تقرير صحفي: غزة..نكبة اقتصادية مهولة

تاريخ النشر
الأرقام تثبت عدم وجود إمكانيات محلية لإعادة الأعمار

غزة-أخبار المال والأعمال- (صحيفة الحياة الجديدة-أيهم أبو غوش)- مع دخول إعلان اتفاق التهدئة في قطاع غزة حيز التنفيذ، بدأت الأضواء تتسلط على حجم الدمار الذي أحدثته حرب الإبادة التي تواصلت لنحو (471) يومًا، ورغم تركّز الأخبار على حجم المأساة الإنسانية، غير أن المعطيات تعكس نكبة اقتصادية حلت بقطاع غزة، لم يشهد لها مثيلا، وأن تعويض حجم الخسارة سيستغرق سنوات طويلة كي يعود الوضع إلى سابق عهده قبل هذه الحرب.

الأرقام صادمة

كشفت وكالة "بلومبرج" أن عملية إعادة إعمار غزة ربما تتكلف أكثر من 80 مليار دولار، إلى جانب 700 مليون دولار لإزالة 42 مليون طن من الأنقاض.

ووفقًا للأمم المتحدة، خلفت الغارات الجوية الإسرائيلية أكثر من 42 مليون طن من الأنقاض في مختلف أنحاء القطاع حتى الآن، غالبيتها عبارة عن مساكن مدمرة، وتوزيعها عبر القطاع يحاكي تقريبًا الكثافة السكانية في غزة قبل الحرب.

وأفادت تقارير بأن أكثر من 70% من مساكن غزة تضررت بجانب المستشفيات والشركات، وقدّر البنك الدولي والأمم المتحدة في تقرير سابق تكلفة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية في غزة بنحو 18.5 مليار دولار بين تشرين الأول 2023 وكانون الثاني 2024.

ونقلت الوكالة الأميركية عن كبير الاقتصاديين في مؤسسة "راند" البحثية ومقرها كاليفورنيا، دانييل إيجل، قوله إن إعادة بناء غزة قد تتكلف أكثر من 80 مليار دولار، إذا أخذنا في الاعتبار النفقات المخفية مثل التأثير الطويل الأجل لسوق العمل المدمر بسبب الموت والإصابة والصدمات، مضيفًا: "يمكنك إعادة بناء مبنى، ولكن كيف يمكنك إعادة بناء حياة مليون طفل؟".

ووفقا للوكالة الأميركية، فإن هذه الأنقاض تكفي لملء خط من شاحنات القمامة يمتد من نيويورك إلى سنغافورة، وقد يستغرق إزالة كل تلك الأنقاض سنوات بتكلفة تصل إلى 700 مليون دولار.

وقالت وكالات الإغاثة إن أغلب سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة نازحون، محشورين في شريحة صغيرة من الأرض على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، معزولين عن المياه العذبة والغذاء، فضلاً عن الأدوية والصرف الصحي الأساسي.

وتعكس هذه الأرقام واقعا يفوق قدرة الفلسطينيين على تعويضه، فالناتج المحلي الفلسطيني في عام 2022 بلغ نحو19 مليار دولار، ما يعني أن الفلسطينيين في الضفة وغزة بحاجة إلى إنتاج مستمر لمدة خمس سنوات على منوال العام 2022 دون أن يستهلكوا قرشا واحدا لتعويض حجم الخسارة، وهذا طبعًا أمر افتراضي غير ممكن.

كما أن موازنة السلطة الوطنية التي تقدّر بنحو 6 مليارات دولار لا تكفي لتعويض هذه الخسارة، فحتى لو افترضنا أن السلطة الوطنية خصصت جل موازنتها (وهو أمر مستحيل من الناحية العملية لأن هناك رواتب ونفقات تشغيلية) لإعمار غزة، فإنها ستحتاج 14 عاما لتعويض تلك الخسارة.

