"بنوك البريد"..على طاولة النقاش في "ماس"

تاريخ النشر
جانب من اللقاء

رام الله-أخبار المال والأعمال- عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) لقاء طاولة مستديرة بعنوان "دور بنوك البريد في توفير الخدمات المالية خارج النظام المصرفي التجاري وجدوى إقامته في فلسطين" بمشاركة مجموعة من المختصين وذوي الخبرة والمهتمين، وجاهياً في مقر المعهد وعبر تقنية الزووم.

أعد الورقة الخلفية حول الموضوع كل من مدير البحوث في المعهد د. رابح مرار ومساعد البحث صبري يعاقبة، كما عرضها د. مرار. قدم كل من السيد قدورة فارس رئيس نادي الأسير الفلسطيني، والسيد معاذ دراغمة مدير عام البريد الفلسطيني، والسيد عنان السامري مدير دائرة الانضباط في سلطة النقد الفلسطينية، مداخلاتهم وتعقيباتهم على ورقة النقاش بحضور مجموعة من الخبراء.

افتتح مرار الجلسة مؤكدا على أهمية الموضوع وأن هذه الورقة تأتي في إطار اهتمام المعهد بمتابعة القضايا الاقتصادية والاجتماعية المستجدة التي تهم المواطن الفلسطيني وصاحب القرار. حيث يعقد المعهد جلسات الطاولة المستديرة الدورية لمناقشة هذه المواضيع باعتبارها أحد الأدوات لاقتراح توصيات سياساتية تفيد في عملية صنع القرار بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد والمواطن الفلسطيني. كما بين مرار أن قطاع البريد خاصة في الدول النامية يلعب دوراً رائداً في تعزيز الشمول المالي نظراً لوجوده على نطاق واسع في المناطق الريفية والفقيرة، ويعتبر ثاني أكبر مساهم في الشمول المالي على مستوى العالم، كما توجه بالشكر لصندوق الاستثمار الفلسطيني لدعمه هذا اللقاء.

ورقة ماس الخلفية

في إطار عرض الورقة، أوضح مرار أن بنوك البريد تستهدف في العادة الفئات التي لا تستطيع الوصول للبنوك التقليدية إما بسبب ارتفاع تكاليف الخدمات البنكية التقليدية أو لعدم امتلاكها الضمانات الكافية للحصول على مثل هذه الخدمات، أو الفئات التي تبحث عن خدمات بنكية أكثر شمولية وبأسعار معقولة ضمن القطاع العام.

كما أشار الى أن دور قطاع البريد حول العالم لا يقتصر على تقديم الخدمات التقليدية بل تعداها إلى تقديم خدمات مالية ومصرفية موسعة وأكثر تطوراً، تشمل حسابات التوفير والادخار، الخدمات المالية الإلكترونية، بطاقات الائتمان، خدمة الصراف الآلي، بطاقات مسبقة الدفع، تحويل الأموال، بوليصيات التأمين بمختلف أشكالها، القروض الشخصية وقروض الرهن العقاري، المنتجات الاستثمارية، صرف العملات، الاستشارات المالية، الخ. وأوضح أنه في الآونة الأخيرة، قامت حكومة الاحتلال بخصم قيمة المساعدات التي تقدمها الحكومة الفلسطينية لعوائل الشهداء والجرحى والأسرى من أموال المقاصة، كما وأصدرت في العام 2020 أمراً عسكرياً يحمل رقم 1827 تمنع من خلاله البنوك الفلسطينية من التعامل مع المساعدات والرواتب المقدمة لعوائل الشهداء والأسرى والجرحى، مما اضطر البنوك لاتخاذ قرار بإغلاق حسابات الأسرى البنكية، وبناء عليه قامت الحكومة الفلسطينية بدفع رواتب الأسرى والجرحى وذوي الشهداء بشكل كامل من خلال البريد الفلسطيني الذي يعتبر خارج نطاق التهديدات الإسرائيلية للبنوك المحلية العاملة في فلسطين.

دور بنوك البريد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة

أوضحت الورقة أن بنوك البريد تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال قدرتها على تقليل مستويات الفقر والحرمان للفئات الأقل حظا، وتعزيز دخل الفرد، وتمكين المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين في الوصول إلى الخدمات المالية. حيث أظهرت دراسة أجراها البنك الدولي بأن قطاع البريد يقدم الخدمات المالية بشكل أفضل من البنوك التقليدية بالنسبة للأشخاص المستبعدين من القطاع المصرفي وخاصة الذين يعيشون في المناطق الريفية ويعانون من أوضاع اقتصادية غير مستقرة.

مبررات وجود بنك البريد في فلسطين

تبين الورقة أن أحد أهم مبررات وجود بنوك البريد هو توفير الخدمات المالية للأسرى والجرحى وعوائل الشهداء، حيث تصرف الحكومة الفلسطينية بناء على قانون الأسرى والمحررين رقم (19) للعام 2004 رواتب لأكثر من 11 ألف أسير ومحرر، بما يعادل 52 مليون شيكلا.

