ودائع المواطنين وأموال المساهمين "في الحفظ والصون"
رام الله-أخبار المال والأعمال- في ظل الأزمات والحروب تتزايد الشائعات والمعلومات والمعطيات المضللة في المجتمع، ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج الذكاء الاصطناعي، ازدادت صعوبة محاربة الشائعة والمعلومة المضللة، رغم المحاذير المشددة التي تضعها غالبية تلك المواقع على نشر المحتوى.
وفي فلسطين، التي يعيش شعبها تحت احتلال طويل الأمد، تطال تداعياته مفاصل الحياة اليومية ومختلف النواحي الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية، فإن نشر الشائعات والمعلومات المضللة يعد جريمة تستهدف ضرب المجتمع وصموده ونضاله من أجل التحرر والاستقلال.
ومنذ بدء العدوان الأخير على قطاع غزة، وحرب الإبادة التي طالت البشر والحجر، وما خلفته من كارثة إنسانية غير مسبوقة، وبالتزامن مع تصعيد الاحتلال لاقتحاماته وحصاره لمحافظات الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، وتداعيات ذلك على الدورة الاقتصادية، تصاعدت الشائعات والأخبار المضللة التي يتداولها البعض، عن قصد أو دون قصد، ومن ضمنها شائعات حول الجهاز المصرفي الفلسطيني.
وفي عدد من الحالات القليلة التي تم رصدها ومتابعتها من سلطة النقد الفلسطينية، حاول عدد من موظفي البنوك، الترويج للخدمات المصرفية التي يقدمها البنك من أجل استقطاب الودائع بشكل يخالف مبادئ المنافسة العادلة، وذلك من خلال نشر شائعات مغرضة تتعلق بقدرة بنك آخر على الوفاء بالتزاماته واستمرارية عملياته ومتانته المالية.
ودفع ذلك سلطة النقد إلى إصدار تعميم على مختلف البنوك، المحلية والوافدة، العاملة في السوق الفلسطينية، أكدت فيه أن استخدام أدوات وأساليب غير مهنية في التنافس من قبل المؤسسات المالية والعاملين فيها يعتبر تصرفا غير مقبول ويؤدي إلى تهديد الاستقرار المالي والاقتصادي في دولة فلسطين.
وأكدت سلطة النقد أن هذه الممارسات الخطيرة تتطلب مجموعة من الإجراءات الفورية للحد من تداعياتها على الجهاز المصرفي والاقتصاد الفلسطيني، وللحفاظ على نظام مالي مستقر، متين، ومبني على أساس التنافس السوقي المهني المنضبط.
وطالبت البنوك باتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة لمنع ممارسات المنافسة غير العادلة وغير المشروعة بكافة أشكالها وصورها، والتعميم على العاملين في البنك بتوخي الحذر أثناء الترويج للمنتجات المصرفية والابتعاد عن المنافسة غير المشروعة والسلبية وتوعيتهم بنتائج ذلك، وإعداد واعتماد وثيقة داخلية تجرم بموجبها اتباع العاملين وسائل المنافسة غير العادلة أو الترويج لإشاعات قد تهدد الاستقرار المالي وتؤثر على سمعة وثقة الجمهور في البنوك وتؤدي إلى سلوك نظامي سلبي، وتضمين نظام شؤون الموظفين لدى البنوك عقوبة إنهاء الخدمات في حال قيام الموظف بهذا السلوك وفقا لأحكام القانون.
وتؤكد المعطيات والتقارير الدورية التي تصدرها سلطة النقد الفلسطينية على سلامة الجهاز المصرفي الفلسطيني ومتانته، حتى في ظل العدوان الحالي على شعبنا في الضفة والقطاع، والمتواصل منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وخلال العدوان الحالي، نفذت سلطة النقد فحوصات واختبارات ضاغطة لفحص قدرة الجهاز المصرفي على تحمل سيناريوهات مختلفة تتمثل في تعثر جزء من محفظة الائتمان نتيجة لتداعيات العدوان على القطاعات الاقتصادية المختلفة، وشملت هذه الاختبارات سيناريوهات تحاكي تعرض بعض القطاعات الاقتصادية لصدمة أو صدمات متتالية بسبب تراجع الدورة الاقتصادية.
وتم قياس أثر ذلك على المؤشرات المالية للجهاز المصرفي بما يشمل مؤشرات كفاية رأس المال، إذ سارعت سلطة النقد ومنذ اندلاع العدوان إلى الطلب من البنوك تكوين مخصصات أولية لمواجهة المخاطر المختلفة وعكس ذلك على البيانات المالية في تاريخ 30/09/2023.
