الزيتون 2024.. موسم وفير تتهدده إجراءات الاحتلال

تاريخ النشر
قطف الزيتون في فلسطين-أرشيف وكالات

جنين-(وفا-جعفر صدقة)- في بلدات وقرى شمال وغرب وجنوب جنين، تجري الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال موسم الزيتون، الذي يوصف في هذه المناطق بـ"الممتاز" وربما بالتاريخي، وفي مجمل فلسطين بـ"الجيد جدا"، مع توقعات بأن يكون حول المعدل السنوي (حوالي 20 ألف طن زيت) أو يتجاوزه هذا العام، لكن المخاوف من إجراءات الاحتلال وهجمات المستعمرين تتزايد، إذ تهدد بفقدان حوالي 15% من إنتاج الموسم.

هذه الأيام، تبدو الحركة في صباحات هذه البلدات والقرى، أكثر من المعتاد، فمن فاته حراث الأرض في المواعيد المحددة يسارع إلى إزالة الأعشاب من تحت الأشجار تمهيدا لعملية القطف، ومن لا يستطع قطف أشجاره لنقص عدد العاملين في العائلة يسعَ إلى تضمينها، ومن يملك قليلا من الأشجار، أو لا يملك أصلا، يبحث عن أرض لضمانها، فيما يبحث آخرون عن مركبات للاستفادة من ارتفاع الطلب على خدمات النقل في هذا الموسم، وآخرون، من أصحاب الدكاكين وغيرهم، يرصدون ما يتيسر لهم من سيولة لجمع الحب من "البعار" (من يجمعون ما تبقى من ثمار عن الأشجار التي انتهى أصحابها من قطافها)، وحتى لزيادة مخزون دكاكينهم من المواد الغذائية ومستلزمات الموسم، الذي يشهد عادة زيادة ملحوظة في الاستهلاك.

أصحاب المعاصر هم أيضا يجتهدون في تجهيز معاصرهم للتشغيل، بعضهم بطرح عطاءات التضمين، وبعضهم بحشد العمالة اللازمة، ناهيك عن العاطلين عن العمل المستبشرين بموسم يوفر لهم فرصا لإعالة أسرهم، خاصة مع وصول أجرة العامل في هذا الموسم إلى نحو 150 شيقلا وهي ضعف المعدل العام للأجر اليومي في فلسطين.

باختصار، فإن كثرة المستفيدين، بشكل مباشر أو غير مباشر، تجعل من شجرة الزيتون ثروة قومية أكثر منها ملكية فردية.

جنين تحدد تقديرات الموسم

محافظة جنين تستحوذ على حوالي ربع إنتاج فلسطين من زيت الزيتون سنويا، بمعدل 5500 طن سنويا (عام 2019 القياسي بلغ إنتاج المحافظة 8 آلاف طن)، ولهذا، فهي التي تحدد تقديرات الإنتاج.

ويقول المدير العام لمجلس الزيت والزيتون الفلسطيني فياض فياض، وهو خبير الزيتون الأبرز في فلسطين، ومن أبرز الخبراء في هذا القطاع على مستوى العالم العربي، إن حمل أشجار الزيتون في مناطق شمال وغرب وجنوب جنين، يكاد يكون كاملا، أما في مناطق شرق المحافظة فهو جيد، لكنه أقل من باقي المناطق.

كذلك، فإن تقديرات الموسم في محافظتي طولكرم وسلفيت "ممتازة" وفق فياض، بينما محافظة نابلس فإن تقديرات حمل الأشجار تتراوح بين 40 و50%، ترتفع النسبة في محافظة رام الله والبيرة إلى ما بين 60 و70%.

أما في الجنوب: القدس، وبيت لحم، والخليل، فإن التقديرات منخفضة، ولا تتجاوز ثلث المعدل السنوي، فيما لا يُتوقع أن يتجاوز الإنتاج في قطاع غزة 10% من المعدل، أو ربما صفر بسبب تدمير مزارع الزيتون وعدم القدرة على قطف ما تبقّى منه بسبب حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على القطاع منذ نحو عام.

