
بقلم: د. حسن أبو لبدة
عدم قدرة الحكومة على دفع سلفة على راتب شهر شباط 2025 قبل حلول عيد الفطر المبارك، أشعل النيران الخامدة، وتبارى جنرالات المقاهي في وصف مثالبها، وكأنها لم تتسلم صولجانها في ظل ظروف ومعطيات تؤشر لهذه النتيجة. وإنني شخصيا فوجئت بقدرتها على الصمود لمدة عام كامل على الرغم من كل المؤشرات المرجحة لتهاويها.
حكومات السلطة عرجاء بمقدراتها وقدراتها منذ 2014 لأسباب أهمها التسخين من قبل حكومات إسرائيل المتعاقبة ضدها وعزوف المانحين وترهل الجباية وعدم ضبط النفقات بشكل ناجع، ومن ثم أتت الكورونا والحرب على غزة ومحاصرتها من حكومة التطرف الإسرائيلية لتجهز على ما تبقى.
كلنا يعلم نوايا الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية وتطرفا في تاريخ دولة إسرائيل منذ تنصيبها، برفع الضغط على السلطة والعامة للوصول إلى مرحلة العجز الكامل عن الوفاء بالتزاماتها في كافة المجالات، وأولها نصرة غزة وإغاثتها.
حل معضلة الرواتب والتزامات السلطة ليست مشكلة خاصة وإنما عامة *يتحمل مسؤوليتها الجميع من الرئيس وحتى أصغر طفل*، ولذلك فإن منح الحكومة فرصتها لتعمل وتنجز، يتطلب منها أولا التمسك بصلاحياتها كاملة وفقا للقانون الأساسي المعدل، بما فيها سن تشريعات واتخاذ قرارات وإجراءات ليست محببة للناس، لا تستجيب لضغوطات أي كان من أوصياء المرحلة، والاعتراف بأنه لا خيار لها إلا مواجهة الضائقة الخانقة بقرارات جريئة جدا ليست شعبية، وقد تطيح بها، وهذا أفضل من الوقوف في الزاوية وتلقي اللكمات من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، بشأن عجزها عن الوفاء بالتزاماتها تجاه غزة وشمال الضفة وموظفيها والقطاع الخاص، وانعدام قدرتها على تمويل مشاريع بنية تحتية/أو تنموية.
برأيي، حان الوقت للمكاشفة والصراحة والإصلاح العميق في منظومة "الحقوق مقابل الواجبات" على كافة المستويات.
1- هناك تمادٍ مهول من الجانب الإسرائيلي بمعاقبة السلطة والمجتمع الفلسطيني على كل شاردة وواردة، وجزء منها تبررها سلوكيات منظومة الحكم المحلي وغيرها. آن الأوان لقلب الطاولة.
2- هناك "تقشف" بحكم الأمر الواقع وليس مبنيا على إرادة سياسية حقيقية لتخفيض حجم الإنفاق. وقد آن الأوان لفرض ذلك، ولتبدأ الحكومة بنفسها.
3- هناك تهرب ضريبي واسع النطاق، ولا أقصد بذلك ضريبة الدخل فقط. أقصد بالضبط موضوع الـ VAT، ويجب تجاوز كل الأعراف والعادات في وقف ذلك، ويمكن بلورة تصور يتجاوز القانون الجديد بمراحل، حيث أن المشكلة ليست في تطبيق القانون وإنما في عدم وجود تنفيذ أمين لموضوع جباية الـ VAT.
4- هناك تضخم ومبالغة كبيرة جدا بحجم القطاع العام، ويجب تخفيضه إلى النصف خلال فترة زمنية لا تتجاوز 5-7 سنوات. ويتطلب ذلك مبادرة جريئة، لدي بعض الأفكار حولها.
بناء على ما تقدم، أرى أن تبادر السلطة لتشكيل فريق عمل بصلاحيات واسعة لا بل مطلقة من أجل وضع التوصيات المناسبة لتقليل الاعتماد على إسرائيل في كل شاردة وواردة، وملاحقة موضوع المقاصة عالميا، وإعادة تنظيف داخلية واسعة النطاق في مجال الإنفاق والجباية.