رام الله-أخبار المال والأعمال-(صحيفة القدس)- تشهد البنوك الفلسطينية أزمة غير مسبوقة جراء تكدس كميات هائلة من عملة الشيكل الإسرائيلي، وصلت إلى 6٫5 مليار شيكل، بسبب رفض الجانب الإسرائيلي استقبال هذه الأموال.
وحذرت سلطة النقد الفلسطينية قبل أيام، من تداعيات خطيرة ووشيكة ستطال كل جوانب الحياة في حال استمرار الجانب الإسرائيلي في رفض استقبال العملة النقدية من فئة الشيكل المتراكمة في البنوك الفلسطينية.
وأوضحت سلطة النقد أن البنوك العاملة في فلسطين لن تكون قادرة على تمويل عمليات التجارة ودفع أثمان السلع والخدمات للشركات والموردين الإسرائيليين، خلال الأيام القليلة المقبلة، فاستمرار رفض الجانب الإسرائيلي شحن الشيكل يحرم البنوك الفلسطينية من تغذية حساباتها في البنوك المراسلة الإسرائيلية، الأمر الذي سيترك أثراً مباشراً على قدرة القطاعين العام والخاص على تمويل عمليات استيراد السلع والخدمات القادمة من إسرائيل.
ويرى محللون اقتصاديون وأساتذة في الاقتصاد، في أحاديث منفصلة مع صحيفة "القدس"، أن هذا الوضع يأتي كنتيجة مباشرة لاتفاقية باريس الاقتصادية، التي قيدت السلطة الفلسطينية ومنعتها من الاستفادة الكاملة من سيادتها النقدية، مشيرين إلى أن البنوك الفلسطينية تعجز في الوقت ذاته عن تحويل هذه العملة إلى عملات أخرى، ويتفاقم الوضع الاقتصادي في فلسطين، ما يهدد بحدوث أزمات في استيراد البضائع وارتفاع الأسعار، إضافة إلى خسائر كبيرة تتكبدها المؤسسات المالية.
وأوضح خبراء الاقتصاد أن هذه الأزمة لا يمكن حلها عبر حلول تكتيكية فقط، بل تتطلب تدخلات سياسية جادة للضغط على إسرائيل.
وأكدوا أنه مع تزايد تحذيرات المحللين الاقتصاديين من تداعيات خطيرة على كافة مفاصل الاقتصاد الفلسطيني، يظل الوضع مرهوناً بمدى قدرة السلطة الفلسطينية على مواجهة هذا التحدي المستمر منذ عقود.
معاملات الفلسطينيين المالية مع الخارج تمر عبر إسرائيل
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية د. نائل موسى: إن كافة المعاملات المالية للفلسطينيين مع العالم الخارجي تمر عبر إسرائيل، حيث يعتمد الاقتصاد الفلسطيني بشكل كبير على عملة الشيكل في مبيعاته.
وأشار موسى إلى أن اتفاقية باريس تنص على أن البنوك الفلسطينية تقدم الشيكل للجانب الإسرائيلي لتحويله إلى عملات أخرى، وفقًا للسوق الحرة.
وأضاف: لكن في الفترة الأخيرة، فإن كميات الشيكل تزايدت، نتيجة لعمليات التصدير والاستيراد بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، مما أدى إلى تراكم كبير في قيمة هذه العملة داخل البنوك الفلسطينية، وذلك بسبب رفض الجانب الإسرائيلي استلام هذه المبالغ.
واعتبر موسى أن هذه الأزمة نتجت عن اتفاقية باريس، التي لم تأخذ في الحسبان حقوق الفلسطينيين في الاستفادة من عوائد السيادة على طبع العملة، كما أن الفلسطينيين يدفعون الآن ثمن اتفاقية باريس، التي لم تجد أي راعٕ لضمان تنفيذها بشكل عادل.
فائض في الشيكل وشح في العملات الأخرى
وأكد أن التجار والمستوردين الفلسطينيين بحاجة ماسة إلى عملات أخرى لتغطية مشترياتهم من الخارج، لكن تكدس الشيكل يعني أنهم غير قادرين على الحصول على تلك العملات، مما يفاقم الأزمة.
