اعتراضات واسعة على فرض بند ثابت بـ 42 شيكلاً على فاتورة المياه
رام الله- (يوسف الشايب-صحيفة الأيام)- أثار بند "المبلغ المقطوع" وقيمته 42 شيكلاً على فواتير المياه الصادرة عن مصلحة مياه محافظة القدس وثلاثين جهة أخرى مزوّدة للمياه، في الفاتورة الأولى للعام 2024، غضباً كبيراً لدى الكثيرين الذين استهجنوا تزامن إضافة هذا المبلغ دون إيضاح ماهية فرضه، ومبرّرات ذلك، وهو ما دفع للتعبير عن الاحتجاج عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل والتصريح إما بالامتناع عن تسديد أثمان المياه (عدم دفع الفاتورة)، أو التوجه إلى القضاء، لاسيما مع اعتماد تعرفة مياه جديدة أيضاً، في وقت أكد خبير قانوني لـ"الأيام" عدم دستورية أو مشروعية قرار مجلس الوزراء الخاص بنظام التعرفة الموحد للمياه والصرف الصحي، في حين عبرت جمعية حماية المستهلك عن استهجانها بخصوص الكيفية التي مرّت التعرفة بالقراءات الثلاث، وتم تزويد الوزراء ورؤساء الهيئات غير الوزارية بالتعديلات، وعدم تقديمها أي ملاحظات عليها.
التعرفة الجديدة
وكانت مصلحة مياه محافظة القدس، نشرت في 23 كانون الأول الماضي، عبر موقعها الرسمي، تعرفة المياه الجديدة، مع الإشارة إلى مبلغ مقطوع ثابت قيمته 42 شيكلا عن كل دورة (كل شهرين)، وهي تعرفة ارتفعت عن سابقتها، وتختلف حسب نوع الاشتراك وكمية الاستهلاك ما بين منزلي، وتجاري، وصناعي، وسياحي، في حين كانت الخانة المخصصة لأسعار المياه للمؤسسات العامة خالية من أي مبالغ.
وحسب التعرفة التي أشارت "المصلحة" أنه يبدأ العمل بها منذ مطلع تشرين الأول 2023، هي للاشتراك المبلغ (5ر5 شيكل) لكل متر إذا ما كان الاستهلاك دون العشرين متراً، ليرتفع إلى (2ر7 شيكل) لكل متر إذا ما زاد الاستهلاك عن عشرين متراً وقل عن الأربعين، و(5ر9 شيكل) لكل متر إذا ما كان الاستهلاك بين أربعين وثمانين متراً، و(12 شيكلاً) لكل متر إذا ارتفع الاستهلاك ليتراوح ما بين ثمانين ومئة وعشرين متراً، و(13 شيكلاً) لكل متر إذا ما زاد الاستهلاك عن 120 متراً، في حين تم تثبيت سعر الاستهلاك للفئات الأخرى عند (5ر12 شيكل) لكل متر بغض النظر عن نسبة الاستهلاك!
مجلس تنظيم قطاع المياه
وكان مجلس تنظيم قطاع المياه، نشر عبر موقعه الرسمي، في 26 تشرين الأول 2023، خبراً مفاده أن "مجلس الوزراء الفلسطيني يصادق على تعرفة المياه والصرف الصحي لـ 31 مقدم خدمة"، وفي المضمون: صادق مجلس الوزراء الفلسطيني على تعديل تعرفة المياه والصرف الصحي لـ31 مقدم خدمة، وفقاً لنظام التعرفة الموحد للمياه والصرف الصحي رقم (4) لسنة 2021، وذلك بناءً على توصية من مجلس تنظيم قطاع المياه، بحيث تضمنت التعرفة الجديدة مراجعة وإعادة هيكلة للتعرفات المطبقة والمعمول بها في عدة بلديات ومجالس خدمات ومرافق مياه وهيئات محلية مختلفة، بهدف تقديم خدمات مياه وصرف صحي عادلة ومستدامة للمواطنين، وتعزيز الاستدامة المالية لمقدمي الخدمات من خلال استرداد التكاليف الفعلية، كما تسعى هذه الخطوة إلى توحيد أسس ومعايير احتساب أسعار المياه والصرف الصحي وبدل الخدمات لجميع مقدمي خدمات المياه والصرف الصحي، مع مراعاة العدالة الاجتماعية لجميع فئات المستهلكين وترشيد الاستهلاك.
حماية المستهلك
بدوره، أكد صلاح هنية رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني لـ"الأيام" إلى أن النقاش الدائر بما يتضمنه من نقد لنظام التعرفة للمياه والصرف صحي، طبيعي، وليس الأول من نوعه، وإلى أن الأهم في الموضوع هو مدى جاهزية الحكومة للتفاعل مع هذا النقاش، أو أن تراجع بعض البنود مركز الاحتجاج.
