"الوقود البيئي" يعزّز مكانة الكويت في الصناعة النفطية عالية الجودة

تاريخ النشر
محطة تابعة للمشروع

الكويت-أخبار المال والأعمال- يعد مشروع الوقود البيئي أحد أهم وأضخم المشاريع في تاريخ القطاع النفطي الكويتي إذ يعول عليه في تغيير واقع دولة الكويت ومستقبلها وتمكينها من تبوؤ مكانة مرموقة بين كبار منتجي ومصدري المنتجات النفطية عالية الجودة والصديقة للبيئة وهو ما يترجم توجه الدولة نحو التحول إلى مركز جذب اقتصادي.

ويعكس الاهتمام الكبير بالمشروع رعاية وحضور أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح احتفال شركة البترول الوطنية الكويتية بمناسبة التشغيل الكامل لمشروع الوقود البيئي في 22 آذار/ مارس الماضي بمعية ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح وذلك بمصفاة ميناء عبد الله.

ويشكل المشروع نقلة نوعية كبيرة من شأنها تدعيم حضور الكويت كدولة مؤثرة ومنافسة قادرة على تلبية المتطلبات والاشتراطات التي تزداد صرامة في مختلف الأسواق العالمية لا سيما تخفيض نسب الكبريت والمعادن وبقية الشوائب الأخرى في المشتقات النفطية لتكون صديقة للبيئة.

وشهدت في إطار هذا المشروع كل من مصفاتي ميناء عبد الله وميناء الأحمدي عمليات تحديث وتطوير واسعة وغير مسبوقة تمثلت في إنشاء وحدات جديدة في المصفاتين تتمتع بمواصفات تقنية عالية وتستخدم أحدث تكنولوجيا في صناعة التكرير إضافة إلى تحديث وإغلاق وحدات أخرى بحيث تنتج المصفاتان مشتقات نفطية عالية الجودة متوافقة مع الاشتراطات البيئية العالمية المعمول بها حاليا في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وآسيا مثل (يورو 4) و(يورو 5) مما يساهم في فتح أسواق جديدة أكثر ربحية أمام منتجات الشركة.

وتجسدت ضخامة المشروع في كمية أعمال التصنيع الخاصة بمعداته حيث شارك في تصنيع هذه المعدات حوالي 199 شركة تمثل 23 دولة حول العالم وذلك من خلال إصدار 526 أمر شراء إضافة إلى مساهمة العديد من الشركات العالمية المرخصة للتكنولوجيا المستخدمة في المشروع.

وفي هذا السياق، قال نائب الرئيس التنفيذي للشؤون الإدارية والتجارية والناطق الرسمي لشركة البترول الوطنية الكويتية عاهد الخريف إنه مع تقدم الصناعة النفطية عالميا والتغير الحاصل في الاشتراطات البيئية المختلفة محليا وعالميا قامت الشركة بتنفيذ مشروع الوقود البيئي والذي ساعدها على الارتقاء بمواصفات المنتجات المختلفة بحيث تتطابق مع أحدث المواصفات المطلوبة عالميا فضلا عن الاستجابة لمتطلبات أنظمة الصحة والسلامة والبيئة.

وأضاف الخريف في لقاء مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) أن المشروع يحقق الرؤية الاستراتيجية العامة للشركة لتكون ضمن شركات التكرير الأكثر تنافسية وتقدما في العالم كما أنه ينطلق من أحد أهم أهداف الاستراتيجية لمؤسسة البترول الكويتية والمتمثل في تحقيق الاستغلال الأمثل لثروة البلاد النفطية.

وأوضح أن المشروع يعتبر فريدا من نوعه على المستوى العالمي إذ لم يسبق لشركة تكرير نفطية أن تمكنت من تنفيذ أعمال تحديث بهذه الضخامة في مصافيها القائمة مع استمرارها بالوقت ذاته بعملية الإنتاج والوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها في الداخل والخارج ودون التأثير على سلامة عمليات التشغيل.

وأفاد أن التكلفة الرأسمالية للمشروع بلغت 4,68 مليار دينار كويتي (نحو 15,2 مليار دولار أمريكي) وجسَّدت خطة تمويله نهجا جديدا في مشاريع شركة البترول الكويتية وتمويل المشاريع الكبرى في القطاع النفطي إذ أنه وللمرة الأولى تقوم مؤسسة البترول بتوجيه الشركة للاعتماد على مصادر تمويل خارجية كجزء أساسي في تمويل مشاريعها.

