"تكنو إليت".. قضية احتيال جديدة في غزة تلحق خسائر بآلاف المستثمرين

تاريخ النشر
صورة توضيحية-تصوير وكالات

غزة-أخبار المال والأعمال- شهدت السنوات الـ14 الماضية، شيوع ظاهرة جديدة في قطاع غزة، تتمثل بتكرار قضايا الاحتيال المالي سواء من قبل أشخاص أو شركات، وصف بعضها بالكبيرة، تكبّد بسببها آلاف المستثمرين خسائر فادحة، ونتج عن ذلك سرقة وتبخر عشرات ملايين الدولارات.

فبعد قضية الاحتيال الكبرى المعروفة باسم "روبي والكردي"، التي وقعت في غزة العام 2009، وفقد مستثمرون بسببها نحو ربع مليار دولار، بدعوى تشغيلها في تجارة الأنفاق مع مصر، حدثت عشرات القضايا المماثلة، كان القاسم المشترك بينها استثمار أموال المودعين مقابل أرباح تتراوح بين 20 و40%، لكن أغلبها اتضح لاحقاً أنها مجرد عمليات نصب واحتيال، كانت تهدف للاستيلاء على أموال الضحايا، عبر إغرائهم بالربح الكبير والسريع.

صباح السابع والعشرين من نيسان الماضي، فوجئ مئات المستثمرين والمودعين في شركة "تكنو إليت"، بقرار إغلاقها من النيابة العامة في غزة، والتحفظ على كافة الأموال، والأصول، والعقارات، والأملاك التي تعود للشركة، بعد وصول عشرات البلاغات، بقيام الشركة التي تتخذ من مدينة غزة مقراً لها، بالنصب والاحتيال عليهم.

ووفق بيانات وتصريحات صدرت عن نيابة غزة، فإنه وبعد فتح تحقيق تفصيلي في الواقعة لدى نيابة جرائم الأموال، أشارت التحقيقات الأولية إلى ثبوت الادعاء، وعليه أغلقت النيابة مقر الشركة، وضبطت وتحرزت على محتوياتها، وسيطرت على "السيرفرات"، والموقع الإلكتروني، وكافة قواعد البيانات الخاصة بالمشتركين، وحركات الإيداع والسحب والتحويل، وأمرت بتوقيف مدير الشركة على ذمة التحقيق، واستجوابه.

وكان المتحدث باسم نيابة غزة المستشار أحمد السوسي أصدر بياناً قال فيه: "ورد كثير من الشكاوى إلى النيابة من عدد كبير من المواطنين بأنهم تعرضوا للنصب بعد قيامهم بتشغيل أموالهم في شركة تكنو إليت".

ووفق تحقيقات النيابة المعلنة فإن المتهم "مدير الشركة"، قام بخداع وإيهام المجني عليهم من خلال ممارسته أعمالاً مخالفة لما رُخص له به من قبل الجهات الحكومية المختصة، وذلك باستحصاله على أموال المودِعين المجني عليهم، بعد إيهامهم بأنه سيقوم بتشغيلها في نشاط تداول عملات رقمية، يحقق أرباحاً مالية كبيرة، خلافاً للحقيقة، وقد استخدم المتهم أكثر من وسيلة احتيالية لإيهام المجني عليهم من خلال قيامه بإنشاء موقع إلكتروني باسم (البوت).

وتضيف التحقيقات إن المذكور صمم تطبيقاً له على هواتف المواطنين، ليتم من خلاله التحكم في شاشات العرض (البوت)، والتي هي واجهة عرض بيانات فقط تخص المودِعين المجني عليهم، وذلك من خلال التحكم في تلك الشاشات، بإضافة أرباح وهمية للمجني عليهم.

ووفق ما أعلنته النيابة في غزة، فقد أنشأ المتهم أيضاً ثلاث حافظات على منصة (الباينانس) الإلكترونية مرتبطة بإيميلات، حيث قام بتعديل بيانات عرض المتصفح الخاصة بالحافظات لتصبح بياناتها ظاهرة على خلاف الحقيقة، وبالفحص الفني لهذه الحافظات من قِبل الجهات المختصة، وبعد مواجهة المتهم والتحقيق، تبين أنها لا تحتوي حقيقةً سوى على مبلغ (2070 دولاراً فقط). كما قام أيضاً بإنشاء عملة إلكترونية تحت مسمى (DSPH) حيث ثبت من خلال التحقيقات أن العملة المذكورة أنشأت لدواعي الاحتيال، قاصداً بذلك حرمان المجني عليهم من أموالهم، وذلك بوجه غير مشروع وبطريق النصب والاحتيال.