خلال الأعوام (2015–2017) أقر الكنيست الإسرائيلي عشرة قوانين وإجراءات تتعلق بالأسرى، وتشدد العقوبات عليهم، أخطرها إصدار قائد جيش الاحتلال الإسرائيلي بيني غانتس، أمراً عسكرياً يحمل الرقم 1827، مع اعتباره ساري المفعول بعد ثلاثة أشهر، والذي يحظر على البنوك الفلسطينية الاحتفاظ بحسابات الأسرى ولكن تم تجميد القرار على أن يصبح ساريا مع بداية العام 2021 نتيجة لرفضه على المستوى الرسمي والشعبي. بناء على القرار قامت إسرائيل باقتطاع جزء من المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية والتي تعادل قيمة المبالغ التي تدفعها الحكومة الفلسطينية للأسرى وأسر الشهداء.  

إثر ذلك قررت الحكومة الفلسطينية في أواخر شهر آذار من العام 2021 صرف رواتب الأسرى الفلسطينيين عبر مكاتب البريد المنتشرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تم صرف أول راتب بتاريخ 6/4/2021، من خلال 20 صرافاً آلياً في مختلف محافظات الوطن.

دور بنك البريد في تعزيز الشمول المالي في فلسطين

تشير دراسة أعدها المعهد حول الشمول المالي وهي الوحيدة في فلسطين إلى أن نسبة الشمول المالي للسكان البالغين بلغت 36.4% فقط العام 2015، وتظهر الأرقام الصادرة عن سلطة النقد الفلسطينية للعام 2021، أن 46% فقط من الأفراد البالغين في فلسطين لديهم على الأقل حساب بنكي واحد، و7% لديهم على الأقل قرض بنكي واحد. مكاتب البريد أكثر وصولاً للفئات المهمشة مثل الفقراء والنساء والأشخاص خارج القوة العاملة والعاطلين عن العمل والسكان في المناطق "ج"، من خلال عملها كمزود للخدمات المالية المتنوعة مثل خدمات تحويل الأموال، ودفع الفواتير، وخدمات الادخار والتأمين.

تعزيز مصادر الدخل للبريد الفلسطيني

يواجه قطاع البريد العديد من الصعوبات أو العقبات التي تعيق تطوره، وتؤثر سلباً على مستوى الخدمات التي يوفرها، ولم تلتزم سلطات الاحتلال بتطبيق اتفاقية البريد المباشر التي تم توقيعها في العام 2016، وما زالت لا تسمح بتصدير الإرساليات البريدية مباشرة عبر الأردن. إن المنافسة الشديدة من شركات النقل والتوزيع الخاصة والبريد الإسرائيلي، تقتضي أن يقوم البريد الفلسطيني بإصلاح إطاره التنظيمي وتطويره بقصد الرفع من مردوديته، لذلك ينظر المسؤولون في البريد الفلسطيني إلى توفير الخدمات المالية على أنها فرصة كبيرة من أجل تعزيز الإيرادات المالية والتي من شأنها أن توفر الميزانيات اللازمة لتطوير البنية التحتية البريدية والانتشار في مختلف المناطق، بالإضافة إلى توفير الكوادر البشرية المؤهلة والقادرة على التعامل مع النمو المتسارع في الطلب على الخدامات البريدية وأيضا الخبرات والكفاءات في مجال الخدمات المصرفية.

مدى إمكانية استحداث بنك البريد الفلسطيني والتحديات المرتبطة بذلك

تنص المادة التاسعة والعشرون «الخدمات البريدية» في الملحق الثالث من اتفاقية أوسلو على التالي: «يتضمن هذا المجال، فيما يتضمن، التخطيط، ووضع السياسات وتنفيذها، إضافة إلى إدارة ومراقبة مكاتب البريد والخدمات البريدية وجميع المعاملات والأنشطة المالية في الوحدات البريدية المعروفة عموماً باسم بنك البريد». على الرغم من الحاجة الكبيرة لإنشاء بنك البريد الفلسطيني وتوفر المبررات العملية لضرورة اتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه، إلا أن هناك العديد من المخاطر السياسية، والتحديات أو الخطوات الواجب اتخاذها أو أخذها بعين الاعتبار من قبل الجهات التنظيمية والإشرافية. وعليه، فإن إنشاء بنك بريد رسمي بترخيص وتحت إشراف سلطة النقد كباقي البنوك التجارية الأخرى يعتبر غير عملي وغير مطروح على طاولة صناع القرار في فلسطين الآن، وذلك بسبب التبعات السياسية وإمكانية تعرض البنك وسلطة النقد الفلسطينية إلى إجراءات عقابية من قبل الاحتلال الإسرائيلي بموجب الأمر العسكري رقم 1827. لذلك، فإن الحل الأمثل في الحالة الفلسطينية يكمن في تعزيز وتوسيع نطاق الخدمات المالية التي يقدمها البريد الفلسطيني من أجل توفير الخدمات المالية للأسرى والجرحى وذوي الشهداء، والوصول الى شرائح جديدة في المجتمع من الفئات التي لا تستطيع الوصول إلى الخدمات المالية التي تقدمها البنوك التقليدية.