وأشار موسى إلى أن رفض إسرائيل استلام الشيكل أدى إلى نشوء أزمة على مستويين: فائض ضخم من العملة لدى البنوك الفلسطينية، وعدم توفر عملات أخرى لتغطية الاحتياجات التجارية.
وأشار إلى أن المشكلة تكمن في أن الفلسطينيين حصروا أنفسهم في الاعتماد على الاستيراد من الجانب الإسرائيلي والدفع بالشيقل، وكان من الممكن تنويع العملات التي يتعاملون بها لتجنب أي مخاطرة.
وعلى الرغم من الحديث عن إمكانية البحث عن عملة بديلة أو حلول أخرى، يرى موسى أن هذه المحاولات جاءت متأخرة، وأنه كان من الممكن العمل على هذه الحلول منذ نحو 30 عامًا.
وأوضح موسى أن الحلول الحالية لحل أزمة تكدس الشيكل تبدو صعبة التنفيذ في الوقت الراهن، وأن الأصل كان في التعامل مع هذا الوضع منذ سنوات طويلة والبحث عن بدائل تقلل من ارتهان الاقتصاد الفلسطيني لإسرائيل.
تدفق كبير للشيقل من مصادر عدة
بدوره، قال المحرر الاقتصادي جعفر صدقة إن السوق الفلسطينية تشهد تدفقاً كبيراً من الشيكل الإسرائيلي عبر عدة مصادر، منها: إيرادات المقاصة، وتحويلات العمال الفلسطينيين في الداخل التي تصل إلى 13 مليار شيكل سنوياً، بالإضافة إلى إنفاق فلسطينيي الداخل الذين يضخون مبالغ كبيرة في السوق، والصادرات الفلسطينية، وهذه التدفقات الكبيرة من العملة الإسرائيلية تؤدي إلى تراكم كميات ضخمة من الشيكل في الاقتصاد الفلسطيني.
وأشار صدقة إلى أن القانون الدولي يلزم كل بنك مركزي بقبول العملة التي يصدرها، وهذا يشمل إسرائيل، ومع ذلك، فإن البنوك الإسرائيلية تاريخياً منذ 31 عاما، كانت ترفض من حين لآخر قبول الشيكل المتدفق من السوق الفلسطينية، ما يؤدي إلى تكدس العملة، لكن بعد السابع من أكتوبر، تفاقمت هذه الأزمة بشكل كبير حتى تجاوزت قيمة الشيكل المتكدس في السوق الفلسطينية ستة مليارات ونصف المليار شيكل.
صعوبة في استيراد البضائع وارتفاع أسعارها
وأعرب صدقة عن قلقه من أن تكدس هذه الكميات الكبيرة من الشيكل واستمرار الأزمة سيؤديان إلى تعقيدات خطيرة على الاقتصاد الفلسطيني، إذ أن من أبرز هذه التعقيدات هو أن التجار الفلسطينيين سيجدون صعوبة في استيراد البضائع، مما سينعكس على ارتفاع أسعارها.
وأكد أن هذا الوضع لن يؤثر فقط على التجار، بل سيمتد تأثيره إلى المؤسسات المالية والبنوك، التي ستتكبد خسائر كبيرة نظراً لعدم قدرتها على استثمار هذه الأموال، فضلاً عن الكلفة العالية للاحتفاظ بها.
وأشار صدقة إلى أن أزمة تكدس الشيكل تشكل خطراً جسيماً على مفاصل الاقتصاد الفلسطيني، من المؤسسات المالية إلى التجار والمستهلكين.
وحذر صدقة من أن الأمور إذا استمرت على هذا النحو، فإنها قد تتجه نحو التصعيد، خاصة في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة، وتداعياتها التي تنعكس على الضفة الغربية، ومع ذلك، يشير صدقة إلى أن هناك أمل في حل الأزمة إذا ما نجحت المفاوضات السياسية.