وبين الخريف أن عملية تمويل المشروع تعتبر أضخم صفقة تمويل للمشروعات الصناعية النفطية في تاريخ الكويت وهدفت إلى تعظيم العائد على المشروع وتخفيض العبء التمويلي عن المؤسسة حتى يتسنى لها تمويل مشاريعها الأخرى.

وذكر أن مؤسسة البترول الكويتية قامت بتمويل 30 بالمئة من قيمة المشروع ذاتيا في حين تم تمويل الـ 70 في المئة الباقية من مصادر تمويل خارجية.

وقال إنه نظرا لضخامة حجم المشروع فقد تم تقسيم تنفيذه إلى ثلاث مجموعات تعاقدية رئيسية هي حزمة مصفاة ميناء عبد الله (1) وحزمة مصفاة ميناء عبد الله (2) وحزمة مصفاة ميناء الأحمدي إذ تم التعاقد مع ثلاثة تحالفات من المقاولين العالميين لتنفيذ هذه الحزم.

ولفت إلى أن عدد وحدات التصنيع الجديدة التي تم تنفيذها ضمن المشروع في مصفاتي ميناء عبد الله وميناء الأحمدي بلغ 76 وحدة تنقسم إلى 39 وحدة إنتاجية و37 للخدمات والمرافق بالإضافة إلى تطوير 30 وحدة تشمل 7 وحدات إنتاجية و23 وحدة للخدمات والمرافق لتتماشى مع التقنيات المتطورة المستخدمة في المشروع مشيرا إلى إيقاف 7 وحدات إنتاجية لتقادمها وزيادة تكلفة صيانتها.

وتابع أنه بعد نجاح تشغيل المشروع ارتفعت الطاقة التكريرية لمصفاة ميناء عبد الله إلى 454 ألف برميل يوميا وأصبحت الطاقة التكريرية لمصفاة ميناء الأحمدي 346 ألف برميل يوميا مبينا أنه عند دمج مجموع إنتاج المصفاتين ستكون (البترول الوطنية) قادرة على تكرير 800 ألف برميل يوميا.

وذكر أن هذه الكمية سوف تضاف إلى كمية الإنتاج المنتظرة لمصفاة الزور بعد تشغيلها والبالغة نحو 600 ألف برميل يوميا وبذلك سوف تشهد كميات النفط الخام المكررة زيادة كبيرة لتصل إلى 1,4مليون برميل يوميا للمصافي الثلاث وهو ما يعني تحقيق أفضل قيمة وأعلى عائد ممكن للموارد الهيدروكربونية.

وقال الخريف أنه تم تجهيز وربط المرافق التخزينية والتصديرية بمصفاة الشعيبة مع مرافق مشروع الوقود البيئي في مصفاتي ميناء عبد الله وميناء الأحمدي وإجراء بعض التعديلات وتركيب معدات جديدة لمواكبة نظام التشغيل الحديث في المشروع ليتم استخدام مرفأ التصدير وحظيرة الخزانات لتصبح جزءا من المشروع لمصفاة ميناء عبد الله.

وأكد الخريف أن أحد الأهداف الرئيسية للمشروع هو زيادة القدرة التحويلية لمصافي الشركة بحيث يتم تحويل المشتقات الثقيلة ذات القيمة الاقتصادية المنخفضة كمادة زيت الوقود ذي المحتوى الكبريتي العالي التي كانت تنتج سابقا بنسبة تصل إلى20.7 بالمئة من مجمل الإنتاج لمنتجات بترولية ذات قيمة اقتصادية عالية الجودة كوقود الطائرات ووقود السيارات فضلا عن الارتقاء بمواصفات المنتجات الأخرى كافة.

وأفاد أن المشروع سيعمل كذلك على تقليص محتوى أكسيد النيتروجين والكبريت والملوثات الأخرى بمنتجات الشركة بشكل كبير ويخفض محتوى الكبريت في البنزين من 500 جزء بالمليون إلى 10 أجزاء في المليون وأيضا يخفض محتوى الكبريت في الديزل من 5000 جزء بالمليون إلى 10 أجزاء في المليون.

وبين أن (البترول الوطنية) أصبحت مهيأة لإنتاج زيت وقود سفن (بنكر) الذي يحتوي على 0.5 بالمئة من الكبريت وذلك تجاوبا مع الشروط التي فرضتها المنظمة البحرية الدولية (IMO) منذ مطلع 2020 لتخفيض الحد الأعلى العالمي لمحتوى الكبريت المسموح به في وقود السفن.