وبالمجمل فإن كلفة إعادة الإعمار المقدرة تبلغ قرابة 27 ضعف إنتاج قطاع غزة في الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني، أي من الناحية النظرية يحتاج إلى إنتاج مثيل لما قبل هذه الحرب لمدة 27 عاما دون أن يتم استهلاك قرش واحد لتعويض حجم الخسارة، وهو أمر كذلك غير ممكن من الناحية العملية.

يقول الخبيرالاقتصادي ماهر الطباع لـ"الحياة الاقتصادية": الاقتصاد الفلسطيني ناشئ وهو ضعيف وغير قادر على النمو الطبيعي بفعل إجراءات الاحتلال، مشيرا إلى أن التقديرات الأولية الناجمة عن الحرب تظهر بشكل واضح أن الاقتصاد الفلسطيني غير قادر على تعويض هذه الخسائر.

ويضيف: "حجم الخسائر تبلغ خمسة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين، وبالتالي مطلوب توفير دعم دولي كبير لإعادة إعمار قطاع غزة وتعويض المتضررين في كافة القطاعات".

ليست هذه الحرب فقط

كان قطاع غزة قبل الانقسام في عام 2007 يساهم بنحو ثلث الناتج المحلي الفلسطيني، ولكنه تراجع إلى ما دون الخمس فقط نتيجة الآثار التي خلفتها أربعة حروب شنها الاحتلال على القطاع، ونتيجة 17 عامًا من الحصار.

وكان الجهاز المركزي للإحصاء أشار إلى أن خسائر فلسطين من الناتج المحلي الإجمالي بالحد الأدنى وبشكل تراكمي، نتيجة الحصار المفروض على قطاع غزة، لأكثر من عقد ونصف العقد، بلغت أكثر من 35 مليار دولار أميركي، أي ما يعادل عشرة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لقطاع غزة. (قبل أحداث 7 تشرين الأول).

وأوضح الإحصاء أن مؤشرات الاقتصاد الكلي تشير إلى أن مساهمة قطاع غزة من الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين قبل عام 2006، كانت تمثل حوالي 36%، لتبدأ بالتراجع التدريجي نتيجة ما فُرض على قطاع غزة من حصار خانق على كل عوامل الإنتاج على مدار 17 عاما مضت، لتصبح مساهمة هذا القطاع لا تتجاوز 17% في السنوات الأخيرة نتيجة تآكل القاعدة الإنتاجية.

وأشار إلى أن بنية الاقتصاد الفلسطيني تعرضت لتشوه في معظم الأنشطة الاقتصادية، فبافتراض ثبات حصة قطاع غزة من الناتج المحلي الإجمالي التي كانت تشكّل 36% قبل الحصار الخانق والانقسام وبقائها كما هي عبر السنوات الماضية باستثناء العوامل الأخرى، فإن إجمالي ما فقده الاقتصاد الفلسطيني بلغ حوالي 35 مليار دولار بالحد الأدنى وبشكل تراكمي خلال الـ17 عاما الماضية، فيما بلغ الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين خلال 2022 حوالي 19 مليار دولار مقابل 23 مليار دولار كناتج محلي إجمالي بالحد الأدنى يمكن تحقيقه في ظل فك الحصار القائم على قطاع غزة.

فقدان 7 مليارات دولار كإيرادات ضريبية

وعلى المستوى القطاعي، فقد بلغت الخسائر التراكمية منذ عام 2006 لنشاط التجارة الداخلية حوالي 9.4 مليار دولار، كما خسر نشاط الصناعة 5.5 مليار دولار، تلاه نشاط الخدمات بحوالي 4.9 مليار، ثم الإنشاءات بواقع 2.1 مليار، كما حُرم الاقتصاد الفلسطيني من حوالي 7 مليارات دولار أميركي كإيرادات ضريبية كان من المفترض أن تُضخ فيه.