وفيما يتعلق بالحلول المحتملة لأزمة تكدس الشيكل، يقترح صدقة البحث في إمكانية استصدار عملة فلسطينية أو ربما الاتفاق مع الأردن على استخدام عملته، لكنه يشدد على أن أي حل يحتاج إلى إرادة سياسية فلسطينية قوية لمواجهة هذه الأزمة.
وسيلة ضغط على الفلسطينيين
أما الخبير المالي والاقتصادي وأستاذ العلوم الاقتصادية، د. سامح العطعوط، فقال إن مشكلة تكدس العملة النقدية من فئة الشيكل ليست بالأمر الجديد، بل هي قضية مستمرة منذ أكثر من سبع سنوات، تستخدمها إسرائيل كوسيلة ضغط على الفلسطينيين، تماماً كما تفعل في قضية أموال المقاصة.
وأوضح العطعوط أن قوانين البنوك المركزية حول العالم تُلزم البنك المركزي الإسرائيلي بقبول العملة من فئة الشيكل، مؤكداً أن الرفض الإسرائيلي لاستقبال هذه العملة يعد انتهاكاً للأعراف الدولية.
وأكد العطعوط أن رفض إسرائيل لاستقبال الشيكل المتراكم يشكل خسائر كبيرة للبنوك الفلسطينية، كما يؤدي إلى مشاكل كبيرة في عمليات الاستيراد، حيث يحتاج المستوردون الفلسطينيون إلى عملات نقدية أخرى غير الشيكل لإتمام صفقاتهم، ولكنهم لا يستطيعون استبدال الشيكل المتراكم بعملات أخرى، مما يتسبب في خسائر كبيرة للتجار والمستوردين، ويشكل عبئاً على الاستثمار في الاقتصاد الفلسطيني.
وأشار إلى أن الشيكل يعتبر العملة الرئيسية في التداولات المالية الفلسطينية، وأن الفلسطينيين غير قادرين على إصدار عملة خاصة بهم نظراً لارتباط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي، وهو ما جاء نتيجة لاتفاقية باريس التي قيدت الفلسطينيين في تعاملاتهم المالية والتجارية.
حلول تكتيكية للتخفيف من المشكلة
وعن الحلول الممكنة للتخلص من أزمة تكدس الشيكل، قال العطعوط إن هناك حلولاً تكتيكية قد تساعد في التخفيف من المشكلة، مثل تعزيز استخدام التعاملات الإلكترونية وتقليل الاعتماد على التداول النقدي، ولكن هذا الحل يتطلب بنية تحتية قوية، وهو أمر ليس سهلاً تنفيذه، ورغم ذلك قد يساهم في تقليل التعامل بالشيقل الإسرائيلي، إلا أنه لن يحل المشكلة من جذورها.
وحذر العطعوط من أن الاقتصاد الفلسطيني قد يتكبد خسائر كبيرة نتيجة لهذه الأزمة المتعلقة بتكدس الشيكل بالبنوك الفلسطينية، لكنه استبعد حدوث انهيار كامل في الاقتصاد الفلسطيني.
وأشار العطعوط إلى أن المجتمع الدولي لن يسمح بحدوث انهيار بالاقتصاد الفلسطيني، نظراً لما قد يسببه من عدم استقرار في الأمن بالمنطقة، ومع ذلك، قد يشهد الاقتصاد الفلسطيني تراجعاً حاداً، لكنه لن يصل إلى مرحلة الانهيار الشامل.
3 مليارات شيكل القدرة الاستيعابية للجهاز المصرفي
من جانبه، أوضح المحلل الاقتصادي د. ثابت أبو الروس أن القدرة الاستيعابية للجهاز المصرفي الفلسطيني تبلغ 3 مليارات شيكل، لكن هناك تضخم والمبلغ المتداول حالياً في السوق الفلسطينية يصل إلى 6٫5 مليار شيكل، مما يضع عبئاً كبيراً على الجهاز المصرفي الفلسطيني، ويترك آثاراَ وتداعيات خطيرة على واقع الاقتصاد الفلسطيني.
