رام الله-أخبار المال والأعمال- عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، لقاء طاولة مستديرة بعنوان "إشكاليات الخطط الوطنية والتخطيط الفلسطيني في ظل الحرب على غزة"، بمشاركة مجموعة من المختصين وذوي الخبرة والمهتمين، وجاهياً في مقر المعهد في رام الله وعبر تقنية الزووم.
أعد الورقة الخلفية الباحث في المعهد الدكتور رابح مرار، وقدم كل من المهندس مؤيد سويطي مسؤول التخطيط الاستراتيجي في وزارة التخطيط والتعاون الدولي، والدكتور سمير أبو عيشة أستاذ الهندسة المدنية في جامعة النجاح الوطنية، وزين أبو دقة عضو مؤسس ومدير البحوث في Momentum Labs مداخلاتهم وتعقيباتهم على ورقة النقاش.
وأكد مدير عام "ماس" رجا الخالدي أن موضوع هذه الورقة يأتي ضمن أولويات المعهد وهي جزء من مجموعة من الأنشطة التي نفذها المعهد في إطار آثار العدوان الإسرائيلي على الاراضي الفلسطينية، مستذكراً أنه شارك بإعداد أول خطة تنموية فلسطينية تحت إشراف المفكر الفلسطيني الراحل يوسف صايغ مطلع التسعينات وأن الافتراضات والمبادئ التخطيطية التي وضعت حين ذلك هي نفسها التي يجب أن تبقى مستهدفة للمخطط الفلسطيني اليوم وهي وحدة الأرض والمكان والشعب والسيادة الفلسطينية.
وقدم الخالدي شكره لمؤسسة مؤسسة هاينريش بول (فلسطين والأردن) التي دعمت هذا اللقاء وعدد من اللقاءات الأخرى للعام 2024، والتي رغم صعوبة الوضع السياسي الراهن إلا أنها جددت تمويلها لأنشطة المعهد إيماناً منها بأهمية الحوار السياساتي الاقتصادي المفتوح.
وأشار إلى أن المعهد سيعمل على إعداد ورقة سياسات بعد الجلسة ورفع توصياتها للجهات الرسمية المعنية.
بدوره، أوضح الباحث مرار بأن الهدف من الورقة هو تسليط الضوء على واقع التخطيط الاستراتيجي على مستوى الحكومة والقطاع العام في فلسطين، والتحديات التي رافقت عملية التخطيط من خلال تقديم خلفية تاريخية لتطور التخطيط الاستراتيجي ومدة معالجتها لتحديات التنمية في فلسطين في كل مرحلة من المرحل، كما تناقش الورقة توجهات التخطيط الاستراتيجي المستقبلية في ظل الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب والمعقد غير المسبوق نتيجة للحرب التدميرية على فلسطين، وتقدم الورقة تساؤلات حول قدرة الخطط الاستراتيجية القائمة على الاستجابة للواقع الحالي الذي يشهد تدهور كبير في كافة المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية؟ وهل هناك ضرورة في إعادة النظر في أي عملية تخطيط مستقبلية في التخطيط الاستراتيجي الحكومي الذي يتم التعامل مع الضفة الغربية وقطاع غزة كوحدة واحدة؟.
التحديات المرتبطة بتنفيذ الخطط الاستراتيجية العامة في فلسطين
ذكر الباحث أن الواقع يشير إلى ان عملية تنفيذ الخطط الاستراتيجية تتسم بالبطء الشديد ولا يتم الاعتماد عليها بشكل كبير في توجهات عمل الوزارات والمؤسسات الحكومية ولا تخضع لمراقبة وتقييم منهجي، فمراجعة سريعة لبعض الخطط القطاعية وغير القطاعية خلال العقد الأخير تبين أن هناك تكرار للأهداف والسياسات لنفس الخطة القطاعية في مراحل زمنية مختلفة، أي انه يتم ترحيل الهدف الاستراتيجي او السياسة من خطة الى أخرى، مع تغيير بسيط في بعض المسميات.
وبين الباحث أن الاحتلال الإسرائيلي وما يخلقه من أزمات وتحديات، وعدم واقعية الخطط من ناحية مواءمتها للموارد المالية المتاحة تحول دون تنفيذ الخطط الاستراتيجية، أضف إلى ذلك التحديات على المستوى الإداري والمؤسسي، فهناك خلل في منظومة الإدارة العامة والخدمة المدنية وفي هيكلة الأعمال الحكومية، كما أن هناك أوجه ضعف في نظام الإيرادات والانفاق الحكومي، وفي نظام التحويلات الطبية والتأمين الصحي، وفي معالجة صافي الإقراض، وفي إدارة قطاعي المياه والكهرباء.
أما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فبيئة أعمال طاردة تنقصها التكاملية وبناء الشراكة مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، وغياب نظام الضمان الاجتماعي، وضعف شبكة الأمان الاجتماعي للفقراء والمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة، وفجوات في قطاع التعليم العام والعالي بما يشمل التعليم المهني والتقني، وضعف في بيئة الريادة والابداع، وانتشار الانطباعات السلبية بين المواطنين حول القضايا المجتمعية بما فيها الفساد.
