المكلف
د. محمد شتية حفظه الله
تحية الوطن والبناء والصمود وبعد:
الموضوع: تعزيز صمود المعلمين والعاملين في وزارة التربية والتعليم العالي
تهديكم الأمانة العامة لاتحاد المعلمين تحياتها وتقديرها وتؤكد على وقوفها مع القيادة السياسية في مواجهة السياسات الاحتلالية الرامية للضغط على شعبنا للاستسلام والتنازل عن حقوقنا.
دولة رئيس الوزراء؛ إننا وإذ نعلن وقوفنا مع القيادة فإننا نأمل منكم العمل على تعزيز صمود شعبنا وتحديدًا معلمينا والعاملين في وزارة التربية والتعليم العالي من خلال ما يلي:
١. إجراءات وتعليمات عدة لسلطة النقد والبنوك بالالتزام بنسبة الحسم بأن لا تتجاوز 50% من قيمة مجموع الأقساط والالتزام كذلك بعدم حسم عمولات الشيكات الراجعة ووقف التصنيف بناءً على الشيكات المرتجعة علمًا أن الشهر الماضي هناك عدد من البنوك لم تلتزم بهذه التعليمات.
٢. تقديم تسهيلات من الجامعات بتأجيل أية رسوم مستحقة على الطلبة.
٣. تعليماتكم لشركات الكهرباء والمياه والاتصالات والبلديات وقف إجراءات الفصل للخدمة بسبب عدم التسديد، بالإضافة إلى ضرورة إعادة برمجة الاشتراكات مسبقة الدفع خاصة الكهرباء والمياه وذلك لضمان توفرها لدى المواطنين.
٤. تعليمات لوزارتي التربية والمالية بتأجيل إجراءات الحسم من رواتب الموظفين بشكل عام لصالح صندوق الطالب الجامعي.
٥. تعليماتكم لهيئة التقاعد والمعاشات بتأجيل حسم أقساط القروض.
٦. وقف الدورات والتدريبات وورشات العمل للمعلمين أيام السبت وتعويضها ببرنامج طارئ يتم خلال أيام الدوام الرسمي.
٧. وضع برنامج طارئ للموظفين العاملين في مقر وزارة التربية ومكاتب التربية، بحيث يستطيع الموظف أن يداوم في أقرب مدرسة عليه، بسبب عدم توفر أجور المواصلات أو للتخفيف من المصاريف المثقلة على كاهله.
سلطة النقد" بلا سلطة.. و"السستم" يبتلع القروض بلا رحمة
من بين ما كشفته أزمة الرواتب، أزمة أخرى لم تكن معروفة، وهي عدم وجود أي سلطة لسلطة النقد على البنوك، وهو ما يؤكده قيام البنوك بخصم القروض للشهر الثاني، دون أدنى اعتبار لتعليمات سلطة النقد التي يبدو أن ما تصدره من تعميمات ليست أكثر من محاولة لرفع العتب.
ولاستيضاح الامر حاولت "القدس" دوت كوم، التواصل مع سلطة النقد عبر دائرة الإعلام فيها، للحصول على تعقيب حول الموضوع، لكنّها رفضت التعقيب، مكتفية بما صدر عنها من تعميم لا يُسمن ولا يغني من جوع.
وكانت سلطة النقد أصدرت تعميمًا للبنوك ومؤسسات الإقراض بشأن الاقتطاع من رواتب موظفي القطاع العام لشهر شباط 2019، أكدت فيه على خصم قيمة القسط المستحق على المقترضين من موظفي القطاع العام كنسبة وتناسب من قيمة الراتب المحوّل إلى حساباتهم، بحيث لا تزيد نسبة الخصم على الموظف المقترض والمقترضين بكفالته من المصارف ومؤسسات الإقراض المتخصصة عن 50% من قيمة الدفعة المحولة من راتبه، مع ضرورة أن يستثنى من المحددات أعلاه موظفي القطاع العام المقترضين من المصارف ومؤسسات الإقراض المتخصصة استنادًا إلى مصادر دخل أخرى غير الراتب، وذلك بموجب عقد القرض الموقع مع المصرف أو مؤسسة الإقراض المتخصصة، على أن تستوفى عمولة تحويل الراتب من قبل المصارف لمرة واحدة فقط بغض النظر عن عدد دفعات ورود الراتب خلال الشهر.
