رام الله-أخبار المال والأعمال- أصدر معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) ملخصا سياساتيا حول قانون ضريبة القيمة المضافة، تحت عنوان: "قانون ضريبة القيمة المضافة ما بين القطاعين العام والخاص"
الخلفية
استمرت إسرائيل بعد احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 في تطبيق القوانين الضريبية التي كانت قائمة قبل الاحتلال؛ مثل ضريبة الدخل، والأملاك، والمكوس، وغيرها. في شهر تموز من العام 1976، أعلن الاحتلال الإسرائيلي عن فرض ضريبة القيمة المضافة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، من خلال الأمر العسكري رقم 350، وذلك تنفيذاً لما ورد في قانون ضريبة القيمة المضافة الإسرائيلي 5736-1975. تم تثبيت العمل بضريبة القيمة المضافة لاحقاً من خلال نظام المكوس على المنتجات المحلية (يهودا والسامرة) لسنة 1985، الذي استند قانونياً إلى قانون المكوس على المنتجات المحلية الأردني رقم (16) لسنة 1963. احتوى نظام المكوس على 17 فصلاً و151 مادة، واشترك مع القانون الإسرائيلي في عناوين الأغلبية العظمى من المواد.
بقي العمل بموجب هذا النظام حتى اتفاق باريس الاقتصادي العام 1994، الذي ثبت في المادة السادسة فرض ضريبة القيمة المضافة في الأراضي الفلسطينية وفقاً لما هو معمول به في إسرائيل، بسبب اعتماد الغلاف الجمركي الموحد، مع إمكانية اختلاف النسب الضريبية في الأراضي الفلسطينية بما لا يزيد أو يقل عن 2% (±2%) كما هو معمول به في إسرائيل، وهو ما انطبق أيضا على ضريبة المشتريات على الإنتاج المحلي، وأية ضرائب غير مباشرة أخرى.
طرحت وزارة المالية مسودة قانون ضريبة القيمة المضافة في شهر تشرين الأول 2021. لم يختلف القانون كثيراً عن قانون ضريبة القيمة المضافة الإسرائيلي لسنة 1975، بل جاء ترجمة للقانون الإسرائيلي بتصرف خفيف بخصوص التسميات السياسية والجغرافية؛ أي أنه بقي يسير، بشكل كبير، في ظل القانون الإسرائيلي من حيث عدد الفصول والمواد، وعناوينها. إلا أن مسودة القانون اختلفت كثيراً عن نظام المكوس على المنتجات المحلية للعام 1985، الذي فرضه الحكم العسكري.
قامت مؤسسات القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني بمناقشة مسودة القانون بشكل مكثف، وقدمت عشرات المذكرات على مسودة القانون. كما نوقش القانون في عدد من الورش العامة والورش الداخلية، إذ شكل حالة متواصلة منذ طرحه للمناقشة في 2021. اجتمع فريق وزارة المالية مع جميع الجهات المذكورة، وناقش معها الطروحات والمسائل المقترحة، وقام بإجراء حوالي 250 تعديلاً حسبما أشارت الوزارة. بناء على ذلك، تم تجهيز المسودة الرابعة للقانون، التي تمت مناقشتها خلال اجتماع لجمعية رجال الأعمال في شهر شباط من العام 2022، بحضور وزارة المالية ومجموعة من ممثلي القطاع الخاص والجهات الأخرى ذات العلاقة.