وأرجع أبو الروس هذا الوضع إلى التهديدات والقرارات التي يطلقها وزير مالية الاحتلال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، والتي أدت إلى رفض الجهاز المصرفي الإسرائيلي استقبال المزيد من العملة النقدية المتراكمة من الشيكل.
وأوضح أبو الروس أن تكدس العملة يشكل عبئاً مالياً كبيراً على سلطة النقد والجهاز المصرفي الفلسطيني، بسبب التكلفة المرتبطة بتأمين وتخزين هذه الأموال، كما أنه وفقاً لاتفاقية باريس، يمنع إعادة استغلال هذه الأموال في السوق الفلسطينية، مما يؤدي إلى تكدس العملة النقدية بشكل يتجاوز قدرة الجهاز المصرفي الفلسطيني على التخزين.
التوقف عن قبول الشيكل من الجمهور!!
وأضاف أبو الروس : "نتيجة لهذا الوضع، قد تضطر البنوك العاملة في فلسطين إلى التوقف عن قبول الشيكل من الجمهور، ما سيؤثر بشكل مباشر على قدرة الجمهور على تسديد الشيكات، كما ستظهر تداعيات خطيرة على السلطة الفلسطينية التي تستورد من الجانب الإسرائيلي بضائع بقيمة 11.7 مليار شيكل سنوياً، حيث يتم تسديد هذه الصفقات عبر الجهاز المصرفي الفلسطيني إلى الإسرائيلي، وبالتالي، فإن تكدس العملة سيؤدي إلى عجز السلطة عن دفع استحقاقات البضائع، مما يهدد بحدوث مشاكل في سلسلة إمداد البضائع.
ولفت أبو الروس إلى تحذيرات سلطة النقد الفلسطينية من تداعيات خطيرة ووشيكة قد تمس كل جوانب الحياة في حال استمرار الجانب الإسرائيلي في رفض استقبال العملة النقدية المتراكمة من الشيكل في البنوك الفلسطينية، وهي تحذيرات محقة.
الحل يجب أن يكون سياسياً وليس اقتصادياً
وقال: "إذا استمر هذا الوضع، فإن البنوك العاملة في فلسطين لن تكون قادرة على تمويل عمليات التجارة ودفع أثمان السلع والخدمات للشركات والموردين الإسرائيليين، مما سيؤدي إلى تعطيل تمويل عمليات استيراد السلع والخدمات من إسرائيل".
وأشار أبو الروس إلى أنه لا يوجد حل قريب لهذه الأزمة نظراً للقيود المحددة في اتفاقية باريس، والتي تحد من قيمة العملة المتداولة، ومع ذلك، نظراً لحجم التبادل التجاري الكبير، يظل الشيكل العملة الأكثر تداولاً في السوق الفلسطينية.
وخلص أبو الروس إلى القول: "إن الحل يجب أن يكون سياسياً وليس اقتصادياً، مطالباً بإيجاد حلول سياسية للضغط على الاحتلال الإسرائيلي من أجل قبول استقبال العملة النقدية من فئة الشيكل المتراكمة
إعادة مراجعة الاتفاق بين السلطة والبنك المركزي الإسرائيلي
وقال وزير الاقتصاد الوطني السابق، رئيس "سنقرط القابضة" مازن سنقرط لـ "القدس" إن موضوع الاتفاق الثنائي ما بين السلطة الوطنية الفلسطينية والبنك المركزي الإسرائيلي بحاجة لإعادة تقييم ومراجعة، لأنه يتعلق بالحياة اليومية ويمس بكل بالمواطنين والمستثمرين الفلسطينيين.
وأشار إلى أن العملة الأكثر رواجاً في التسوق والمداولات هي الشيكل، بحكم الارتباط القصري ما بين اقتصاد فلسطين والاقتصاد الإسرائيلي، موضحاً أن الأمر يخضع لإسرائيل، فالمالك الرئيسي لهذه الأوراق المالية هو البنك المركزي الإسرائيلي، ولا يجوز بأي حال من الأحوال رفض التعامل معها من البنك المركزي وتعليماته الواضحة للبنوك المراسلة للبنوك الفلسطينية، وعلى رأسها بنك "هبوعليم" وبنك "ديسكونت".