وأوضح محافظ سلطة النقد عزام الشوا أن سلطة النقد أكدت في تعميمها للمصارف ومؤسسات الإقراض على ضرورة عدم فرض فوائد أو غرامات تأخير في حال تأجيل الجزء المتبقي من القسط، وكذلك عدم استيفاء عمولة الشيكات المعادة على حسابات موظفي القطاع العام من قبل المصارف طيلة فترة تأخر الرواتب، على ألا يتجاوز مجموع قيمة الشيكات المعادة للموظف خلال تلك الفترة إجمالي قيمة راتبه الشهري.
وبين الشوا أنّه سيتم وقف تصنيف موظفي القطاع العام على نظام الشيكات المعادة، بحيث تظهر الشيكات على تقرير العميل دون التأثير على درجة تصنيف العميل، مع التأكيد على المصارف ومؤسسات الإقراض على عدم التصريح عن نسبة الأقساط المستحقة غير المسددة الناتجة عن التأخر في صرف الرواتب في بند الأقساط المستحقة غير المسددة لموظفي القطاع العام على نظام معلومات الائتمان.
فيما أوضحت سلطة النقد في بيان آخر صادر عنها، أنه تم التواصل مع المصارف لمتابعة عمليات الخصم من رواتب موظفي القطاع العام المقترضين وفقًا لتعليمات سلطة النقد، وذلك على إثر ورود شكاوى من قبل بعض موظفي القطاع العام على بعض المصارف التي قامت بتجاوز نسبة الخصم المحددة بالتعليمات نتيجة لبعض الأخطاء الفنية لدى بعض المصارف، حيث باشرت تلك المصارف بتصويب هذه الأخطاء وإعادة قيد الفروقات لحسابات موظفي القطاع العام حسب الأصول.
وأكدت سلطة النقد أن جميع المصارف ومؤسسات الإقراض العاملة في فلسطين ملتزمة بتعليمات سلطة النقد التي أصدرتها سابقًا فيما يخص الاقتطاع من رواتب موظفي القطاع العام المقترضين، والتي تنص على خصم قيمة القسط المستحق على المقترضين من موظفي القطاع العام كنسبة وتناسب بما لا يتجاوز 50% من القسط الشهري المستحق، شريطة ألا تتجاوز إجمالي الخصومات من الموظف المقترض من المصارف ومؤسسات الإقراض والكفيل لقروض أخرى ما نسبته 50% من قيمة الدفعة المحولة من راتبه.
وبينت سلطة النقد أن تعميمها بشأن نسبة الاقتطاع لا يشمل موظفي القطاع العام المحوّلة رواتبهم بالكامل (2000 شيكل وما دون) وكذلك المقترضين من المصارف ومؤسسات الإقراض بموجب مصادر دخل أخرى لسداد القرض.
اقتصاديون وسياسيون يحذرون من اتساع أحزمة الفقر
حذّر سياسيون واقتصاديون من النتائج الخطيرة التي قد تترتب على أزمة الرواتب في حال استمرارها في ضوء الارتفاع الحاد في معدلات المعيشة وتآكل القدرة الشرائية.
وأشار الخبير الاقتصادي جعفر صدقة إلى أن "ضعف القدرة الشرائية موجودة أصلًا، وأنها تفاقمت بعد قضية خصم رواتب الموظفين، لقد كان هناك ضعف ناتج عن الفرق الكبير في معدل الدخل والإنفاق".