التحدي: تحقيق التوازن بين مصلحة القطاع العام وامكانيات القطاع الخاص
ضمن مساعي وزارة المالية لتعديل المنظومة القانونية لقطاع الإيرادات العامة، وبشكل يساهم في تعزيز عملية التنمية الاقتصادية المنشودة، قدمت وزارة المالية مسودة لقانون ضريبة القيمة المضافة، بعد أن كانت قد تقدمت بمسودة تعديل لقانون ضريبة الدخل في شهر أيار العام 2021، في محاولة لتحرير القوانين الضريبية من القيود الواردة في اتفاق باريس الاقتصادي من جهة، والتحرر من وصف القوانين كقوانين جبائية من جهة أخرى، إضافة إلى تنظيم عملية الجباية والتقدير والاعتراض لضريبة القيمة المضافة، وسعياً أيضا إلى المساهمة في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والعدالة الضريبية. جاء في المذكرة التفسيرية التشريعية لمشروع قانون ضريبة القيمة المضافة الفلسطيني الصادرة عن وزارة المالية، أن هناك أيضاً قصوراً في التشريع الضريبي الحالي، ما يستدعي وجود قانون ضريبة قيمة مضافة فلسطيني.
كما حددت وزارة المالية، في مذكرة السياسة التشريعية للقانون، أهدافاً تنظيمية اقتصادية ومالية وإدارية واضحة لسن القانون المذكور، أهمها:
1. خلق منظومة قانونية شاملة ومتكاملة ومنسجمة وقادرة على التعامل مع الإشكاليات الفعلية والمتوقعة مستقبلاً.
2. منح الإدارة الضريبية دوراً في إعطاء النصوص التشريعية تلك القيمة القانونية المطلوبة بدخولها حيز التنفيذ، لا سيما في بعض القطاعات التي يصعب مواكبة النص التشريعي من ملاحقتها.
3. مراجعة النسبة الضريبية الموحدة المفروضة على مختلف القطاعات والسلع والخدمات، بحيث يتم اعتماد نسب ضريبية محفزة ومتوائمة مع التوجهات الاقتصادية والمالية المستقبلية للدولة.
4. زيادة الالتزام الضريبي وزيادة فاعلية النظام الضريبي، من خلال تشديد العقوبات المقررة على كل من يتهرب من أداء الضريبة المفروضة عليه، بحيث يجب أن يتضمن التشريع على نصوص قانونية تجرم كافة الأفعال المخلة بالقانون نفسه، وتلحق أضراراً بالخزينة العامة بأية صورة كانت، والنص على عقوبات قادرة على تحقيق الردع الخاص لكل مخالف، والردع العام في المجتمع.
5. أن يتضمن التشريع نصوصاً قانونية، تضمن عدم تعارض المصالح، وتضمن تحقيق أسس النزاهة والشفافية في التعامل الضريبي، وتضمن مكافحة صور الفساد كافة.
مع الإقرار بأهمية تحسين البيئة التنظيمية الضريبية الفلسطينية، وتحقيق العدالة الضريبية، فإن التساؤل يصبح مشروعا فيما إذا كان من شأن إصدار تشريعات حساسة جديدة في غياب مراجعة تشريعية صحيحة أن يضيف المزيد من التعقيد إلى منظومة قانونية غير سيادية. على الرغم من التعديلات الكثيرة التي أدخلت على مشروع القانون، فإن المسودة ما زالت تعاني من بعض الفجوات من وجهة نظر القطاع الخاص، أهمها:
- يعد القانون المقترح، شكلاً ومضموناً، مزيجاً من قانون ضريبة القيمة المضافة الإسرائيلي لعام 1975، واللائحة التنفيذية والأوامر العسكرية من العام 1985، التي مضى عليها عقود من الزمن، ولا تتناسب مع منظومة التشريعات الفلسطينية السارية المفعول.
- ينتقص مشروع القانون المقترح من السيادة الفلسطينية على حدود 1967 التي تستند إلى قرارات الشرعية الدولية.
- استناد القانون إلى نموذج ومعايير وإجراءات قد تكون مناسبة لدولة متقدمة تتبع مسار سياساتي مالي وضريبي منسجم مع مرحلة تطورها الاقتصادي، بدلاً من الاسترشاد بالمبادئ التوجيهية والمعايير الدولية لتطبيقات ضريبة القيمة المضافة الصادرة عن منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي وصندوق النقد الدولي.
