واشنطن-أخبار المال والأعمال- قبل أيام قليلة من بداية العام الجديد، لا يبدو أن هناك فرصة قوية لخروج الاقتصاد العالمي من أزمته الراهنة، مع استمرار عوامل التراجع سواء التضخم المرتفع وتشديد السياسات النقدية أو تداعيات الحرب في أوكرانيا، وهو ما دفع صندوق النقد الدولي إلى خفض توقعاته لمعدل نمو الاقتصاد العالمي في العام الجديد إلى 2.7% مقابل 3.2% من إجمالي الناتج المحلي خلال العام الحالي.
وجاء في تحليل أعدته مجموعة من محللي وخبراء مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن بقيادة ماثيو جودمان، كبير نواب رئيس المركز للدراسات الاقتصادية، أن الاقتصاد العالمي سوف يسجل خلال العام المقبل أقل معدل نمو له منذ 20 عاما، باستثناء فترة الأزمة المالية العالمية العام 2009 وذروة جائحة فيروس كورونا العام 2020.
وقال المحللون في التقرير، الذي نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تحت عنوان "5 أشياء ستحدث في العالم العام 2023"، إن السؤال الأساسي المطروح في الولايات المتحدة هو هل سينجح مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي) الأميركي في تحقيق "هبوط" سلس للاقتصاد يضمن خفض معدل التضخم دون الإضرار بنمو الاقتصاد، أم أن الركود الاقتصادي هو الطريق الوحيد لخفض معدل التضخم الذي وصل لأعلى مستوياته منذ 40 عاما.
في الوقت نفسه يتوقع المستثمرون ركود الاقتصاد الأميركي خلال العام المقبل، في حين تبدو الأسواق في موقف غريب من رد الفعل السلبي على مؤشرات النمو المستمر للوظائف والأجور بما يعزز التضخم المرتفع، وقد يدفع مجلس الاحتياط لرفع سعر الفائدة لأكثر من 5% خلال العام المقبل.
ولا يبدو الموقف أقل التباسا بالنسبة للاقتصاد الصيني في العام الجديد. فالصين تخلت بشكل مفاجئ عن سياسة "صفر إصابات بفيروس كورونا المستجد"، وما تتضمنه من قيود وإجراءات مشددة للحد من انتشار العدوى، وأصبحت الآن تركز على الاستقرار الاقتصادي.
ومن المحتمل أن تشهد الصين نمواً في الاستهلاك المحلي مع تجاوز الموجة الحالية من الإصابات بفيروس كورونا، لكن لا يبدو أن هناك دعما واضحا من صناع السياسة للاستهلاك المحلي.
في المقابل قد يستقر قطاع العقارات المضطرب بفضل إجراءات الدعم الحكومي الأخيرة، لكن من غير المحتمل أن تساهم الصادرات في تعزيز نمو الاقتصاد الصيني نظرا لتباطؤ الاقتصاد العالمي بشكل عام، وهو ما يعني أن الصين قد تضطر لإطلاق حزمة إجراءات تحفيز جديدة إذا أرادات نموا اقتصاديا بأكثر من 5% من إجمالي الناتج المحلي.
وسيظل العالم يعاني من تداعيات ارتفاع أسعار الفائدة وزيادة قيمة الدولار الأميركي.
وقد يتخلف الكثير من الدول النامية عن سداد ديونها بالعملات الأجنبية خلال العام المقبل، لأن تشديد السياسة النقدية الأميركية قلص مستويات السيولة النقدية في الولايات المتحدة، وبالتالي تراجعت كميات السيولة النقدية التي كان يمكن استثمارها في أدوات الدين للدول النامية.
وإذا كانت تطورات الاقتصاد العالمي هي التطور الأول من التطورات الخمسة التي يرصدها تحليل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن الشيء الثاني هو تطور العلاقات الاقتصادية الأميركية مع دول آسيا.