ووفق صدقة، فإن ركودًا اقتصاديا تشهده الأسواق منذ سنوات من خلال تآكل مستمر للقدرة الشرائية للمواطن، وفي ظل الأزمة الجديدة التي أجبرت الحكومة على دفع 50% من رواتب الموظفين، وهم المحرك الأساسي للحركة التجارية، فقد جاء ذلك ليقضي على ما تبقى من حركة الأسواق، وهو ما يتطلب من الحكومة إعادة النظر بأدوات التعامل مع هذه الأزمة للحفاظ على الدخول المتدنية أو ما دون المتوسطة، وأن تكون إجراءات الخصم للرواتب العليا".
ويقول صدقة: إن "اقتراحه يستجيب لأصحاب الدخل المحدود والحفاظ على دخولهم، ولا يترتب على الحكومة التزامات في المستقبل بشأن دفع ما تبقى من نصف الراتب، خاصة أن الأزمة قد تطول فهم عماد حركة الأسواق، لذا فإن الكثير من الدول تلجأ إلى خفض الرواتب العليا ولو مؤقتًا في حال وقوع الأزمات".
ويرى صدقة أنه لا بد من إعادة النظر في أولوية الإنفاق، ووقف أية نفقات غير مبررة، وتبديل ما يمكن تبديله، واللجوء إلى عدة أدوات أكثر فاعلية للتعامل مع الأزمة، والقيام بإصلاحات من شأنها أن تضبط حجم الإنفاق والإيرادات، فيما يمكن تأجيل بعض المستلزمات كفواتير الكهرباء والماء وأقساط القروض، وتأجيل بعض النفقات في ميزانية الأسرة، والاستغناء عن بعض النفقات الكمالية نسبيًا، رغم أن هذه الإجراءات لن تكفي لتوفير الحد الأدنى للموظفين، وربما يلجأون للاستدانة".
لكن اللجوء إلى الاستدانة من بقالات صغيرة قد قلّت ولم تعد كما كانت في أزمة الرواتب عام 2006، لأن الأزمة الحالية أصعب ولم يعد التكافل الاجتماعي عميقًا كما كان في السابق، فأدوات التكافل الاجتماعي حاليًا ضعفت.
وبما يتعلق بإمكانية ترحيل أقساط القروض الشهرية في فترة أزمة المقاصة إلى ما بعد انتهاء الفترة الأصلية للقرض، قال صدقة: إن "ذلك يصطدم بوجود خلل في ميزانية البنوك، فالقرض يتكون من رأس مال وفائدة، لكن قد تخصم البنوك الفوائد وتؤجل رأس المال إلى ما بعد انتهاء الفترة، ما قد يخفف عن الموظفين ولا يحدث خللًا بموازنات البنوك".
وينوه الخبير صدقة إلى أنه في حال استمرار الحكومة بالتعامل مع الأزمة بهذه الطريقة، فقد يقل صمود الناس، ومن الضروري تقييم الأوضاع ومحاولة استشراف الأزمة ومدة استمرارها، ولا بد من إيجاد أدوات مناسبة ليست قصيرة الأجل، وخاصة أن أزمة المقاصة قد تستمر إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، فالظروف الآن مختلفة عن المرات السابقة التي خصمت فيها إسرائيل أموال المقاصة بنسبة 60% من إيرادات الحكومة.
موسى: استمرار الأزمة يوسّع دائرة الفقر
بينما يرى الخبير الاقتصادي نائل موسى، أنه في حال استمرت الأزمة الحالية، فإن ذلك من شانه أن يوسع أحزمة الفقر، وكذلك تتضرر المؤسسات، ويمتد الضرر أيضًا إلى فئات أكبر.