بالأرقام، يقول فياض إن جنين تتسيّد معدل الإنتاج السنوي بنحو 5500 طن، تليها طولكرم بمعدل 3500 طن، ثم نابلس ورام الله وسلفيت وقطاع غزة بمعدل 3000 طن لكل منها، وقلقيلية بمعدل 1500 طن، والخليل بمعدل 1000 طن، وبيت لحم بمعدل 600 طن، وأخيرا القدس بنحو 200 طن، في حين أن إنتاج أريحا من زيت الزيتون يكاد يكون صفرا.

في عام 2019، سجلت فلسطين إنتاجا قياسيا من زيت الزيتون بحوالي 40 ألف طن، وفي عام 2022 بلغ الإنتاج 36 ألف طن، بينما تتراوح التقديرات لهذا العام بين 18 ألف طن و22 ألفا.

وقال فياض: حمل الزيتون في أغلب مناطق جنين، التي تحدد تقديرات الموسم، ممتاز، ونتوقع إنتاجا فوق المعدل، وكذلك في طولكرم وسلفيت، لكن الغياب المتوقع لإنتاج غزة، والضعف المتفاوت في باقي المحافظات يخفضان تقديرات الموسم ككل، للتراوح حول المعدل السنوي العام (20 ألف طن).

ويقول الوكيل المساعد للقطاع الاقتصادي في وزارة الزراعة طارق أبو لبن، إن الوزارة تتوقع إنتاج 81 ألف طن من ثمار الزيتون، منها 8700 طن للتخليل، و72 ألفا و500 طن للعصر، ويُتوقع أن تنتج حوالي 18 ألف طن زيت.

ملاحظتان جديرتان بالاهتمام في موسم الزيتون هذا العام من شأنهما التأثير في الإنتاج، الأولى أن إزهار الأشجار بدأ مبكرا في نهاية شهر شباط، ما يعزّز إنتاجية الأشجار، وهذا ما يفسر نضج الثمار في وقت أبكر، خلافا لما حدث في 2022، إذ بدأ الإزهار متأخرا كثيرا في بداية شهر أيار، وكان سببا في مفاجأة كثير من المزارعين بتدني الإنتاجية، على الأقل في بداية الموسم.

أما الملاحظة الثانية، فتتمثل في أن حمل الأشجار في الأراضي المتروكة دون حرث أكثر كثافة من الأشجار في الأرض المحروثة.

ويفسر فياض هذه الظاهرة بأن الأعشاب في الأراضي غير المحروثة حمت الأشجار من موجات الحر التي شهدتها فلسطين هذا العام، ما أدى إلى زيادة نسبة العقد في الثمار، فيما كانت الأشجار في الأراضي المحروثة أكثر عرضة للحرارة، وبالتالي كانت نسبة عقد الثمار أقل.

مخاطر

تاريخيا، يواجه قطاع الزيتون في فلسطين مخاطر جمة، أبرزها وأكثرها تأثيرا هجمات المستعمرين وإجراءات الاحتلال التي تحول دون وصول المزارعين إلى أراضيهم لجني محصولهم من ثمار الزيتون.

في عام 2023 الذي تزامن موسم الزيتون فيه مع بدء العدوان على قطاع غزة، لم يتمكن المزارعون من قطف نحو 60 ألف دونم خلف جدار الفصل والتوسع العنصري وفي محيط المستعمرات، ما شكّل خسارة بنحو 10% من كامل الإنتاج.

ومع تصاعد إجراءات الاحتلال وهجمات المستعمرين، تتوقع وزارة الزراعة عدم تمكن المزارعين من الوصول إلى 80 ألف دونم من المساحة المزروعة بالزيتون، ما قد يترتب عليه فقدان نحو 15% من الإنتاج (إنتاجية الشجرة خلف جدار الفصل العنصري أصلا ضعيفة لعدم تمكن أصحابها من خدمتها طوال العام).

