بقلم الدكتور تامر الكرادشة، أخصائي المعالجة اللثية ومعالجة أعصاب الأسنان
كثيرة هي الأسباب المؤذية لصحة الفم والأسنان، إلا أن من أبرزها وأكثرها شيوعاً يتمثل في التدخين التقليدي المعتمد على آلية حرق التبغ، الذي يحمل تأثيرات سلبية كثيرة بعيدة المدى، وأخرى يمكن الشعور بها فوراً إثر قلع سن؛ إذ أنه يؤدي لزيادة الإحساس بالألم في تجويف السن الذي تمت إزالته، الأمر الناجم عن تسببه بحدوث التهاب عظمي يُعرَف فيما يسمى بالسنخ الذي يعد حالة مؤلمة تحدث أحياناً بعد قلع سن من الأسنان الدائمة، كما أنه يؤخر ويبطئ عملية الشفاء والتئام الجرح.
وكحقيقة، فإن معدل إصابة مستهلكي السجائر التقليدية بالتهاب السنخ تعتبر أعلى بثلاث مرات عن معدلها لدى غير المدخنين أو أولئك الذي يستهلكون منتجات تبغ المضغ البديلة؛ حيث يمكن أن يؤدي تدخين سيجارة تقليدية أو استهلاك التبغ في الغليون إلى انتقال أو ذوبان خثرة دموية من موقع قلع السن، وهي التي تعتبر بمثابة طبقة واقية فوق العظم الكامن والأعصاب المحيطة، وبالتالي انكشاف الموقع وحدوث الالتهاب والشعور بالألم، وهو ما يدفع الأطباء لنصح المدخنين بتقليل استهلاكهم للسجائر التقليدية بشكل كبير قبل وبعد جراحة الفم.
وهنا، يطرح المدخنون سؤالهم، هل يمكن التدخين بعد قلع الأسنان؟
الإجابة باختصار، يمكن للمريض استهلاك سيجارته، لكن ليس فور قلع السن، كما أنه ينصح بتأخير استهلاكها قدر المستطاع ولأطول فترة ممكنة بالرغم من حقيقة أنه يصعب على المدخنين المنتظمين الامتناع عن استهلاك التبغ بعد قلع السن. لكن، ما يجهله المدخنون، يتمثل في أن للتدخين تبعات سلبية ومؤلمة على نحو أكبر على موقع قلع السن أكثر من عدم الحصول على جرعتهم من التبغ والنيكوتين.
وفيما لا يبدو تدخين السيجارة التقليدية مؤذ أو خطر، لكن عملية التدخين بحد ذاتها من سحب السيجارة ونفثها المتكرر يبطئ عملية التشافي، كما يزيد من الألم.
إن الأثر السلبي الأول الذي يتسبب به التدخين التقليدي بعد قلع أو حتى حشو الأسنان، يتمثل في ما تسفر عنه عملية السحب من السيجارة بالفم لاستنشاق الدخان، من تخفيف تجلط الدم في الخثرة المتكونة للمساعدة في التئام الجرح وشفاء التجويف محل قلع السن. وباعتبار الخثرة الدموية حامية للجرح في الفم، فإنها إن لم تتشكل في مكانها، أو إن انتقلت أو ذابت، فإن الجرح سيبقى مكشوفاً ومعرضاً للإصابة بالجفاف أو الالتهاب، والذي من المرجح أن يسبب رائحة فم كريهة.
الأثر السلبي الثاني الذي يتسبب به التدخين التقليدي، يتمحور حول المضار المترتبة على نفث الدخان من الفم؛ حيث يمكنه أن يطرد الخثرة الدموية، ما يتسبب بدوره في حدوث التهاب العظم السنخي، الذي عادة ما يُشعر المريض بعدم الراحة، كما أنه يبطئ من عملية الشفاء؛ إذ ينتشر الألم من التجويف محل قلع السن لأنحاء الفك وسائر جانب الوجه الذي يحتويه، كما قد يصل الأمر لحد حدوث صعوبة في فتح وإغلاق الفم.
أما ثالث الآثار السلبية التي يتسبب بها التدخين التقليدي، فتتمثل في الدخان الناجم عن السجائر، والذي يعد مزيجاً من الكثير من المواد الكيميائية الضارة والتي من المحتمل أن تكون من المواد التي تندرج في إطار المواد المنبهة، والتي يمكن أن تسبب زيادة في النزيف والالتهابات، أو أن تثبط كمية الأكسجين في الدم، وهو الذي يعتبر تواجده بالمعدل المطلوب جزءاً هاماً من عملية الشفاء من أية إصابة.