وشدد هنية على أن توجيه الاحتجاج ضد مصالح المياه ومزودي المياه خاطئ، كون أن تلك الجهات تلقت القرار الحكومي بالتعرفة وقامت بتنفيذه، وبعضها ناقش جهات الاختصاص الحكومية أن الوقت غير مناسب، لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا مالياً لتنفيذ تعليمات التعرفة الجديدة، وكان يترافق مع هذا الاحتجاج من مزودي المياه أن كميات المياه المزودة لهم بقيت ثابتة منذ عشرة أعوام، رغم زيادة عدد السكان الطبيعية وتنامي الاحتياجات الحيوية، ونشوب أزمات الصيف المائية، وأن على سلطة المياه الفلسطينية المطالبة والعمل على زيادة كميات المياه.
ولفت هنية إلى أن محور الاحتجاج لدى المواطنين يتمحور حول بند الحد الأدنى للاستهلاك الذي برز في الفاتورة بشكل فاقع تحت عنوان "مبلغ مقطوع".. وقال: حسب احتساب التعرفة سابقاً للتعديلات فقد كانت 5ر62 شيكل تشمل 17 شيكلاً رسوم صيانة عداد، وثمن 10 أمتار استهلكها أم لم يستهلكها صاحب الفاتورة، في حين أنه، وحسب التعليمات الجديدة لم يعد الحديث عن صيانة العداد، وتقرر أن يكون المبلغ المقطوع 42 شيكلاً بالشهرين (21 شيكل لكل شهر)، وهو الحد الأدنى، يقوم بدفعه من استهلك أو لم يستهلك، فيما ألغيت قيمة العشرة أمتار.
ولفت هنية إلى أن الاحتجاج كان أيضاً على كون الرسوم هذه تزيد الأعباء، وإن ألغيت رسوم المساحة، التي تركت آثاراً على المطورين العقاريين وكبار المشاريع، وتم تخفيض بعض البنود، إلا أن المبلغ تضاعف نتيجة لرفع تكلفة المياه لكافة الفئات حسب ما لاحظ المواطن، وهذا سينعكس عليه، خصوصاً أن فئة "الصناعي" الذي ارتفعت عليه فاتورة المياه أيضاً، سيعكسها بالسعر على المستهلك.
واتخذت، حسب هنية، إجراءات بخصوص رسوم الربط، حيث كان المواطن الذي ينشئ عقاراً في منطقة نائية (المناطق المصنفة ج) يتكلف بإيصال المياه من آخر نقطة الى عقاره دون النظر لعوامل الصمود وحماية الأرض، في حين أن التعديلات جعلت "هذه الحسبة تشاركية مع الآخرين".
"عدم دستورية القرار"
بدوره أشار الخبير القانوني د. أحمد الأشقر، المحامي والقاضي السابق لـ"الأيام"، إلى أن هذا القرار الصادر عن مجلس الوزراء "مشوب بعيب عدم الدستورية، لأنه أفضى إلى رفع كلفة المياه على المواطن، ما يعتبر رسماً جديداً، والرسوم لا تفرض إلا بقانون، وبالتالي إصدار الحكومة لهذا القانون هو بمثابة رسم جديد، ويستوجب أن يصدر بقانون"، علاوة على كونه "يخالف مبدأ المشروعية"، مفصلاً: الأنظمة التي يجب أن تصدر عن الحكومة الفلسطينية ينبغي لها أن تكون منضبطة بأحكام القوانين ذات الصلة بإدارة الحكومة، لاسيما تلك المتعلقة بمشروحات قانون الموازنة والمبادئ التي تحتكم إليها الإدارة الفلسطينية سنداً لأحكام القانون الأساسي من جهة، وأيضاً للقوانين الأخرى التي ينبغي لها أن تكون متوازنة ما بين حق الهيئات الحكومية في استيفاء الرسوم وفرض التعرفة، وحق المواطن في أن تتناسب هذه التعرفة وهذه الرسوم مع أوضاعه الاقتصادية، والدخل الشهري والسنوي له، والتي لا شك أنها منخفضة في هذه المرحلة، في ظل أزمة الرواتب وارتفاع مستوى البطالة، وحالة الانهيار الاقتصادي بسبب الحرب المتواصلة على شعبنا في غزة، أو في الضفة"، وبالتالي "رفع تكلفة المياه بالطريقة التي تمت لا تتناسب مع الوضع الفلسطيني الداخلي، وعليه فإنها تفتقد للشرعية القانونية من جهة، ومبررات وجود هذا القرار في هذا الظرف تحديداً".
ولفت الأشقر إلى أن من حق أي متضرر فرداً كان أم منشأة أم مؤسسة التوجه إلى القضاء، كون أن هذا القرار يخضع لرقابة المحكمة الإدارية، وكذلك لرقابة المحكمة الدستورية من جهة أخرى، لافتاً إلى أن "الوضع الدستوري الفلسطيني، وفي ظل غياب البرلمان وعدم إجراء الانتخابات، يجعل من هذه الحكومة وغيرها تتتخذ قراراتها دون رقابة أو مساءلة برلمانية".