وعن عدد العمالة التي نفذت المشروع أوضح الخريف أن تنفيذ الأعمال تطلب حشد عدد كبير جدا من العمالة والذي بلغ 54.4 ألف عامل خلال جميع المراحل نظر الضخامة واتساع نطاق أعمال المشروع "الأضخم" في مشاريع شركة البترول الوطنية الكويتية.

وحول فرص العمل التي يوفرها المشروع للعمالة الوطنية أشار الخريف إلى أن (الوقود البيئي) يعد من المشاريع الاستراتيجية التي تخدم رؤية (كويت جديدة 2035) في جانب توظيف العمالة الوطنية إذ ساهم منذ بدء أعماله الإنشائية وحتى إنجازه في توفير نحو 800 فرصة عمل للكوادر الوطنية وتطوير قدراتها ومهاراتها.

وأكد أن المجال مفتوح باستمرار أمام استحداث المزيد من هذه الفرص الوظيفية لسد احتياجات الشركة كما أنه سيعمل على تعزيز وتشجيع التنمية الاقتصادية المحلية وذلك من خلال الآلية المتبعة لتوظيف العمالة الوطنية في عقودالصيانة والخدمات بما يعادل 30 بالمئة من نسبة العمالة في كل عقد.

وقال الخريف إنه تم تدريب العديد من موظفي الشركة للتأكد من جاهزيتهم لعمليات التشغيل إذ قامت دائرة تشغيل المشروع بعقد برامج تدريبية داخلية وخارجية لنحو 650 موظفا على وحدات مشابهة لوحدات المشروع وتوفير تدريب متخصص لهم من قبل مهنيين بالوحدات مؤكدا أن نتائج التدريب المستمر تجسدت في التشغيل الناجح لوحدات المشروع دون عوائق وبشكل منتظم.

وبشأن تأثير تنفيذ المشروع على الاقتصاد الوطني أفاد أن الإنفاق المحلي مثل أحد الجوانب الرئيسية في المشروع إذ تجاوز إجمالي ما تم صرفه من قبل مقاولي المشروع في السوق المحلية خلال عمليات التنفيذ 1.1 مليار دينار (نحو 3.57 مليار دولار).

وحول أهمية المشروع بيئيا أكد أن المنتجات التي أصبحت تنتجها الشركة تتوافق مع أرفع المعايير والاشتراطات البيئية العالمية وبدأ توريدها وتصديرها إلى الأسواق العالمية وطرحها أيضا في السوق المحلية مشيرا إلى أن المشروع يلبي كذلك احتياجات محطات الطاقة داخل البلاد من الوقود النظيف منخفض المحتوى الكبريتي مما يخفض من الآثار البيئية الضارة.

وعن الصعوبات والتحديات التي واجهت المشروع بين الخريف أنها متعددة ولكن يأتي على رأسها عمليات ربط الوحدات الجديدة مع الوحدات القائمة إذ جرت جميع أعمال الربط بدون تأثير على استمرارية الإنتاج وسلامة التشغيل والالتزامات التعاقدية مع العملاء "وهذه عملية بالغة التعقيد والصعوبة".

وذكر أن أزمة الأمطار غير المسبوقة التي تعرضت لها البلاد عام 2018 أثرت على مواقع العمل بالمشروع عندما كانت تحت الإنشاء ونجحت الشركة آنذاك في وضع خطة متكاملة لإعادة بناء المناطق المتضررة وتجنب تكرار هذا الوضع مرة أخرى.

وتابع أن جائحة فيروس كورونا المستجد كانت من التحديات الكبرى التي واجهت تنفيذ المشروع وما زاد الأمر تعقيدا أن الجائحة ضربت العالم أجمع خلال مرحلة مهمة من مراحل المشروع وهي مرحلة التنفيذ النهائية لعدد كبير من الوحدات الكبرى.

وأضاف أنه "بالرغم من التأثيرات غير المسبوقة لهذه الجائحة إلا أن كوادرنا الوطنية استطاعت رغم غياب الاستشاريين العالميين الذين كان من المفترض وجودهم للمشاركة في أعمال التشغيل النهائية للوحدات الجديدة تحقيق التشغيل الناجح والآمن للعديد من الوحدات في أوقات عصيبة تمر بها دول العالم كافة".