وأظهرت النتائج قدرة الجهاز المصرفي في الحفاظ على نسبة كفاية رأسمال ومستويات سيولة تتوافق مع المتطلبات التنظيمية المُقرة بموجب التعليمات والممارسات الفضلى.
وتعتبر مستويات رأس المال والسيولة المقبولة من أهم المؤشرات الدالة على السلامة المالية، وعليه أكدت سلطة النقد على سلامة الجهاز المصرفي الفلسطيني ومتانته المالية، وأنها ستستمر في اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للمحافظة على الاستقرار المالي وتشجيع النمو الاقتصادي في ظل هذه الظروف بالغة الصعوبة.
وساهمت إجراءات سلطة النقد خلال السنوات الماضية التي تم من خلالها تعزيز التكوين الرأسمالي للبنوك وتحسين جودة إدارة المخاطر، في تحسين قدرة المصارف على امتصاص أية خسائر محتملة ومواجهة السيناريوهات والصدمات المختلفة.
وتبلغ المتطلبات التنظيمية المطبقة من سلطة النقد والمتعلقة بنسبة كفاية رأس المال 13.5% كحد أدنى، وهي أعلى من الحد المقرر من قبل لجنة بازل للرقابة المصرفية والبالغ 10.5%.
ويرى المراقبون أن الجهاز المصرفي الفلسطيني استطاع تجاوز العديد من الصدمات في السابق منذ تأسيس سلطة النقد عام 1994، من ضمنها الانتفاضة الثانية والاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية، والحروب المتتالية على قطاع غزة، وجائحة "كورونا"، والأزمات المالية المتعاقبة للسلطة الوطنية الفلسطينية، وغيرها.
وبات الجهاز المصرفي يمتلك الخبرة والكفاءة العالية للتعاطي مع هذه الصدمات، انطلاقا من التزامه بأعلى المعايير الدولية، بالإضافة إلى الرقابة والإجراءات المحكمة وسياسة التحوط التي تفرضها سلطة النقد، لضمان الاستقرار المالي والاقتصادي، وعلى رأس ذلك حماية ودائع المواطنين وأموال المساهمين.
وإذا أردنا أن نضرب مثلا على قوة ومناعة الجهاز المصرفي، يبرز بنك فلسطين الذي يقدم خدماته للشعب الفلسطيني دون انقطاع منذ عام 1960، حتى في أحلك الظروف التي مرت على فلسطين، ومن بينها العدوان الحالي على غزة، حيث تبذل كوادر البنك جهودا جبارة رغم المخاطر العالية، لتوفير الخدمات المصرفية الطارئة للمواطنين في غزة وتشغيل وتغذية الصرافات الآلية وفتح فرع رفح.
وانطلاقا من قوته ومتانته، لعب الجهاز المصرفي دورا مهما في مساندة السلطة الفلسطينية لتجاوز أزماتها المالية، عبر إقراض الحكومة للوفاء بالتزاماتها، حتى في ظل الظروف الصعبة كالتي نعيشها حاليا، حيث تم مؤخرًا منح قرض مجمّع من عدة بنوك للحكومة الفلسطينية لتتمكن من سداد رواتب موظفي القطاع العام وبعض التزاماتها تجاه الموردين. كما لعب الجهاز المصرفي دورا كبيرا في دعم الاقتصاد الفلسطيني عبر التسهيلات المصرفية للمنشآت الاقتصادية، خاصة المنشآت المتوسطة والصغيرة التي تتأثر بالظروف الجيوسياسية بشكل أكبر.
بالإضافة إلى ذلك، كان لمساهمات القطاع المصرفي الفلسطيني المجتمعية، أثرا بالغ الأهمية في تنفيذ العديد من البرامج التنموية والإغاثية أسهمت وتسهم في تعزيز صمود شعبنا على أرض وطنه.
وفي ظل الظروف الراهنة، فإن احتفاظ المواطنين بأموالهم في البنوك، والاعتماد على وسائل الدفع الإلكتروني، يعد أكثر أمنًا لهم من الاحتفاظ بأموال كبيرة في المنازل والخزنات. وبالتالي، فإن الظروف الأمنية الصعبة التي يخلقها الاحتلال باقتحاماته المتكررة للمدن والقرى والمخيمات، ومداهمة منازل المواطنين وتفتيشها والعبث بمحتوياتها، يجب أن تدفع المواطنين الذين لا يتعاملون مع البنوك إلى فتح حسابات وإدخار أموالهم فيها والاعتماد على وسائل الدفع الإلكتروني في شراء احتياجاتهم وسداد فواتيرهم والتزاماتهم.