- لا يظهر قانون ضريبة القيمة المضافة كيف سيحقق التوازن بين الأهداف السيادية والاقتصادية والمالية والاجتماعية.
- لا يوجد تكامل ووضوح بين القانون واللوائح التنفيذية التي لم تُعدّ، بعد، وإنما تركت لاجتهادات وتوجهات وقرار المسؤول عن تطبيق القانون.
- الإفراط في صلاحيات الإدارة التنفيذية. على سبيل المثال، إعطاء الصلاحيات لمجلس الوزراء أو الوزير بتحديد جزء النشاط الخاضع للضريبة في دولة فلسطين، وإصدار اللائحة التنفيذية اللازمة لغايات نقل ملكية الأراضي والعقارات في سجلات دائرة الأملاك، وتنسيب صفقات صفرية لمجلس الوزراء، وتنسيب إعفاء بعض البضائع وتحديد شروط الإعفاء، أو تحديد القطاعات التي لا تعتبر المقبوضات التي حصل عليها المشغل مباشرة من ميزانية الدولة خاضعة للضريبة وغيرها من المسائل الضريبية التخصصية.
- لا يتضمن القانون المقترح طرق معالجة ضريبة القيمة المضافة لقطاعات اقتصادية متعددة، ومعاملات محددة، منها، على سبيل المثال لا الحصر: المقاولات والعقود من الباطن، مشاريع الشراكة بين القطاع العام والخاص، قطاع المواصلات، التجارة الإلكترونية.
- إخضاع المؤسسات غير الهادفة للربح للضريبة على أي أعمال أو أنشطة تنافس فيها القطاع الخاص، وذلك دون تحديد معايير المنافسة المذكورة، ما يضع القرار في يد المدير، وبالتالي يتيح له إمكانية التعسف.
التوصيات
أولاً: توصيات سياساتية:
تحديد دقيق للسياسات المتعلقة بضريبة القيمة المضافة من حيث:
1) الأهداف الاقتصادية والمالية المتوخاة من فرض قانون ضريبة القيمة المضافة الجديد.
2) القطاعات والسلع ونسبة الضريبة المفروضة على كل سلعة.
3) مناقشة هذه السياسات مع ممثلي القطاع الخاص والمستهلكين في حوار منهجي ومنتظم، وليس خلف الكواليس، على أن يحتوي القانون على جدول يفصّل القطاعات، والسلع، والنسب المفروضة على كل سلعة.
ثانياً: توصيات قانونية:
1) إعادة النظر في تبويب وصياغة نصوص القانون بحيث يراعي المبادئ والتوجيهات العالمية لضريبة القيمة المضافة، ويبتعد عن تبويب ونصوص ومظلة قانون ضريبة القيمة المضافة الإسرائيلي لعام 1975.
2) إعادة النظر في الصلاحيات الهائلة الممنوحة للسلطة التنفيذية، والبت في أكبر قدر ممكن من الصلاحيات ضمن نصوص القانون.
3) طرح اللوائح والأنظمة بشكل متزامن في رزمة واحدة مع قانون ضريبة القيمة المضافة، بحيث يجيب عن تساؤلات القطاع الخاص ومدققي الحسابات القانونيين المتعلقة بالتقدير والجباية والغرامات والإعفاءات وغيرها، وتتم مناقشتها مع مناقشة القانون، بحيث تحدد هذه اللوائح العملية الانتقالية بين القانون الحالي والقانون الجديد.
ثالثاً: توصيات زمنية:
عدم التسرع في إقرار القانون، خاصة مع سيطرة حالة من عدم اليقين والتخوف على عناصر السلم الأهلي بسبب التطورات الاقتصادية العالمية والمحلية وموجة ارتفاع الأسعار المتتالية الناجمة عن جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، حيث يتطلب إقرار القوانين الضريبية استقراراً اقتصادياً واجتماعياً قبل كل شيء، وإعادة طرح القانون للحوار الشامل العام عند توفر الظروف المناسبة.