ويشير موسى إلى أن رواتب الحكومة هي رواتب متدنية نوعًا ما، وخصمها سيؤثر على الحركة الاقتصادية، فخصم رواتب الموظفين لا يؤثر فقط على الموظفين لوحدهم، بل سيمتد ذلك إلى الفئات والخدمات الأخرى، وستتأثر كل فئات المجتمع بخفض الراتب، "إن الموظف لم يكن لديه فائضًا، فراتبه وبالحد الأدنى 3500 شيكل بالكاد يكفيه، وحينما ينخفض الراتب، فإن ذلك سيدفع الموظف للتخلي عن جزء من الأساسيات، وقد يلجأ إلى الاستدانة. بينها القروض في هذه الفترة، فما المانع أن يتم بكفالة سلطة النقد جدولة القروض خلال هذه الأزمة وترحيلها إلى ما بعد انتهاء القسط الأخير من القرض؟".
ويرى موسى أن رد السلطة على قرار إسرائيل خصم مستحقات الأسرى والشهداء من المقاصة برفض استلام كل المقاصة وهو قرار سياسي، كان بالإمكان الاعتراض بطريقة مختلفة تمامًا، فهل حققت السلطة برفض استلام أموال المقاصة أداة ضغط وتأثير على إسرائيل؟ أتوقع وجود طرق أخرى كان بالإمكان فعلها بدلاً من هذه الطريقة. والاستمرار بهذه الأزمة ما الذي يمكن أن تحققه؟ وإلى أي مدى يمكن أن يتخلى الموظف عن بعض أساسياته؟
ويتوقع موسى أن السلطة قد تضطر إلى أخذ أموال المقاصة ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، وإسرائيل لم تبدِ أية ردة فعل على موقف السلطة، "لا أعتقد أن إسرائيل تتأذى من ذلك".
الجلاد: نقص في السيولة
وحسب الخبير المالي رأفت الجلاد، فإن خفض الراتب سيؤدي إلى اختفاء السيولة من السوق، فالرواتب التي تضخ كل شهر تمدّ السوق بسيولة، ومع توقف ضخ هذه السيولة التي هي بمثابة الدم الذي يحرك الدورة الاقتصادية، فإننا سنتكبّد خسائر اقتصادية فادحة خلال هذه الأزمة.
ولا يتوقع الجلاد قدرة للموظفين على تحمل فترة طويلة لخصم الراتب، التي قد تستمر لشهرين آخرين، فتعثر الموظفين يؤدي إلى تعثر الاقتصاد في حلقة دورانية، لكن الموظفين لن يتركوا وظائفهم بسبب عدم وجود بدائل.
وينصح الجلاد الموظفين بتقليل نفقاتهم وجدولة دوينهم المستحقة، عبر مراعاة المؤسسات المصرفية للأزمة الحالية، "فالاقتصاد يعتمد على الإنفاق الاستهلاكي والإنفاق الاستثماري كشراء السيارات وغيرها، وفي حال قل الدخل فإن ذلك من شأنه التأثير على الاستهلاك والاستثمار معًا".
ويؤكد الجلاد أنه لا بد من قيام البنوك والمؤسسات المصرفية بوضع سياسية تقوم على تأجيل ووقف خصم مستحقات القروض في الفترة الحالية إلى حين انفراج الأزمة دون أن تطرأ زيادة على الفوائد، في مقابل إعفاء البنوك والمؤسسات المصرفية من نسبة معينة من الضرائب المفروضة عليهم.
ويشدد الجلاد على أن الأزمة الحالية ليست جديدة فقد تكررت أكثر من مرة عبر السنوات العشر الماضية، حاولت فيها إسرائيل تحقيق أهداف سياسية، وترافق ذلك مع تخفيض المساعدات الدولية للسلطة، ولذا كان لا بد من خلق آلية من قبل السلطة للصمود في هذه المرحلة، والعمل على الاستقلال الاقتصادي الذي هو مفتاح الاستقلال السياسي، ولا بد من وضع خطة طوارئ اقتصادية فلسطينية تتبع للرئاسة وليس للوزارات. وفيما يتعلق بقضية نسبة الخصم من الرواتب، قال الجلاد: "الأصل الخصم من الجميع، ولكن يجب أن يكون الخصم بنسب متفاوتة بما يتناسب مع قيم الراتب".