منذ عام 2012، تضرر، بالقطع أو التكسير، حوالي 278 ألف شجرة زيتون بسبب إجراءات الاحتلال وهجمات المستعمرين، فيما يُمنع المزارعون من الوصول إلى مساحات واسعة تقع خلف الجدار وفي محيط المستعمرات، ناهيك عن سرقة المستعمرين للمحصول في مناطق عدة.

وقال أبو لبن: أثر هذه الأعمال والإجراءات في إنتاجية قطاع الزيتون يختلف من سنة إلى أخرى، ونتوقع هذا العام أن ذلك في ربع المساحة المزروعة بالزيتون.

أسعار مرتفعة

في عام 2022، آخر موسم جيد، انهارت أسعار زيت الزيتون لتصل في بعض مناطق جنين إلى 16 شيقلا للكيلوغرام (حوالي 255 شيقلا للصفيحة سعة 15 كغم)، لترتفع الأسعار إلى مستويات قياسية في 2023 لضعف المحصول، وتتفق كل من وزارة الزراعة ومجلس الزيت والزيتون على أن الأسعار ستبقى عند مستوى مرتفع نسبيا هذا العام رغم وفرة المحصول في البلاد.

ويعزو فياض بقاء أسعار الزيت مرتفعة في فلسطين إلى ارتفاعها عالميا بسبب نقص المعروض، حيث يعاني السوق العالمي عجزا بحوالي 40%.

ويبلغ حجم الإنتاج العالمي من زيت الزيتون حوالي 3.5 مليون طن، لكن التقديرات أن الإنتاج سينخفض بحدّة لدى أكبر الدول المنتجة بسبب الجفاف والتغيرات المناخية.

وقال فياض: "يُتوقع أن يكون لدى إسبانيا وإيطاليا واليونان وتونس، وهي من كبار منتجي الزيت، عجز بنحو مليون طن، لهذا من المتوقع أن تبقى الأسعار عند مستوى مرتفع هذا العام".

في فلسطين، فإن معدل الاستهلاك المحلي حوالي 15 ألف طن، يقل في بعض السنوات إلى 13 ألف طن ويرتفع في بعضها إلى 18 ألف طن تبعا للأسعار ومدى تناسبها مع القدرة الشرائية للمواطنين، بينما يتم تصدير نحو 500 طن إلى الأردن وما بين 3 و5 آلاف طن إلى دول الخليج، معظمها هدايا للأقارب وحقوق وأمانات وحصص لأصحاب الأرض من المغتربين، وما بين ألف وألفي طن صادرات تجارية إلى الأسواق العالمية بوساطة شركات، وهي في مجموعها تعادل تقريبا معدل الإنتاج السنوي لفلسطين.

ومع النقص في الأسواق العالمية، قد يكون هناك فرصة أكبر لتصدير الزيت الفلسطيني هذا العام، ما يساعد على بقاء الأسعار عند مستوى مرتفع.

قطاع واعد

وفق تقديرات وزارة الزراعة، يبلغ عدد أشجار الزيتون في فلسطين حوالي 13.2 مليون، منها نحو 10 ملايين شجرة مثمرة، ونحو 3 ملايين شجرة لم تصل بعد إلى مرحلة الإنتاج، وتبلغ المساحة الإجمالية للأراضي المزروعة بالزيتون حوالي 935 ألف دونم، وتتم زراعة حوالي 300 ألف شتلة جديدة سنويا.

فيما يبلغ معدل استهلاك الفرد من زيت الزيتون في فلسطين حوالي 3 لترات فقط (يزيد وينقص تبعا للأسعار).