وبالرغم من أن الخيار الأفضل على الإطلاق للحفاظ على صحة الفم والأسنان والصحة العامة بوجه عام، يبقى متمثلاً في الإقلاع عن التدخين للمدخنين وعدم الانخراط بممارسته لغير المدخنين من الأساس، إلا أن المدخنين الذين لا يرغبون بالإقلاع أو أولئك الذين لا يستطيعون، ينصحون بتجنبه عند قلع الأسنان، خصوصاً عند قلع ضرس العقل، أو في حالات قلع الأسنان المتعددة، واستشارة أطبائهم حول العديد من المسائل المتعلقة بالتدخين، سواء من حيث إمكانية التدخين قبل وبعد القلع، أو من حيث الفترة الزمنية الآمنة لممارسته بعد إجراء القلع. وهنا، يجب العلم بأن الامتناع عن التدخين حتى شفاء تجويف السن المقلوع يعد الخيار الذي يجب التوجه إليه لتقليص حجم الآثار السلبية، وبما لا يقل عن 72 ساعة، أي بما يقارب 3 أيام متتالية بعد القلع، وذلك في حال عدم التوجه لخيار الإقلاع.
إن أفضل قرار هو الإقلاع عن التدخين بكل اشكاله وانواعه وذلك لتقليل أو عكس الآثار الجانبية للتدخين اما بالنسبة للبعض، يعتبر الإقلاع عن التدخين أمراً صعباً للغاية أو حتى مستحيلاً، لذا فإن الانتقال إلى بدائل قد تكون بدائل أفضل من السجائر التقليدية مثل السجائر الإلكترونية أو اجهزة التبغ المسخن هو دائماً خيار افضل.
إن حرق التبغ في السجائر التقليدية يرفع درجة حرارته إلى ما بين 800 و900 درجة مئوية ويطلق حوالي 100 مادة سامة ومسرطنة. من ناحية أخرى، قد أظهرت دراسات حديثة أن تسخين التبغ بدلاً من حرقه يقلل من إنبعاث المواد الكيميائية بنسبة 90% مقارنةً مع السجائر التقليدية.
ووفقاً لدراسة أجريت في مدينة نيوكاسل في إنجلترا على عينة بحث شملت 2417 مريضاً ممن أجريت لهم نحو 3541 عملية قلع أسنان تحت تأثير التخدير الموضعي، لمقارنة تأثير التدخين على أنسجة الفم بعد الجراحة، فقد تم تأكيد التأثير السلبي للتدخين على المرضى بعد قلع الأسنان، وذلك لانخفاض معدل ملء التجويف محل السن المقلوع للمدخن بعد الجراحة بشكل ملحوظ، مقارنة مع غير المدخنين بفارق دال إحصائياً أقل من مستوى 0.01. كذلك، فقد تم تأكيد تسجيل معدل أعلى للإصابة بالسنخ المؤلم لدى المدخنين الشرهين الذين يدخنون سجائر بمعدل 20 سيجارة أو أكثر يومياً، وذلك بالمقارنة مع غير المدخنين بفارق دال إحصائياً أقل من مستوى 0.05. وقد تبين وجود علاقة وطيدة بين مستوى تشكل الدم الفوري بعد القلع والإصابة بالسنخ المؤلم؛ حيث كانت التجاويف التي كان تشكل الدم فيها ضعيفاً أكثر عرضة لتطوير تجويف والتهاب سنخ مؤلم بفارق دال إحصائياً أقل من مستوى 0.02، ما يعني بشكل قاطع أن التدخين يؤثر سلباً على التئام جروح قلع الأسنان.
ويستنتج مما سبق بأن هناك ارتباط يجمع التدخين والصدمات الجراحية التي تعرف بأنها الأضرار والمضاعفات التي يمكن التعرض لها بعد إجراء التداخل الجراحي، بزيادة احتمالية حدوث التهاب السنخ الجاف وآلامه، لذلك فإن الإقلاع عن التدخين هو الحل الأفضل دائما. ومع ذلك، إذا كان من الصعب أو المستحيل تحقيقه، فإن الإنتقال إلى بديل خالٍ من الدخان هو دائماً خيار جيد. هكذا خيار يمكن أن يقلل وأن يعكس في بعض الأحيان الضرر الناجم عن السجائر التقليدية على الصحة العامة وصحة الفم.