ويرى الجلاد، أن الأزمة الراهنة بحاجة لترشيد الإنفاق، وضرورة البحث عن بدائل أخرى للاقتصاد الفلسطيني كفتح ملفات بعض المؤسسات والوزارات والتدقيق في دخلها، أو ربما الذهاب إلى صرف الرواتب من صندوق الاستثمار الذي تأسس أصلا لمواجهة الأزمات حتى لا تتحكم بنا إسرائيل.
حرب: مطلوب الإعلان عن خطة تقشف
وطالب الكاتب جهاد حرب، الحكومة بالإعلان عن خطة تقشف واضحة وصريحة، وأن يعيش المسؤولون الفلسطينون ذات الظروف التي يعيشها الشعب، علاوة على أنه لا بد من تعزيز المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل، والعمل على تخفيف الضرائب وتوفير شبكة أمان للخدمات الأساسية وتعزيز صمود المواطن، والعمل على تأجيل الدفعات على الموظفين من كهرباء وماء وفواتير حتى يتم تعزيز صمود المواطن.
ويشير حرب إلى أن نحو مليون فلسطيني هم بالأساس يعتاشون من الراتب، فكل أسرة فيها موظف وتستفيد عائلته من الراتب، ولا بد من تخفيف الأعباء بما يتعلق بالالتزامات الأساسية حتى تمر هذه الأزمة دون أن تكون الأوضاع أكثر صعوبة على المواطنين.
ويتوقع حرب عدم تحمل الاقتصاد الفلسطيني استمرار خصم الراتب لفترة طويلة في ظل غلاء المعيشية وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وفي ظل غياب النقد والسيولة، وإن الاستمرار يعني أنه سيؤثر على الحياة المعيشية وقد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية.
وبما يتعلق بلجوء السلطة إلى رفض استلام أموال المقاصة بعد خصمها، قال حرب: "إذا وافقت السلطة على هذا الخصم، تكون كمن تشرعن ما تقوم به إسرائيل من خصومات، وكأنها تدين النضال الفلسطيني فاتفاقية أسلو لم تمنع رعاية أسر الشهداء والأسرى، فقرار رفض المقاصة يعني أن السلطة ماضية باتجاهاتها لحماية وضمان حياة كريمة لأسر الشهداء والأسرى، ولن تخضع للابتزاز الإسرائيلي الذي قد يتمادى ليطال مجالات أخرى".
وأعرب حرب عن اعتقاده بأن الفلسطينيين خاسرون اقتصاديًا لرفضهم أموال المقاصة منقوصة، ولكن على المدى البعيد إسرائيل خاسرة أمنيًا، فغياب الاستقرار الاقتصادي في فلسطين يقابله غياب استقرار أمني في إسرائيل، وقد يتراكم مستقبلاً لغياب الاستقرار الأمني، وهو يتناقض مع ما تسعى له إسرائيل في الضفة، من خلال سياسة الليكود بأن تحسين ظروف المعيشة في الضفة يخفف الانزلاق الأمني ويقلله.
سلامة: يجب تأمين حاجات الموظفين بأية طريقة
وشدد الكاتب عبد الغني سلامة، على أن على السلطة تأمين حاجات الموظفين، بعيدًا عن التنظير، بأية طريقة، كتفعيل شبكة الأمان العربية، "لأن أي حديث عن دعم الصمود، وتثبيت الناس فوق أرضهم، دون تأمين مقومات هذا الصمود يغدو مجرد شعارات خطابية، لا قيمة لها".
وقال سلامة: "على الحكومة أن تكون أكثر شفافية ووضوحًا فيما يتعلق بالسياسات التي أعلنتها لتخفيض النفقات، خاصة بعد المفاجأة الصادمة والمخيبة للآمال، حين تكشف عن قرار من رئيس الحكومة السابق بتوفير سائق ومرافق لكل وزير منتهية ولايته. كيف يكون هذا في ظل التقشف؟! ومن جهة ثانية على القطاع التجاري الامتناع عن التهرب الضريبي".