ويقول المحللون إن العام الجديد سيكون بمثابة اختبار لمدى نجاح السياسة التي تتبناها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإعادة الحياة للعلاقات الاقتصادية الأميركية الآسيوية، بعد انسحاب سلفه دونالد ترامب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تضم 12 دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وتأمل إدارة الرئيس بايدن في جني بعض ثمار تقاربها الاقتصادي مع آسيا عبر "إطار العمل الاقتصادي للرخاء في المحيطين الهندي والهادئ" (IPEF)، بحلول منتصف تشرين الثاني من العام المقبل، عندما يستضيف بايدن قادة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ "أبيك" في قمتهم السنوية بمدينة سان فرانسيسكو الأميركية.
والتطور الثالث المنتظر في العام المقبل هو توسع إدارة الرئيس الأميركي في فرض قيود على تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين.
ففي 7 تشرين الأول الماضي أعلنت إدارة بايدن أن القيود على تصدير التكنولوجيا تستهدف حرمان الصين من الوصول إلى أحدث تقنيات أشباه الموصلات والمعدات اللازمة لإنتاجها.
وتعتبر هذه الخطوة نقلة نوعية في استراتيجية الحد من الصادرات الأميركية: لم تعد تسمح للدول المنافسة أو المعادية بالصعود على سلم تطور التكنولوجيا خلف الولايات المتحدة، بمسافة آمنة، وإنما سيتم الآن استخدام القيود على الصادرات لكي تحتفظ الولايات المتحدة بأكبر درجة من الريادة والصادرة في مجال التكنولوجيا على مستوى العالم.
في الوقت نفسه تسعى الولايات المتحدة لتكوين تحالف دولي لحرمان الصين من الحصول على التكنولوجيا المتقدمة لأشباه الموصلات. فرغم أن الولايات المتحدة تسيطر على بعض القطاعات الرئيسة لمعدات تصنيع أشباه الموصلات، فإن الشركات اليابانية والهولندية تعتبر من اللاعبين الرئيسيين في هذا المجال.
وإذا لم تنضم الشركات الهولندية واليابانية للحظر الأميركي على الصين، فإن واشنطن قد تهدد باتخاذ إجراءات عقابية ضد تلك الشركات، وهو ما يهدد بتشجيع الشركات على تقليص اعتمادها على الولايات المتحدة في سلاسل الإمداد المختلفة على المدى الطويل.
وسيكون التطور الرابع المنتظر من نصيب سياسة تمويل التنمية والبنية التحتية في العالم، حيث تعتبر البنية التحتية العالمية مكونا رئيسا في السياسة الخارجية لإدارة بايدن خلال العام المقبل، مع سعي الإدارة لتعزيز مصداقية عدد كبير من المبادرات المرتبطة بالبنية التحتية ومنها "الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار" و"شبكة النقطة الزرقاء" و"شراكة البنية التحتية الثلاثية" و"منتدى الأمن الرباعي".
وكل هذه المبادرات تستهدف التصدي لمبادرة الحزام والطريق الصينية الدولية.
ورغم أن الدول النامية تحتاج إلى استثمارات البنية التحتية، فإن 60% من الدول ذات الدخل المنخفض تعاني بالفعل من أزمة ديون شديدة، أو تواجه مخاطرها، وبالتالي فإنها لا تستطيع انتظار تطورات مثل هذه المبادرات خاصة وأن القطاع الخاص لا يتحمس كثيرا للاستثمار في مشروعات البنية التحتية لآنها غير مربحة، وهو ما يزيد العبء المالي على إدارة بايدن لتحقيق أهدافها في هذا المجال.
ويتعلق أخر التطورات الخمسة المنتظرة في العام المقبل بتمويل جهود مكافحة التغير المناخي في العالم. وفي ضوء قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة وما يتضمنه من حوافز ضخمة لمشروعات الطاقة النظيفة المحلية، من المحتمل تعزيز جهود زيادة الاستثمار في مجال التخفيف من حدة التغير المناخي والتكيف معه على مستوى العالم.
ولكن ستظل الأسئلة الكبيرة حول التمويل والآليات الخاصة بصندوق الخسائر والأضرار الذي تم الإعلان عنه خلال قمة المناخ العالمية "كوب 27" في مدينة شرم الشيخ المصرية في تشرين الثاني الماضي، وعلاقة الصندوق بالتزامات تمويل المناخ في اتفاق باريس ودور مؤسسات التمويل الدولية في تمويل المشروعات ذات الصلة بالمناخ، وغيرها من المصالح العام العالمية.
تاريخ النشر