مداخلات المتحدثين

بيّن دراغمة أن البريد الفلسطيني يواجه العديد من التحديات تتمثل بالمعيقات التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي بالإضافة الى ضعف البنية التحتية وعدم الاستقرار المالي. أوضح دراغمة بأنه تم إعادة الهيكل التنظيمي لعمل البريد الفلسطيني بما ينسجم مع متطلبات الاتحاد البريدي العالمي. بيّن أيضاً أن البريد الفلسطيني تكبد خسارة بحوالي 40 مليون شيكل نتيجة عدم وجود رمز بريدي خاص بفلسطين والذي من شأنه المساعدة في تطوير البنية التحتية والكوادر البشرية. كما وأشار إلى أن بنك البريد يحتاج إلى تشريع قانوني واضح وكوادر بشرية مؤهلة لإدارته وتحسين البنية التحتية للبريد بالتعاون مع المؤسسات الأخرى ذات العلاقة. وأضاف دراغمة أن التداول المالي الناتج عن خدمات البريد (النقدية وغير النقدية) بلغ مليار شيكل.

بدوره، بين السامري أن سلطة النقد تسعى للحفاظ على الاستقرار النقدي المبني على أسس سليمة وتنافسية عادلة والحفاظ على أموال المودعين وإدارة المخاطر لتحقيق الأهداف بشكل مناسب. كما وتسعى أيضاً لتعزيز الشمول المالي، حيث يبلغ عدد المصارف الحالية في فلسطين 13 مصرف مرخص ما بين تجاري وإسلامي و380 فرع، و700 صراف آلي. وأنه تم إعداد استراتيجية وطنية مع هيئة سوق رأس المال لتعزيز الشمول المالي من خلال الحملات التوعوية وتنويع الخدمات الإسلامية وتطوير الخدمات الإلكترونية والرقمية. وبين أن المشكلة تكمن في تحويل مخصصات الأسرى وذوي الشهداء والجرحى من خلال البنوك التجارية وليس في فتح حسابات مصرفية لهم في هذه البنوك، حيث سعت سلطة النقد مع مختلف الجهات لإيجاد حلول لهذه المشكلة بما يضمن حقوقهم.

أشار فارس إلى أننا نحن بحاجة وطنيا لإنشاء بنك للبريد يخدم الأسرى والجرحى وذوي الشهداء بالإضافة إلى الفئات المهمشة، وانه يجب استغلال فرصة إنشاء بنك بريد فلسطيني لتعزيز الشمول المالي ولمساعدة أفراد المجتمع والفئات المهمشة على الوصول للخدمات المالية. وبين أن الحكومة الفلسطينية سعت جاهدة لضمان حقوق الأسرى، حيث وقعت قانون الأسرى في العام 2004 وأعدت اللوائح التنفيذية لذلك. وأشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية افتعلت هذه الأزمة لسرقة أموال المقاصة بذريعة تحويل الحكومة الفلسطينية الأموال لصالح الأسرى والجرحى وذوي الشهداء، كما ويعتبر الأمر العسكري الصادر عن الحاكم العسكري انتهاكا لاتفاقية أوسلو. نتيجة لذلك، بين قدورة أنه تم بلورة فكرة تحويل مخصصات الأسرى والجرحى وذوي الشهداء من خلال البريد الفلسطيني للابتعاد عن العقوبات التي يضعها الجانب الإسرائيلي بحجة مكافحة الإرهاب.

فيما أجمع الحضور على أن فكرة بنك البريد أو تقديم الخدمات المالية عبر البريد لا تهدف الى مزاحمة البنوك التجارية بل من أجل خدمة الفئات خارج النظام المصرفي الحالي والتي تعتبر نسبتها كبيرة في فلسطين، وهو ما من شأنه أن يعزز من الشمول المالي ويخدم المصلحة الوطنية. إلا أن ذلك يستلزم أن يقوم البريد الفلسطيني بتطوير أنظمته وبنيته التحتية ليكون قادرا على تقديم مثل هذه الخدمات المالية عبر مكاتب البريد. كما أكدوا على ضرورة إشراك هيئة سوق رأس المال وبالتعاون مع سلطة النقد في أي خطط خاصة بإنشاء بنك بما يضمن الحفاظ على حقوق المواطنين، كما وشددوا على ضرورة استغلال التكنولوجيا لتسهيل الوصول للخدمات المالية بأقل وقت وجهد ممكن.

1