غزة-أخبار المال والأعمال- قضت الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر على عشرات المبرمجين وخبراء تكنولوجيا المعلومات، بصورة تشي بأن هناك استهدافاً مباشراً لهم وفق ما أكدت مؤسسات حقوقية.
فقد استشهد مهندس البرمجة البارز هيثم محمد النباهين، الذي كان يعد من أمهر الخبراء في مجاله في القطاع، مع زوجته المهندسة نسمة زهير صادق في قصف إسرائيلي استهدف منزلا كانوا نزحوا إليه في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة في 14 آذار الجاري.
وقال أحد أقارب "النباهين" في إفادة للمرصد الأورومتوسطي، إنه كان نزح مع عائلته إلى رفح أقصى جنوب قطاع غزة، لكنهم تعرضوا إلى قصف إسرائيلي أدى في حينه إلى استشهاد طفليه "محمد" و"ليان" وإصابة زوجته بجروح، ما دفعهم إلى النزوح مجددا إلى مخيم "البريج" ليستهدفهما الجيش الإسرائيلي مجددا ويقتلهما بعد نحو أسبوعين.
وأضاف أن "النباهين" كان بانتظار صدور اسمه في كشوفات التنسيق للراغبين بالسفر إلى خارج قطاع غزة بغرض النجاة بنفسه وعلاج زوجته من إصابتها، وقد دفع رسوما مالية كبيرة مقابل ذلك، لكن الاستهداف الإسرائيلي لهما كان أسرع ليلحقا بطفليهما الشهيدين.
وفي 31 تشرين الأول، قتل الجيش الإسرائيلي طارق ثابت، مدير برامج حاضنة "يوكاس" االتكنولوجية التابعة للكلية الجامعية في قطاع غزة، وخريج برنامج زمالة (Hubert H. Humphrey) الأميركي، من خلال قصف استهدف منزله، ما أدى إلى استشهاده وزوجته وأبنائه ووالديه وعدد من أفراد عائلته.
واستشهد في قصف إسرائيلي مماثل في 21 تشرين الثاني الماضي، مهندس البرمجيات براء عبد الله السقا المتخصص في برمجة المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهاتف الذكي.
وكان "السقا" يعد من أشهر المبرمجين الشباب في غزة، وحصل على شهادات وجوائز تقديرا لجهوده في تدريب العديد من الموظفين الجدد في المجتمع التقني، فضلا عن أنه طالب في برنامج الماجستير في مجال هندسة الحاسوب باختصاص الذكاء الصناعي. وكان "السقا" استشهد في استهداف لمنزله بشكل مباشر ودون سابق إنذار في مدينة غزة، مع زوجته الحامل بطفلهما الأول، وعائلة زوجته.
وتضم القائمة كذلك محمد العطل الذي استشهد في 26 تشرين الأول، وحمزة الشامي في 2 تشرين الثاني، وكلا من عبيدة خاطر في 20 كانون الأول، وأنس الشيخ في 9 من الشهر نفسه، وعبد الرحمن حمادة في 15 آذار الجاري، إضافة إلى مجموعة أخرى من المبرمجين الشباب، بينهم رامي السوسي وعبد الحميد الفيومي وبلال زقوت، وأحمد نضال قدورة والمهندس محمد حسونة وغيرهم.
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن الجيش الإسرائيلي استهدف بشكل منهجي عشرات المبرمجين وخبراء تكنولوجيا المعلومات والعاملين في هذا القطاع، إلى جانب تدمير مقار شركاتهم، في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي ينفذها في قطاع غزة.
وأبرز المرصد في بيان استهداف الجيش الإسرائيلي وقتل أصحاب العقول والخبرات، لا سيما ذوي الكفاءة في مجال تكنولوجيا المعلومات والبرمجة وهندسة الحاسوب.
ووثق الأورومتوسطي قائمة شملت خبراء تكنولوجيا المعلومات، بمن في ذلك مختصون في البرمجة والذكاء الاصطناعي.
في الوقت نفسه، شن الجيش الإسرائيلي هجمات مباشرة استهدفت مقار الشركات الناشئة والمتخصصة في تكنولوجيا المعلومات والشركات التشاركية في قطاع غزة، في إطار ما وثقه المرصد من دمار واسع النطاق لحق بالقطاع التكنولوجي واستنزاف للبنى التحتية ذات العلاقة به.
وقال الأورومتوسطي، إن القطاع التكنولوجي في قطاع غزة تعرض إلى أضرار فادحة دمرت البنية التحتية والمنشآت وتسببت بفقدان العاملين في القطاع أعمالهم بفعل تدمير مقار الشركات التقنية والاتصالات، ما قوض القدرة على استمرار العمل والابتكار في هذا القطاع الحيوي الذي يعتبر أساسا ومُمكنا لكل القطاعات الاقتصادية والتحول الرقمي.
وأوضح أن قطاع غزة كان يضم قبل بدء الهجمات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة نحو 65 شركة تعمل في مجالات تكنولوجية متعددة، كالبرمجيات والمعدات التقنية والاستشارات والتدريب التقني والاتصالات وغيرها من المجالات الفرعية، وتوفر فرص عمل لآلاف الشبان والخريجين المتخصصين في هذا المجال.
وذكر الأورومتوسطي أن التقديرات الأولية تفيد بتدمير وتضرر مقار شركات البرمجة وتكنولوجيا المعلومات وخروج 6 حاضنات أعمال عن الخدمة في القطاع وجميع المراكز التكنولوجية، ومنها تلك التي تضمها جامعات قطاع غزة، نتيجة التدمير الكلي أو الجزئي للبنية التحتية.
وشدد على أن الجرائم التي تنتهجها إسرائيل من استهداف وقتل الكفاءات والنخب وتدمير واسع النطاق والمتعمد ضد الشركات والبنية التحتية من شأنها عرقلة تطور المجتمع في قطاع غزة بشكل عام، وتقويض منظومته العلمية والتعليمية والاقتصادية، وحرمان قطاعاته الحيوية من الكوادر المتخصصة والمميزة التي يصعب تعويضها على المدى القريب، إلى جانب خلق حالة من الذعر والإكراه لدى باقي الكفاءات، ما قد يدفعهم إلى الهجرة.
ورأى أن تلك الجرائم تأتي تنفيذا للسياسات الإسرائيلية العلنية والداعية إلى جعل قطاع غزة مكانا غير قابل للحياة والسكن، من خلال تصفية الكفاءات وتدمير مقومات وبنى الحياة الأساسية، ما يهدد بخلق مجتمع مشلول غير قادر على التطور والبناء، أو التعافي السريع من الآثار المدمرة للجرائم الخطيرة التي ارتكبتها إسرائيل خلال تلك المدة.