دبي-(بلومبيرغ)- تعمل البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم على تسريع زيادات أسعار الفائدة، في محاولة لكبح ارتفاع التضخم الذي أسهمت في تفاقمه.
يوم الأربعاء، رفع البنك المركزي الكندي سعر الفائدة أكثر من المتوقع بمقدار 1% بعد تحركين رفع خلالهما الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، ورفعت كوريا الجنوبية بمقدار نصف نقطة بعد عدة تحركات بمقدار ربع نقطة، وزادت نيوزيلندا بمقدار نصف نقطة للاجتماع الثالث على التوالي. وشدد البنك المركزي السنغافوري السياسة النقدية بشكل غير متوقع يوم الخميس.
في الولايات المتحدة، أدى صدور تقرير تضخم حادّ آخر إلى رهانات على أن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة بمقدار نقطة كاملة في وقت لاحق من هذا الشهر بعد تحركه لرفعها 75 نقطة أساس في حزيران/ يونيو. يقول المستثمرون إنّ "بنك إنجلترا" قد يُقدِم على زيادة بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماعه المقبل، أي ضِعف الوتيرة السابقة، بعد أن أثبت الاقتصاد البريطاني قوته بشكل مفاجئ في أيار/ مايو.
بعد عقدين من تراجع أسعار المستهلكين، افترض محافظو البنوك المركزية باعترافهم أن ضغوط التكلفة التي ظهرت في عام 2021 ستتبدد قريباً. لكن الأزمات في سلسلة التوريد أثبتت أنها أكثر ديمومة، والآن أدى الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة والسلع الأساسية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا إلى إزالة أي تدرج في مكافحة التضخم.
إنها وتيرة لم ترتّب لها أي من البنوك المركزية قبل بضعة أشهر فقط، ومن المرجح أن تحدث صدمة نمو تزيد مخاطر حدوث ركود. أوضح رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الشهر الماضي أن الفشل في السيطرة على التضخم سيكون خطأ أكبر من المبالغة في التشديد النقدي، وهو شعور ردده نظراؤه في المملكة المتحدة ومنطقة اليورو.
في هذا السياق كتب ريتشارد ماكغواير ولين غراهام تيلور، المتخصصان في استراتيجية أسعار الفائدة في "رابوبنك" (Rabobank)، في تقرير يوم الأربعاء: "ستنصرف البنوك المركزية إلى البحث عن أدلة على تباطؤ النمو حتى تثق بأنه يجري إجبار جني التضخم على العودة إلى القمقم... ما زلنا نعتقد أن صانعي السياسات على استعداد لتأييد إحداث ركود إذا كان هذا هو المدى الذي يحتاجون إليه لتغيير منحنى الطلب من أجل تحقيق هذا الهدف".
في عالم يسرّع فيه عديد من البنوك المركزية من وتيرتها، فإنّ أولئك الذين يتخلفون عن الركب يعاقبون من خلال أسعار الصرف الأضعف، وهي ديناميكية لا تؤدي إلا إلى تفاقم التضخم من خلال جعل الواردات أكثر تكلفة.
لم يبدأ البنك المركزي الأوروبي في زيادة سعر الفائدة، وانخفض اليورو يوم الأربعاء إلى أقل من يورو واحد لكل دولار للمرة الأولى منذ عام 2002. كان ذلك في أعقاب صدور تقرير يظهر أن التضخم في الولايات المتحدة قفز إلى 9.1% في يونيو، مما حفز الرهانات على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيرفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس على الأقل في اجتماعه المقرر عقده في 26-27 تموز/ يوليو الجاري.
ثم انتعش اليورو بعد أن قال متحدث باسم البنك المركزي الأوروبي إنّ البنك حريص على تأثير سعر الصرف في التضخم، وهو مثال على الضغوط التنافسية التي أطلق عليها البعض "حروب العملة العكسية".
بدوره، رفض بنك اليابان مواكبة هذا الاتجاه، إذ نفى هاروهيكو كورودا أن يكون ارتفاع التضخم في بلاده باعتباره مدفوعاً بشكل أساسي بالسلع، وليس نوع الزيادات المستقرة في الأسعار التي كان يسعى إليها.
رأي "بلومبرغ إيكونوميكس"
يقول توم أورليك كبير الاقتصاديين في "بلومبرغ إيكونوميكس": "في النهاية، سيُسيطِر صانعو السياسة النقدية على الأسعار. لن يحدث ذلك في وقت قريب بما يكفي لإنقاذ الأُسَر من ضربة كبيرة لميزانياتها أو البنوك المركزية من ضربة كبيرة لمصداقيتها".
عكس الين فجوة بنك اليابان مع أقرانه، إذ انخفض 16% مقابل الدولار حتى الآن هذا العام، مما أثار القلق في إدارة كيشيدا، ولو لم تكن تلك هي الحال في أروقة بنك اليابان.
في الولايات المتحدة، اضطر باول وزملاؤه باستمرار إلى تمزيق خططهم التي بدأت في أواخر العام الماضي باعتباره "تشديداً" في السياسة بعد حقبة التحفيز خلال الوباء، لكنه يتبنى الآن أكثر حملة تشديد جريئة منذ عقود.
أخطأ الاحتياطي الفيدرالي بشكل تامّ في تقييمه للتضخم عندما وصفه بالمؤقت، إذ طرح في العام الماضي نهاية للتيسير الكمي. وبدأ في رفع أسعار الفائدة في وقت أبكر مما كان متوقعاً، ثم ضاعف في مايو وتيرة التضييق إلى 50 نقطة أساس. بحلول الشهر الماضي، خلص صانعو السياسة إلى أنهم بحاجة إلى التحرك بشكل أسرع، عندما فرضوا أول زيادة بمقدار 75 نقطة أساس منذ عام 1994.
قلق راسخ
توقعات التجار بزيادة أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس هذا الشهر ارتفعت إلى 50%. اتخذ تيف ماكليم، محافظ بنك كندا، قراراً بزيادة أسعار الفائدة بهذا المقدار بالضبط يوم الأربعاء. وحول ترسخ التضخم صرّح ماكليم في إيجاز صحفي: "هذا القرار يعكس القلق من ذلك".
يكمن الأمل في أن الزيادات السريعة في أسعار الفائدة الآن يمكن أن تضمن عدم ترسيخ التضخم المرتفع على المدى الطويل. تشير مقاييس توقعات التضخم طويل الأجل في سوق السندات إلى أن المستثمرين يتوقعون أن ينجز محافظو البنوك المركزية هذه المهمة.
يشير ما يطلق عليه "معدلات التعادل" إلى توقعات التضخم لعشر سنوات عند نحو 2.35% في الولايات المتحدة، وألمانيا عند 2.08%، وكندا عند 1.98%، فيما معدل التعادل في المملكة المتحدة لمدة 10 سنوات هو 3.68%.
لكن التكلفة قد تكون حدوث ركود اقتصادي في وقت أقرب مما كان يُعتقد في السابق.