ويؤكد سلامة أنه حين يتعلق الأمر بالكرامة الوطنية، خاصة حين تبنى علاقة وثيقة بين القيادة السياسية والشعب، فإن الشعب بكل فئاته وشرائحه مستعد فعلاً للتخلي عن كثير من الأشياء غير الضرورية، حتى لا نكون فريسة سهلة للابتزاز السياسي، أو الرضوخ للتهديدات، فمن يستعد للتضحية بدمه وحياته، مستعد للتقشف والتحمل، ومستعد لأن يعيش نصف حياة بنصف راتب، لكن على أن يكون ذلك في سياق استراتيجية وطنية واضحة، وبرنامج نضالي واقعي يلتف من حوله الشعب.
وأضاف سلامة: "القيادة تطالبنا بالتقشف، ولكن كيف يكون هذا التقشف لحياة متقشفة أصلًا؟! عندما كان الموظفون يعيشون براتب كامل، كانوا بالكاد يتكيّفون مع صعوبة الحياة، لتلبية الحد الأدنى من الأساسيات. وللتذكير فقط: في إسرائيل الحد الأدنى للأجور هو 5300 شيكل، وعندنا متوسط الأجور بحدود 2500 شيكل، وهو الحد الذي يمكّن أسرة صغيرة من العيش حد الكفاف، علمًا بأن غلاء الأسعار داخل الخط الأخضر أعلى بمقدار ضئيل عنه في مدن الضفة الغربية والقطاع، ولكن مع فرق هائل في الأجور".
وتابع: "أيضًا، فقد تآكلت رواتب الموظفين في السنوات العشر الأخيرة بمقدار الثلث تقريبًا، وفي نفس الوقت طرأ ارتفاع على الأسعار بمعدلات مشابهة؛ أي أنَّ الموظف بات يتقاضى راتبًا تعادل قيمته الشرائية ثلثي راتبه السابق، وصارت الحياة تضيق أمامه أكثر فأكثر، خاصة مع موجات الغلاء المتلاحقة". والسؤال هو: ما هي النتيجة المتوقعة إذا صارت سياسة نصف الراتب نهجًا متبعاً وخيارًا وحيداً أمام السلطة؟! وما هي الخيارات المتاحة أمام الموظف؟!
في غزة.. ارتفاع معدلات الطلاق بسبب استمرار الخصومات
في قطاع غزة، يعاني الموظفون من خصومات على رواتبهم منذ شهر أبريل/ نيسان 2017، بعد أن اتخذت السلطة سلسلة إجراءات هدفها التأثير على حماس، حيث كانت الخصومات تتراوح ما بين 70 إلى 50%، حتى وصلت في بعض الأحيان إلى 30%. فيما تم قطع رواتب المئات لأسباب مختلفة. وقد رصد مراسلنا ارتفاع معدلات الطلاق بسبب الخصومات التي تفجّر الخلافات بين الأزواج.
واضطر الموظفون الذين يعانون من أزمات حياتية كبيرة منذ فرض تلك الخصومات، إلى اتخاذ تدابير كثيرة في محاولة للتكيف مع هذه الظروف الصعبة التي دفعتهم إلى تقليص الكثير من مصاريفهم واقتصارها فقط على توفير الاحتياجات الهامة.
وعبر الموظف كمال أبو حسين عن خشيته من اللجوء لمزيد من الخيارات الصعبة للحدّ من مصاريف عائلته الشهرية واحتياجاتها. مشيرًا إلى مخاوف تنتاب الموظفين من زيادة نسبة الخصومات بشكل أكبر مع اقتراب حلول شهر رمضان وعيد الفطر، وهما من أكثر المناسبات التي يحتاج فيها الموظفون لمبالغ مالية أكثر من أية فترة أخرى.