أما فيما يتعلق بالمستوى المكاني، قال الباحث إن تجزئـة الحكومـة والدولـة الفلسـطينية أدت إلـى تفـاوت فـي الوصـول إلـى الفـرص والخدمـات تبعـاً للمـكان الـذي يعيش فيـه الفرد في فلسـطين.
وأضاف الباحث أن أحد التحديات الأخرى المهمة هو الاعتماد المفرط وغير المدروس على الدعم الدولي واموال المانحين والتحديات المتعلقة بالحوكمة.
ما هو المطلوب؟
بين الباحث أن ما تم البناء عليه من برامج حكومية وخطط تنموية عريضة في تطوير الاستراتيجيات للأعوام 2024-2029، أصبح غير منطقي في ظل التحديات غير المسبوقة التي افرزتها الحرب، وفي ظل الحاجة الى خطة تنمية وطنية شاملة من ناحية الأهداف والجغرافيا.
وبين أن المطلوب في هذه المرحلة، هو وضع خطة تنمية وطنية شاملة تدمج جميع مناطق فلسطين (القطاع، الضفة والقدس) كوحدة واحدة، رغم اختلاف الظروف والسياقات في كل منها، مع تحديد أهداف واقعية ومشتركة تأخذ بعين الاعتبار التحديات الحالية والخطر الوجودي الذي يواجه الفلسطينيين، كذلك على مستوى الوزارات، فمن الضروري إعادة صياغة أهدافها الاستراتيجية وبرامجها ضمن خطة التنمية الوطنية الشاملة، وان يتم بناء اهداف استراتيجية واقعية يجمع كل منها بين 3-4 من الوزارات والاستراتيجيات القطاعية.
وبين الباحث أن من شأن إعادة هيكلة المخطط التنموي الوطني الحد من التكرار، وحشد الموارد والكفاءة التنفيذية في أحوال حربية صعبة، بحيث تهدف في الدرجة الأولى الى الحد من التدهور الحاصل في كافة المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، والحفاظ على حياة المواطنين، وتوفير الاحتياجات الأساسية لهم، ومن ثم وبشكل موازي وتكاملي، يمكن خلق برامج إعادة الاعمار في قطاع غزة، تستجيب للقضايا الاستراتيجية التي افرزتها الحرب، وأضاف يجب أن لا نغفل ضرورة تعزيز التنسيق بين مختلف المؤسسات العامة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، والجهات المانحة العربية والدولية. فما افرزته الحرب من تحديات اقتصادية واجتماعية لا يمكن للحكومة الفلسطينية مواجهتها والتصدي لها بالإمكانات المتاحة، حتى لو تم تحويل 100% من أموال المقاصة.
وفي تعقيبه على الموضوع، أشار سويطي إلى أن وجود الاحتلال وما يفرضه من إجراءات وضعف التواصل ما بين أصحاب القرار وذوي العلاقة في هذا القطاع يؤدي إلى عدم تنفيذ الأهداف الاستراتيجية.
وذكر أن الحكومة بدأت على تحديث الخطط نتيجة الحرب، وأن الإطار العام لإعادة تحديث هذه الاستراتيجيات هو برنامج الحكومة لإعادة إعمار قطاع غزة.
وبين أن عملية الإصلاح التي تسعى الحكومة اليها هي مستمر ولا تتم في فترة قصيرة، ودعا إلى توحيد طرفي الوطن بحيث تشمل عملية التوحيد على مستوى المؤسسات في المحافظات الشمالية والجنوبية، غير ذلك سيكون هناك فجوة كبيرة.
بدوره قال أبو عيشة أنه لا بد من القول بأن الخطط التي تم اعدادها من البداية هي عبارة عن مكونات، وهذه المكونات بعضها يحقق النجاح والبعض الاخر لم يحقق لأسباب موضوعية أو ربما كان لأسباب ذاتية.
وذكر أن التخطيط الوطني المكاني الشامل يجيب أن يكون هو الأساس.
فيما أشار أبو دقة في مداخلته إلى ثلاثة أمور يجب التركيز عليها، تتعلق الأولى بوضوح الأهداف الاستراتيجية، وموافقة الناس عليها وضرورة المشاركة في إعدادها من قبل الجميع، وأن يكون هناك عدد قليل من الأهداف الواضحة، أما الثانية مرتبطة بضرورة تفعيل العملية التشريعية، وأخيراً السيطرة على الريع الاقتصادي في حال كانت الحكومة لديها سيطرة كاملة على مواردها.
وأجمع الحضور على أهمية الموضوع، وأكدوا ضرورة أن يتم دراسة هذا الموضوع بتمعن، وأنه موضوع استراتيجي يجب الاهتمام به، وهذا يتطلب أن تقوم الجهات الفلسطينية بأخذ زمام المبادرة، ويجب أن يتم عمل خطط قصيرة المدى وطارئة تتناسب مع الأوضاع الراهنة.
يذكر أن المعهد سيصدر خلال الأيام المقبلة ورقة سياسات حول التوصيات الواردة في الورقة الخلفية والجلسة وطرق متابعة هذا الملف الحيوي.