تل أبيب-أخبار المال والأعمال- بدت البنوك الإسرائيلية وشركات بطاقات الائتمان بحالة إرباك في ظل الحديث المستمر عن إمكانية اندلاع حرب شاملة مع حزب الله على الجبهة الشمالية مع لبنان. ومع دخول الحرب على غزة شهرها التاسع، ألزم بنك إسرائيل المركزي هذه المؤسسات أن تكون مستعدة لسيناريو مستقبل قاتم لاقتصاد إسرائيل.
ولمنع تقويض الجبهة الاقتصادية الداخلية وتجنب انهيارها في حال اندلاع حرب شاملة، طلبت هيئة الرقابة على البنوك في "المركزي" من الجهات المالية بالبنوك وشركات بطاقات الائتمان الرد على "سيناريو متطرف" أعدته لغرض إجراء "اختبارات قاسية" تحت الضغوطات، ضمن حالات الطوارئ التي يجريها "المركزي" للعام 12 على التوالي.
ويتضمن سيناريو هذا العام اندلاع حرب متعددة الجبهات، وحالة عزلة ومقاطعة دولية، كما لا يستبعد حربا شاملة ضد حماس في غزة، وحزب الله في الشمال، وإيران، وحتى الفلسطينيين في الضفة الغربية.
وتتحضر البنوك وشركات الائتمان عبر خطط لتوفير السيولة النقدية بأجهزة الصراف الآلي في مختلف أنحاء إسرائيل، وتأجيل دفعات القروض ومن ضمنها قروض الإسكان، وإعادة جدولة هذه القروض والأقساط الشهرية التي يدفعها العملاء عبر بطاقات الائتمان وترحيل الدفعات.
وبحسب البيانات التي نشرها بنك إسرائيل منذ بداية الحرب على غزة فقد تم تأجيل ما مجموعه 390 ألف قرض، بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 8.2 مليارات شيقل (2.2 مليار دولار). وبلغت المبالغ المؤجلة بين الأسر حوالي 40%، بينما كان الباقي في قطاع الأعمال. كما أن 73% من القروض التي تم تأجيلها قد عادت بالفعل إلى السداد المنتظم بالبنوك وشركات الائتمان، وهذا يمثل 66% من إجمالي المبلغ الذي تم تأجيله.
توقع الأسوأ
وفي أول السيناريوهات المتوقعة لكيفية تعامل النظام المصرفي الإسرائيلي، وتداعيات الحرب المتوقعة على السوق الداخلي وأنماط استهلاك السكان، نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة يديعوت أحرونوت نتائج استطلاع أجراه معهد ميدغام لصالح بنك هبوعليم (العمال) سعى إلى تحديد التحديات والاتجاهات والسلوك المالي للإسرائيليين فترة الحرب.
واستعرض نتائج الاستطلاع كل من البروفيسور تسفيكا إيكشتاين رئيس معهد "أهرون" للسياسة الاقتصادية بجامعة رايخمان في هرتسليا، ورنين موردي مديرة مركز النمو المالي في بنك هبوعليم. وحاولا الإجابة عن سؤال "السيناريو المتطرف" والاختبار الضاغط لبنك إسرائيل، وهو كيف يمكن للإسرائيليين مواجهة الواقع والانتصار بالحرب الاقتصادية؟
وفي محاولة للإجابة عن هذا السؤال، أوضحت موردي أن فترات الأزمات والحروب تشكل تحديا اقتصاديا، لأنها تزيد من حالة عدم اليقين لدى المستهلكين والعملاء، قائلة إنه "في مثل هذه الأوقات، لا يتخذ الناس قرارات مالية طويلة الأجل".
وتعكس بيانات الاستطلاع بشكل جيد الحالة الذهنية للإسرائيليين هذه الأيام، حيث تقول موردي إنها ترى أن الإسرائيليين يحاولون خلال هذه الفترة تقليل نفقاتهم و"هناك انخفاض حاد في الإنفاق على الترفيه والتسلية التي تعتبر من الكماليات، ويستثمر الإسرائيليون أكثر في الغذاء وكل ما يتعلق بالمنزل".
وأوضحت أن الاستطلاع يُظهر أن 49% من الإسرائيليين يشعرون أن الحرب غيرت شعورهم المتعلق بأمان مستقبلهم المالي بشكل سلبي، بينما أفاد 45% من المشاركين أن ما يجعلهم يشعرون بالأمان المالي هو مدخراتهم.
ويقول البروفيسور إيكشتاين إن التصعيد بالقطاع الشمالي واندلاع حرب شاملة مع لبنان يمكن أن يؤديا إلى أزمة اقتصادية أكبر، فبحسب تقديرات المسؤولين العسكريين فإن الحرب ستستمر شهرين، أي أن الناتج المحلي الإجمالي سينخفض بنسبة 2.5%، وسيقفز الدين إلى 12%، كما سيكون هناك انخفاض في ائتمان التصنيف وزيادة إضافية بأسعار الفائدة.
ترقب مع خوف
وبالعودة إلى "السيناريو المتطرف" يقول أدريان بيلوت محلل الشؤون الاقتصادية بصحيفة كلكليست إن البنوك الإسرائيلية وشركات الائتمان المحلية تتحضر لإمكانية تراجع التصنيف الائتماني للحكومة بمقدار 3 نقاط دفعة واحدة.