انكماش غير مسبوق

وقدّر الجهاز المركزي للإحصاء، في تقرير له انكماش الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 28% في 2024، نتيجة انهيار تام للاقتصاد في قطاع غزة وتراجع حاد في الضفة.

وجاء في التقرير: "تواجه فلسطين كارثة اقتصادية، واجتماعية، وإنسانية، وبيئية، وصحية، وتعليمية، وغذائية أدت إلى انكماش القاعدة الإنتاجية وتشويه الهيكل الاقتصادي لفلسطين".

وأضاف: مع نهاية العام 2024، تشير التقديرات إلى استمرار الانكماش الحاد غير المسبوق في الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة بنسبة تتجاوز 82%، يرافقه ارتفاع معدل البطالة إلى 80%.

ويشكّل قطاع الخدمات 65% من الاقتصاد الفلسطيني، فيما تقتصر حصة القطاعات الإنتاجية الداعمة للنمو الاقتصادي على 20% فقط، ما يدلل على أن الاقتصاد الفلسطيني اقتصاد متغير، ويتأثر بالصدمات بشكل كبير وقدرته على التعافي أسرع كونه اقتصاد صغير.

وخلال العام 2024، وفقًا للتقرير، تراجعت معظم الأنشطة الاقتصادية في فلسطين مقارنة بالعام السابق، حيث سجل نشاط الإنشاءات أعلى تراجع بنسبة بلغت 46% بواقع 38% في الضفة الغربية، و98% في قطاع غزة، لتبلغ قيمته 332 مليون دولار، تلاه نشاط الصناعة بنسبة تراجع 33% بواقع 30% في الضفة الغربية، و90% في قطاع غزة ليصل إلى 1.038 مليار دولار، ثم نشاط الزراعة بنسبة تراجع 32% بواقع 17% في الضفة الغربية و91% في قطاع غزة، وبقيمة وصلت إلى 564 مليون دولار، كما تراجع نشاط الخدمات بنسبة 27% بواقع 17% في الضفة الغربية و81% في قطاع غزة ليصل إلى 6.453 مليار دولار.

تدمير 93% من فروع المصارف

وقال البنك الدولي إن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تسبب بتدمير نحو 93% من فروع المصارف العاملة في القطاع، بعد قرابة 15 شهرا من الإبادة المتواصلة.

وقال إن الحرب الإسرائيلية دمرت أيضا 88% من مؤسسات التمويل الأصغر ومعظم الصرافين، و88% من شركات التأمين.

وكانت سلطة النقد صرحت في وقت سابق أن حجم القروض المتعثرة في قطاع غزة تصل إلى نحو مليار دولار، أي نحو 9% من حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة.

الأسعار تتراجع ولكن

مع بدء تدفق شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة، بدأت الأسعار في الهبوط الحاد لكنها مازلت أعلى مقارنة مع فترة ما قبل الحرب.

يقول المواطن محمد أبو دياب إن "سعر كيلو السكر حاليا 6 شواقل بعد أن وصل إلى 35 شيقلا، والبندورة وصل سعر الكيلو إلى عشرة شواقل بدلا من 40 شيقلا"، مشيرا إلى أن الأسعار رغم هبوطها الحاد غير أنها ما زالت في مستويات أعلى مقارنة مع فترة ما قبل الحرب.

ويبين أبو دياب أن مشكلة السيولة النقدية ما زالت قائمة رغم التهدئة، إذ أن السماسرة ما زالوا يطلبون نسبة 16% بدلاً من 30% نظير صرف رواتب الموظفين.

وكان الجهاز المركزي للإحصاء أشار إلى أن مؤشر غلاء المعيشة خلال العام 2024 سجل ارتفاعًا حادًا في فلسطين مقارنة بالعام 2023، مدفوعًا بمستويات أسعار لم تشهدها أسواق قطاع غزة من قبل، نتيجة للعدوان الإسرائيلي حيث ارتفعت الأسعار للسلع الاستهلاكية، بواقع 237.98% في قطاع غزة.