وشدد سنقرط على ضرورة أن تكون هناك سياسات إبداعية ما بين سلطة النقد الفلسطينية والبنوك الفلسطينية، لأن الجميع يعلم حجم المشكلة وأن مبلغ 6 مليارات ونصف شيكل حجم الأموال لدى البنوك تشكل عبئاً ماليا،ً وبدون فائدة مالية كما تدعي البنوك. فلماذا لا تكون هناك سياسة إبداعية تكون من نتائجها سياسة ائتمانية جديدة بالشيكل تمنح للمقترضين بأسعار تفضيلية وأكثر قدرة تنافسية، وبالتالي سيستفيد البنك من الكم الهائل من الشيكل المخزن في البنوك، وسيستفيد المقترض من هذه الأسعار التنافسية، وبهذه الطريقة يمكن أن تدار عجلة الاقتصاد بطريقة مرنة، وأقل تكلفة على المقترضين.
اتفاقية باريس والعلاقات التجارية والنقدية
وتطرق رجا الخالدي مدير عام معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) في حديث لـ "القدس" إلى خلفيات أزمة امتناع إسرائيل عن استقبال فائض الشيكل المتراكم لدى البنوك الفلسطينية. وقال إن أسبابها تعود للترتيبات التي جرى الاتفاق عليها بين إسرائيل ومنظمة التحرير في اتفاقية باريس بشأن العلاقة الاقتصادية بشكل عام، بما في ذلك العلاقات التجارية والنقدية.
وأشار الخالدي إلى أن ما يحدث اليوم يرجع إلى ترتيبات متفق عليها ومعمول بها حالياً منذ حوالي 30 عاماً مشيراً إلى أن شكل الاقتصاد الفلسطيني تغير اليوم عما كان عليه في العام 94 عندما اتفق على مسائل الشحن النقدي وكل ما يتعلق بصلاحيات سلطة النقد الفلسطينية.
وقال: "نحن اليوم أمام اقتصاد تضاعف حجمه بشكل كبير، وبالتالي احتياجاته النقدية تغيرت تماماً مشيراً إلى أن على بنك اسرائيل وحسب الاتفاق أن يستقبل فائض الشيكل، وهو فائض عما تحتاجه السوق الفلسطينية.
ليس من صالح إسرائيل الإضرار بالاقتصاد الفلسطيني
وأضاف: "تم التفاوض على رفع سقف الـ 20 مليار شيكل كل مدة ما بين سلطة النقد الفلسطينية وبين البنك المركزي الإسرائيلي، وجرى الاتفاق على شحن حوالي 20 مليار شيكل سنوياً.
وحول الأعباء الاقتصادية لهذه الأزمة، قال الخالدي: إن هذه الأزمة مختلفة، لأن سلطة النقد حريصة على الاستقرار، وأعلنت بأن حجم المشكلة من شأنه أن يهدد استقرار الاقتصاد الفلسطيني، مؤكداً أن هذه الأزمة من شأنها أن تزعزع ثقة الفلسطينيين والموديعين بالنظام المصرفي الفلسطيني.
وحول إمكانات الحل، قال الخالدي: إذا لم تتطلع إسرائيل إلى الوضع الواقعي والعقلاني باستقبال فائض الشيكل فهي ستتحمل تبعات الاقتصاد الفلسطيني، وبالتالي الاقتصاد الإسرائيلي سيتحمل ذلك، بحيث لن يتمكن المستورد الفلسطيني من تسديد المستحقات للمصدر الإسرائيلي، وسيزيد العمل غير الرسمي والتبادل النقدي أيضا لذا على إسرائيل مراجعة حساباتها لوقف العراقيل التي وضعتها أمام الاقتصاد الفلسطيني.
ومع ذلك استبعد الخالدي أي اجراء من البنك المركزي الإسرائيلي من شأنه أن يزعزع الاستقرار المالي الفلسطيني.