وأشار إلى أن النظام المصرفي الإسرائيلي يتحضر لتوقعات زيادة حادة بأسعار الفائدة من قبل اللجنة النقدية في البنك المركزي، بالإضافة لقفزة حادة في علاوة المخاطرة التي تنعكس في التآكل السريع للأصول المالية العامة، بما في ذلك الأسهم وسندات الشركات.
وبناء على شرح موقع بنك إسرائيل، يقول بيلوت إن الغرض من التحضر لهذا السيناريو هو "المساهمة في فهم مراكز المخاطر التي يتعرض لها النظام المصرفي، وكل بنك من البنوك الإسرائيلية، والخدمات التي تقدم للعملاء زمن الحرب والطوارئ".
ويعتقد أن مثل هذا الاختبار الضاغط للبنوك وشركات الائتمان يهدف إلى المساعدة في تقييم متانة النظام المصرفي الإسرائيلي، لضمان وجود مستوى كاف من رأس المال والسيولة بالأسواق، رغم التحديات والمخاطر في ظل حرب الاستنزاف على جبهة غزة، واحتمال اندلاع حرب شاملة.
وكما هو الحال كل عام، وبعد أن تتلقى هيئة الرقابة على البنوك ردود فعل وتقديرات البنوك وشركات الائتمان للتعامل مع المخاطر والتهديدات بظل الحرب "سيقوم بنك إسرائيل بصياغة ونشر نتائج اختبار التحمل والضغط، ومن المتوقع أن تظهر النتائج في الأسابيع المقبلة فقط" وفق ما يقول المحلل.
وقال بيلوت "حتى الآن، كانت نتائج الاختبارات المتطرفة هي نفسها تماما، وقد يؤدي تحقق الحدث المتطرف إلى خسائر في النظام المصرفي والأسواق بشكل أثقل أو أقل أحيانا، لكنه لا يضر باستقرار النظام بأكمله" واعتبر أن النظام المالي والمصرفي الإسرائيلي مستقر، لكنه سيواجه لأول مرة سيناريو حرب شاملة ومتعددة الجبهات.
تأجيل القروض
واستباقا لتحقق "السيناريو المتطرف" سارع المركزي الإسرائيلي هذا الأسبوع وللمرة الرابعة منذ الحرب على غزة إلى نشر مخطط تمديد جدول المساعدات المالية، وتأجيل دفعات قروض الإسكان والائتمان لمدة 3 أشهر أخرى.
وأشار المراقب على البنوك دانييل ححياشفيلي عند نشره المخطط إلى أن "الوضع الأمني في إسرائيل لا يزال معقدا" معللا بذلك قرار تمديد المخطط الشامل الذي اعتمدته البنوك للمرة الرابعة، من أجل الاستمرار في تقديم تسهيلات التدفق التي ستساعد السكان على العودة إلى روتين الدفع المنتظم، مع إجراء التعديلات اللازمة، كما تظهر البيانات ومعطيات السوق والواقع الميداني للاقتصاد".
ولفت إلى أن الجزء الرئيسي من المخطط الذي تعتمده البنوك وشركات الائتمان يشير إلى إمكانية تأجيل سداد جميع القروض والرهون العقارية والائتمان الاستهلاكي والائتمان التجاري، لعملاء البنوك وشركات بطاقات الائتمان.
ويقول المراقب على البنوك لصحيفة غلوبس الاقتصادية إن هذا الاحتمال ينطبق أيضا على ضحايا الحرب المباشرين، بما في ذلك سكان مستوطنات "غلاف غزة" وسكان البلدات الحدودية بالشمال، الذين يحصلون على تأجيل الدفعات والقروض مجانا، ولبقية عملاء البنوك سيكون تأجيل الدفعات والقروض منوطا بدفع ضرائب ورسوم.
أزمة اقتصادية تاريخية
ورغم خطط تجنب تقويض النظام المصرفي وتوفير السيولة بالأسواق والحفاظ على اقتصاد الجبهة الداخلية خلال الحرب الشاملة، فإن هناك من يتوقع صورة قائمة للسوق والاقتصاد الإسرائيلي، حيث يقول محرر صحيفة دي ماركر الاقتصادية إيتان أفريال إن "وقوع حرب شاملة مع حزب الله لمدة شهر ستتسبب بشلل شبه تام للاقتصاد الإسرائيلي".
ويوضح أفريال أنه على عكس جميع التوقعات الأخرى، فإن الحرب الشاملة لم تعد تتعلق بأرقام وبيانات تشير إلى تباطؤ النمو أو الركود أو عام اقتصادي ضائع، بل بدمار الاقتصاد.
ولفت إلى أن وقوع حرب متعددة الجبهات مع لبنان وغزة ستؤدي إلى قفزة عالية في عدد القتلى والجرحى، ويحقق أزمة اقتصادية تاريخية بإسرائيل، مع تراجع في الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع كل مكون ومؤشر اقتصادي، وانخفاض مستوى المعيشة العام للإسرائيليين، بالإضافة إلى الانخفاض الكبير في معدلات التشغيل وارتفاع معدلات البطالة.
ويختم بقوله إن إسرائيل ستعاني أيضا من ضرر شديد بالحصانة الداخلية، مع تراجع كبير بالشعور بالأمن الشخصي، وتدمير هائل للبنية التحتية، والمساس بالمكانة الدولية واتساع العزلة والمقاطعة لإسرائيل، مع وجود حكومة متطرفة تفتقر للقدرات التنفيذية لإعادة الوضع لما كان عليه قبل الحرب.
المصدر: الجزيرة