ووفق ما أعلنته الشركة عن نفسها سابقاً، فهي متخصصة في التدريب والاستثمار وتكنولوجيا المعلومات، وتأسست في قطاع غزة العام 2021، حيث تقدم هذه الشركة الكثير من الخدمات منها الدعم الفني، وإقامة المحاضرات المسجلة، التي ينتسب فيها الكثير من المتدربين للاستفادة من الخبرات والمهارات التدريبية في الاستثمار، كما أنها تقدم الكثير من الخدمات عبر الانترنت خاصة للطلاب.

وجهر عشرات المستثمرين بالشكوى على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين جهات الاختصاص بإعادة أموالهم التي أودعوها في الشركة.

ووصف الاقتصادي أحمد أبو قمر، ما حدث في شركة "تكنو إليت"، بأنه أكبر عملية نصب واحتيال حدثت في غزة منذ سنوات طويلة، وقد نجح أصحاب الشركة خلال فترة وجيزة في جمع مبلغ 17.6 مليون دولار من 5932 مستثمراً.

وأكد لـ"الأيام"، أن البيئة خصبة لحدوث عمليات نصب واحتيال في القطاع، مرجعاً ذلك لعدة أسباب، أهمها ضعف القوانين المعمول بها، وعدم وجود إجراءات حازمة ورادعة، إضافة لبحث المستثمرين عن الربح السريع، مع تراجع فرص الاستثمار الحقيقي، ووجود أشخاص لديهم الاستعداد لهذا العمل، "وهذا ما يجعلنا نسمع باستمرار عن قضايا نصب بمسميات وأساليب مختلفة، لكن في النهاية كلها طرق احتيال تهدف لسلب المواطنين أموالهم دون وجه حق".

ووفق أبو قمر فإن هذه الشركة تعمل وفق مخطط احتيال عالمي يسمى "بونزي سكيم"، وهو قائم على فقاعة اقتصادية غير حقيقية "استثمار وهمي"، يعمل على جذب مستثمرين لمربع احتيال محكم، بزعم حصولهم على أرباح كبيرة، على أن يجلب كل مستثمر غيره، فتكبر الدائرة، ويزيد الخاسرون، ويحصل المشغل الرئيس على مبالغ مالية أكبر، وهذا يتم عبر استغلال مصطلحات عالمية فضفاضة، كالاستثمار عن بعد، أو الاستثمار في العملات الرقمية، وغيرها من المجالات الوهمية.

وأكد أن الشركة نجحت في اعتماد أسلوب احتيال محكم، استطاعت بموجبه كسب ثقة المواطنين في فترة زمنية وجيزة، عبر إيهامهم بالربح السريع والكبير الذي يتجاوز في بعض الأحيان 30%، مع ضمان عدم وجود أي خسارة، وتم فعلاً في البداية توزيع أرباح وهمية كبيرة ما زاد من طمع المستثمرين وجعل بعضهم يزيد من قيمة المبالغ المودعة، لزيادة الربح، وهذا يفسر كثرة المودعين، وارتفاع المبالغ المالية التي تحصلت عليها الشركة خلال عامين من عملها.

ولفت أبو قمر إلى أن هناك قاسماً مشتركاً بين عمل مثل هذه الشركات، هو استغلال جوانب استثمار غامضة لدى المواطنين، مثل مجال العملات الرقمية، أو التسويق الهرمي، أو غيرها من المسميات، ومحاولة استنساخ تجارب ناجحة، والتركيز عليها، مع العمل على اختراع آلية عمل وهمية، ولاحقاً يتم انتقاء أشخاص ذوي قدرة عالية على الإقناع، فيشعر الراغب بالإيداع أنه أمام فرصة العمر، التي ستجعله ثرياً في وقت قصير، فيندفع لإيداع الأموال، وقد يجلب غيره لذات الفخ الذي نصب بعناية شديدة.

وكانت وزارة الاقتصاد في غزة، وبعد سقوط المزيد من الضحايا في فخ ما يسمى "التسويق الهرمي"، أصدرت قراراً يحظر التعامل بكل طرق التسويق الشبكي أو الهرمي، إلا أن العمل في بعض هذه المواقع لا يزال مستمراً ولم يتوقف، ولجأ القائمون عليها للعمل بطريقة غير معلنة، وتعتمد على استقطاب المستثمرين لغيرهم ومنحهم أرباحاً مقابل ذلك.

المصدر: صحيفة الأيام