وقال أبو لبن: هذا أدنى معدل استهلاك بين الدول المنتجة لزيت الزيتون، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الإنتاج بالكاد يغطي الاستهلاك المحلي (وفقا لهذا المعدل المتدني للاستهلاك)، والتصدير إلى الأردن ودول الخليج والأسواق العالمية (أمانات وتجاري)، نلاحظ أن الطلب على زيت الزيتون الفلسطيني مرتفع، ما يعني أن هناك آفاقا كبيرة للتوسع في هذا القطاع".

تحديات

إضافة إلى المخاطر الناجمة عن إجراءات الاحتلال وهجمات المستعمرين، يواجه قطاع الزيتون في فلسطين العديد من التحديات، بعضها مرتبط بعملية الإنتاج، وبعضها مرتبط بالمعاصر، والبعض الآخر مرتبط بالتسويق وتعامل المستهلكين.

فيما يتعلق بالإنتاج، فإن معدل إنتاجية الأشجار في فلسطين متدنية، وهي الأقل بين الدول المنتجة (وزارة الزراعة تقدّر إنتاجية الدونم بنحو 40 كيلوغراما فقط)، ويعزو فياض سبب هذا التدني في الإنتاجية إلى طول عمر الأشجار وتركها دون تشبيب (قص الأغصان القديمة القائمة كليا وإفساح المجال أمام بروز أغصان جديدة)، إضافة إلى نقص العناية بالأشجار بالتقليم السنوي المعتاد بما يبقي داخلها أكثر عرضة للتهوية والشمس، والتسميد الطبيعي (روث الحيوانات).

أما فيما يتعلق بالمعاصر، قال فياض إن الفاقد فيها عالٍ جدا، ويبلغ حوالي 11.6% من الإنتاج، وهذا يعود بنسبة 60% إلى سوء إدارة وتشغيل المعصرة، وبنسبة 40% لقدم أغلبية المعاصر في فلسطين.

أما فيما يتعلق بالتسويق، فإن التحدي يتمثل في ممارسات سيئة لبعض التجار، إذ يعرضون في أسواق خارجية زيتا من بلدان أخرى أقل جودة، باعتبارها زيتا فلسطينيا، وحتى تسويق زيت قديم (من مواسم سابقة) مخزّن بطريقة خاطئة باعتباره زيتا جديدا، ما يسيء إلى سمعة الزيت الفلسطيني.

أما فيما يتعلق بالمستهلكين، فإن التحدي يتمثل في التخزين السيئ، كتخزينه بعبوات بلاستيكية، وتعريضه للشمس والحرارة، وتعبئته بعبوات كبيرة حيث يبقى عرضة للهواء لفترة أطول أثناء الاستخدام، وشراء الزيت من مسوّقين على الطرق بعبوات بلاستيكية شفافة معروضة بالشمس في الشوارع والطرقات.

فترة ذهبية

بين عامي 2010 و2017، عاش قطاع الزيتون فترة ذهبية، لدرجة أن المعاومة (تناوب الحمل بين سنة وأخرى) اختفت، فبقي الإنتاج عند مستوى مرتفع طوال هذه السنوات.

والسبب في ذلك، بحسب فياض، أن هذا القطاع شهد ثورة بدأت في عام 2005، إذ حظي بدعم كبير من الحكومة والمانحين، على صعيد الإرشادات للمزارعين، والمعاصر، والميكنة، والآفات والأمراض، وعبوات التخزين المعدنية غير القابلة للصدأ والأكسدة (ستانلس ستيل)، واستصلاح الأراضي "فكانت ثورة في كل شيء يتعلق بهذا القطاع".

وأضاف: بدأ أثر هذا الدعم والاهتمام بالظهور عام 2010 واستمر حتى 2017، إذ حافظ الانتاج على مستوى مرتفع في كل عام، واختفت المعاومة، لكن هذا انتهى بعد عام 2017، إذ توقف الدعم لهذا القطاع، وعدنا إلى ظاهرة المعاومة، سنة وفيرة (ماسية) وسنة ضعيفة (شلتونية).