%70 من المساكن مدمرة

وأشارت تقارير أممية ودولية إلى أن أكثر من 70% من مساكن غزة تضررت بجانب 85% من المدارس، و99% من الجامعات، و65% من شبكات الطرق، و69% من المستشفيات، و90% من المنشآت الاقتصادية، بالإضافة إلى 21% على الأقل من المقابر.  

ووفقًا لعدة تقارير فإنه خلال الفترة من 7 تشرين الأول 2023 إلى 5 أيلول 2024، دمرت الحرب الإسرائيلية على غزة نحو 150,000 ألف منزل كليًا، فيما تضررت 200,000 ألف وحدة سكنية جزئيًا، وأصبحت 80,000 وحدة سكنية دمرها الاحتلال غير صالحة للسكن.

وأعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أن 70% من منشآت المياه والصرف الصحي في قطاع غزة تضررت أو دمرت بالكامل جراء القصف الإسرائيلي المستمر للقطاع منذ الـ7 من تشرين الأول 2023.

بحث خطة عمل وزارة الاقتصاد

في غضون ذلك، بحث وزير الاقتصاد الوطني محمد العامور مع مؤسسات القطاع الخاص في قطاع غزة، ترتيبات وإجراءات متابعة الوضع الاقتصادي في قطاع غزة في ظل وقف اطلاق النار.

ويأتي ذلك ضمن الخطة الحكومية لرفع مستوى التنسيق والمتابعة والتنفيذ لإغاثة أهلنا في قطاع غزة.

وضم الاجتماع الذي عقده الوزير عبر تقنية الاتصال المرئي مع ممثلي القطاع الخاص في غزة، الغرف التجارية الصناعية الزراعية الخمس: غرفة تجارة وصناعة محافظة شمال غزة، غرفة تجارة وصناعة محافظة غزة، غرفة تجارة وصناعة المحافظة الوسطى (دير البلح)، غرفة تجارة وصناعة محافظة خان يونس، وغرفة تجارة وصناعة محافظة رفح، بالإضافة إلى مركز التجارة الفلسطيني، الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية، جمعية رجال الأعمال، وجمعية محطات المحروقات، وموظفي الوزارة في غزة.

وبحث المجتمعون الخطوات العملية اللازمة لتنظيم الشأن الاقتصادي بعد وقف الحرب، في مختلف مكوناته ضمن خطة وطنية لإغاثة وإنعاش وإعادة إعمار ما دمره الاحتلال في ظل انهيار لكافة الأنشطة الاقتصادية في قطاع غزة، بالتعاون الكامل مع القطاع الخاص بمختلف مكوناته والشركاء الدوليين.

وعبر الوزير عن الجاهزية  لممارسة الوزارة مهامها وتحمل مسؤولياتها في قطاع غزة بالتنسيق والشراكة الكاملة مع مؤسسات القطاع الخاص، لافتًا إلى تعليماته لموظفي الوزارة في قطاع غزة، للقيام بواجباتهم في متابعة سير العمل وضمان تقديم الخدمات اللوجستية الضرورية 

ونظرًا لتدمير مقر الوزارة في غزة، أشار المجتمعون إلى توفير مقرات مؤقتة لضمان استمرارية العمل وتقديم الخدمات الأساسية بشكل فوري، بهدف تنظيم السوق الداخلي، وتعزيز استقرار الأسعار، ومنع أي استغلال للمستهلكين عبر تكثيف متابعة الأسواق لمنع عمليات الاحتكار والاستغلال.

وشهد الاجتماع مداخلات من ممثلي مؤسسات القطاع الخاص، الذين استعرضوا أبرز التحديات التي تواجه المواطنين والقطاع الاقتصادي.

وأكد الوزير، التزام الوزارة بمتابعة التوصيات والمقترحات المقدمة والعمل على تنفيذها ضمن خطط مدروسة تستهدف تحقيق تعافٍ اقتصادي شامل.