وقال أبو حسين، الذي يتكفل بمصاريف عائلته المكونة من 9 أشخاص، منهم ثلاثة جامعيين، إن "الأوضاع الاقتصادية متردية، وبلغت ذروتها في ظل هذه الخصومات التي تطال رواتبنا منذ عامين، لقد أصبحنا نفكر في كيفية توفير المصاريف اليومية لأبنائنا دون التفكير بمستقبلهم الدراسي والجامعي خصوصًا". مشيرًا إلى أنه قد يضطر قريبًا لإجبار أبنائه على عدم التوجه للجامعات، خاصةً أنه لن يستطيع توفير رسوم الجامعة لتسجيلهم مجددًا وإكمال تعليمهم.
الموظف سامي بكر، اضطر منذ الشهر الخامس للخصومات المفروضة منذ عامين، لوضع خطة تقشفية، كي يستطيع التكيّف مع الأوضاع التي طرأت على حياته. مشيرًا إلى أن هذه الخطة في طريقها لتكون أكثر تقشفًا في ظل التوقعات بفرض المزيد من الخصومات على الرواتب، "لقد بدأت منذ أيام التخطيط لكيفية التعامل مع هذه الخصومات التي تزداد من شهر إلى آخر، تسلمت قبل أيام نسبة 30% فقط من قيمة راتبي الحقيقية".
وقال بكر: "رمضان على الأبواب، ومن ثم العيد الذي سيحتاج فيه أطفالي لملابس جديدة، ولا أعرف كيف سأتدبر أمري لشرائها لهم، بل كيف سأتدبر توفير الاحتياجات الأساسية لعائلتي، وسأجد صعوبات كبيرة لتوفير القوت اليومي لأفراد عائلتي".
مع بداية الخصومات كان بكر يتدبر بعض الأمور في توفير احتياجات عائلته من خلال الاستدانة من أقاربه المقتدرين، لكنه في ظل الظروف الجديدة والتي يعاني منها جميع السكان في قطاع غزة حتى التجار والمقتدرين وغيرهم، لن يستطيع توفير أي مبالغ للتعامل مع الوضع الحالي.
واضطر الموظف أحمد العكلوك، والذي يعيل أسرة مكونة من 6 أطفال، للبحث عن عمل إضافي في محاولة إيجاد مصدر رزق آخر يعينه على تجاوز الأزمة المالية الحالية. مشيرًا إلى أنه منذ 6 أشهر أصبح مديونًا ولم يتمكن من سداد ديونه المتراكمة، بسبب الخصومات التي وصلت على راتبه إلى 40%.
ومنذ ثلاثة أسابيع يحاول العكلوك البحث عن فرصة عمل، إلا أنه لم ينجح حتى الآن، خاصةً وأن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يشهدها القطاع في الأعوام الأخيرة، تزداد تدهورًا ومن النادر الحصول على فرصة عمل في الوقت الحالي.
وأوضح العكلوك أنه يتدبر توفير الاحتياجات اللازمة لعائلته من خلال شراء الخضار فقط والعزوف عن اللحوم والدواجن، إلا في اليوم الذي يتسلم فيه راتبه فقط، وباقي أيام الشهر يتجاهلها ويكتفي بما يتوفر في المنزل من خضار يستطيع توفيرها مرتين في الأسبوع الواحد فقط.
وقال العكلوك: "هذا ما يمكن أن أفعله الآن، ولا يوجد طريقة أخرى لأستمر وعائلتي في الحياة أكثر من هذا، فلا يوجد أية فرصة أخرى أمامنا سوى الحفاظ على ما نحن عليه". معربًا عن أمله أن تواصل السلطة صرف رواتب الموظفين حتى وإن كانت بالنسبة الحالية التي تصل إلى 40%، لكي يستطيع تأمين المطالب الأساسية لعائلته.