تحديد سقف السيولة النقدية في البنوك الفلسطينية
بدوره، قال الصحفي المختص في الشأن الاقتصادي أيهم أبو غوش لـ "القدس": "بالنسبة لأزمة فائض الشيكل فهي قديمة جديدة، والسبب الأول والأبرز فيها هو بروتوكول باريس الاقتصادي الناظم للعلاقة الاقتصادية بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي والذي حدد سقف السيولة النقدية التي يسمح للبنوك الفلسطينية حيازتها، فيما يحول باقي السيولة المتكدسة إلى البنك المركزي الإسرائيلي باعتباره مصدر هذه العملة.
وأضاف: "لكن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم هذه المسألة كأحد أدوات الضغط على الجانب الفلسطيني بين فينة وأخرى، ويرفض استقبال فائض العملة المتكدسة إلا ضمن سقف مالي ربعي، بمعنى تحديد سقف مالي لاستقبال العملة كل ثلاثة أشهر، ولكن الواقع على الأرض تغير خلال السنوات الأخيرة ما جعل السيولة النقدية المتوفرة في الأسواق الفلسطينية أكبر من السيولة التي ينص عليها بروتوكول باريس".
عدة عوامل وراء تضخم السيولة
وأوضح أبو غوش: "هذه السيولة ناجمة من عدة عوامل، أبرزها أولاً، النمو السكاني الطبيعي، وكون الشيكل العملة الرئيسية في التداول اليومي فهذا يجعلها تنمو بشكل طبيعي نتيجة تداولها من قبل فئات مختلفة، والعامل الثاني هو رفض الجانب الإسرائيلي تعديل بروتوكول باريس لرفع سقف السيولة النقدية التي تحول للبنك المركزي الإسرائيلي. والعامل الثالث، هو وجود فئات مختلفة تضخ الشيكل للأسواق منهم العمال داخل الخط الأخضر، والمتسوقين من فلسطينيي 48 داخل الأسواق الفلسطينية، بالإضافة إلى عامل رابع غير مرئي يتمثل بوجود رجال أعمال خاصة في قطاع المحروقات يرفضون تطبيق عمليات الدفع الإلكتروني، وهذا يثير علامات استفهام كبيرة.
ورأى أبو غوش أن الحل بالنسبة لهذا الموضوع يكمن في أمرين، الأول، هو التوصل إلى اتفاق مع الجانب الإسرائيلي لرفع سقف السيولة النقدية المسموح بتحويلها إلى البنك المركزي الإسرائيلي (وهذا غير متاح حالياً في ظل الظروف السياسية القائمة)، والثاني، تعزيز الخطوات التي تسعى إليها سلطة النقد لتأصيل عمليات الدفع الإلكتروني والزام أصحاب رؤوس الأموال للامتثال لها بموجب قوانين أو أنظمة أو تعليمات.
حصار السلطة وقرصنة المقاصة
وقال المحلل الاقتصادي المقدسي أحمد الصفدي لـ "القدس": "هناك أزمة اقتصادية ومالية كبيرة جداً حالياً في ظل الحصار على السلطة والتضييق على تحويلات المقاصة من الجانب الإسرائيلي للسلطة الفلسطينية.
وأشار إلى وجود مشكلة عند الإسرائيليين تتمثل بتضخم الشيكل مقابل الدولار منذ بداية الحرب، وحاولوا بيع سندات العملة الأجنبية لإنقاذ الشيكل من الانهيار.
وأضاف الصفدي: هناك اتفاقيات ما بين سلطة النقد والسلطة الفلسطينية بتحويل الفائض من الشيكل حوالي 22 مليار شيكل (6 مليارات دولار) تحول سنوياً للجانب الإسرائيلي لأنها تشكل فائضاً عن حاجة السوق الفلسطينية.
وأكد أن عملة الشيكل تضخ أولاً من أموال المقاصة ومن العمال الذين يعملون في إسرائيل حوالي 400 مليون الشيكل و 270 مليون هي أموال المقاصة شهرياً وهذه الأموال تتدفق على السوق والبنوك الفلسطينية مما يزيد من فائض الشيكل.
مبالغ فائضة عن الحاجة
وقال الصفدي إن رفض استقبال الشيكل يؤدي إلى تكدس هذه الأموال في البنوك الفلسطينية كفائض عن الحاجة، وبالتالي عدم قدرة البنوك على ترصيد هذه الأموال لأصحاب المعاملات التجارية ما بين إسرائيل والسلطة، ومن يزود الخدمات والمعاملات التجارية، ويصدرون البضائع من المصدر الإسرائيلي إلى المستورد الفلسطيني لن يستطيع المستورد أن يفي بالتزاماته، وبالتالي تنهار المعاملات، ويصبح هناك نقص في الخدمات والبضائع والمنتجات، وتفقد المصداقية بهذه الطريقة ويفرض الحصار.
وأكد أن الحكومة الإسرائيلية وخاصة وزير المالية سموتريتش يحاول التضييق على البنوك الفلسطينية مشيراً إلى أن ما يحدث خطير ويجب معالجته. هناك طروحات لاستخدام عملة أخرى غير عملة الشيكل، أنا لا أعرف مدى واقعية ذلك. هذا يحتاج لوقت.
سبب المشكلة الترتيبات بين إسرائيل ومنظمة التحرير
أما الكاتب والمحلل السياسي د. محمد هلسة فقال: إن هذه المشكلة مرتبطة بشكل هيكلي بنيوي بالترتيبات التي حصلت عند إقامة السلطة الفلسطينية ما بين إسرائيل ومنظمة التحرير، وتشكل العلاقة الاقتصادية والتجارية والنقدية، والاتفاق على أن فائض النقد من الشيكل يحول للبنك المركزي الإسرائيلي.
واضاف: مع تطور الاقتصاد الفلسطيني وتضخم حجمه لفارق كبير جداً عما كان عليه بداية الاتفاق عام 1994 جرى رفع نسبة قيمة الأموال المحولة كفائض نقد من السوق الفلسطينية إلى البنك الإسرائيلي. على امتداد الفترات الماضية كانت هناك محطات إشكالية جرى تجاوزها.
وأشار هلسة إلى أن الآثار المترتبة على الأزمة تتعلق بالجوانب التجارية والاقتصادية على حياة المواطن الفلسطيني ورغبة إسرائيل في الاضرار بثقة المودع في النظام المصرفي الفلسطيني والقدرة على التبادل التجاري بين المستورد الفلسطيني والمصدّر الإسرائيلي لها أهمية وانعكاسها على مدى استقرار الاقتصاد الفلسطيني.
انعاكاسات المشكلة على إسرائيل نفسها
وتساءل هلسة هل تجري إثارة الموضوع بهدف سياسي وتحديداً من قبل المركزي الإسرائيلي بالتقاطع مع ما يقوم به وزير المالية الإسرائيلي من فرض عقوبات مالية على السلطة من خلال منع تحويل عوائد الضرائب والمقاصة الفلسطينية، وغيرها من الإجراءات المالية؟
وأضاف: "إن كان ذلك فعلاً فهناك علامات استفهام على سلوك البنك المركزي الإسرائيلي، في ظل الظروف السياسية التي نعيشها وحالة الحرب ورغبة إسرائيل في إضعاف السلطة وهز ثقة المواطنين بها. أعتقد أنه في النظرة السياسية يأتي في سياق محاولة المؤسسة الرسمية الإسرائيلية البحث عن أية طريقة في استخدام الأدوات المالية لإلحاق الأذى والإضرار بالسلطة الفلسطينية ومواطنيها.
والسؤال كما قال هلسة: هل تتحمل إسرائيل أيضاً التبعات المترتبة على هذا الأمر؟ مؤكداً أن ما يجري في مناطق الضفة الغربية ينعكس على الدخل الإسرائيلي, ولا أعتقد أن أحداً من الإسرائيليين يتحمل هذه الآثار في ظل ظروف الحرب وانعكاساتها على الاقتصاد الإسرائيلي. لذا من المحتمل أن تجد هذه الأزمة طريقها إلى الحل، لكن مع استعراض إسرائيلي لتحقيق مكاسب سياسية.
المصدر: صحيفة القدس