مدراء بنوك يتحدثون عن أزمة "تكدّس الشيقل"

تاريخ النشر

رام الله-أخبار المال والأعمال- تطرق بروتوكول باريس الاقتصادي الذي ينظم العلاقة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائیلي والذي وقع في العام 1994، إلى تنظيم العلاقة المصرفية بين الجانبين خاصة فيما يتعلق بالواقع النقدي في الأراضى الفلسطينية. إذ يلزم البروتوكول البنك المركزي الإسرائیلي علی استقبال عملة الشيقل الفائضة عن حاجة الاستخدام الفلسطيني باعتباره الجهة المصدّرة لهذه العملة.

وبناء على هذه العلاقة، هنـاك اتفاق ينظم طريقة تحويل النقد الفائض من فلسطين إلى إسرائيل عير آليات معينة، تتلخص بأن يتم شحن الفائض مرة كل ثلاثة أشهر وبمبالغ تم الاتفاق عليها بين الجانبين. ومع وجود ایرادين رئيسيين للسوق الفلسطيني من عملة الشيقل وهما: العمال الفلسطينيون في اسرائيل، وفلسطينيو الداخل الذين يتسوقون في الأراضي الفلسطينية، فان التدفقات النقدية بعملة الشيقل تزيد عامًا بعد آخر وسط تعنت الموقف الإسرائيلي بالإبقاء على الشحنات النقدية كما هي، ما يشكّل ضغطًا متزايدًا على البنوك ويعيق عملية التنمية الاقتصادية.

ولا بد من الإشارة إلى أن المشكلة تفاقمت بعد قانون لوكر الذي يحظر المعاملات المالية النقدية في اسرائيل با يزيد عن 11 ألف شيقل، وسط دعوات لضرورة الحد من التداول النقدي في السوق الفلسطينية بعملة الشيقل لصالح التعاملات الإلكترونية، وكذلك اتخاذ سلسلة خطوات من شأنها أن تقلل تداولات الشيقل نقدًا في السوق.

معضلـة دائمة وليسـت مؤقتة

يؤكد عيسى باشا المدير الإقليمي للبنك الأهلي الأردني في فلسطين أن مشكلة تكدّس نقد الشيقل معضلة دائمة وليست مرحلية، نظرًا لتحكم الجانب الإسرائيلي في سقوف الشحنات النقدية المسموح بترحيلها إلى البنوك الإسرائيلية، وعدم مقدرة البنك علی رفض استلام دفعات العملاء النقدية كون تلك الإيداعات تشكّل المصدر الأساسي لتغطية التزامات العملاء وحوالاتهم، مشيرًا إلى أن ذلك يحمّل البنك مصاريـف باهظة تتمثل في توجه البنك إلى اقتراض عملة الشيقل لتغطية المراکز الناشئة عن سحوبات المقاصة والحوالات الداخلية والخارجية لحسابات العملاء، عدا عن ارتفاع تكاليف بوالص التأمين بشكل كبير نتيجة الزيادة الحاصلة في حجم النقد لدى الفروع.
وينوه باشا إلى أن أزمة تكدّس نقد الشيقل تؤثر علی العجلة الاقتصادية بشكل كبير يدعو للقلق، حيث إن تكدّس النقد يتسبب في اتباع البنك بعض الإجراءات التي تحد من قبول ايداعات العملاء النقدية، وهو ما يتسبب في إرباك العجلة الاقتصادية حيث إن النقد هو المصدر الأساسي لتمويل أعمال العملاء.

قانون لوكر يفاقم الأزمة

يقول نضال البرغوثي المدير العام لبنك الصفا إن إسرائيل تحظر بناء على قانون لوكر الذي سنته في العام 2018 ودخل حيز التنفيذ مطلع العام 2019 المعاملات المالية النقدية بما يزيد عن 11 ألف شيقل، في حين تتم عليات التبادل اليومية في الضفة الغربية بالنقد، على عكس السوق الإسرائيلي الذي يستخدم الوسائل التكنولوجية الحديثة التي قللت بشكل كبير من استخدام الأوراق النقدية.

ويتدفق شهريًا إلى السوق الفلسطيني قرابة 1.3 مليار شيقل نقدًا من خلال المال الفلسطينيين الذين يعملون في الداخل، أو عن طريق تسوق فلسطينيي الداخل في أسواق الضفة الغربية، ووصلت كمية الشيقل المتراكمة في البنوك إلى أكثر من ستة مليارات شيقل خلال الفترة الأخيرة، ويتسبب هذا الفائض بأزمة اقتصادية في السوق الفلسطيني لعدم القدرة على تصريفها نتيجة لرفض البنوك الإسرائيلية إيداعها.

ما أثر المشكلة على الاقتصاد الفلسطيني؟

تكدّس المليارات من عملة الشيقل، يعيق قدرة البنوك على منح التحويلات ومساهمتها في التنمية الاقتصادية وتحملها تكلفة تخزين الأموال وشحنها وتأمينها، إضافة إلى أن هذه الأموال المكدّسة بخزنات المصارف لا يمکن استخدامها لأغراض المقاصة، والحوالات، وتبديل العملات، والاعتمادات، ودفع الرواتب، أو استثمارها بعائد وغيرها.

ويشير البرغوثي إلى أن البنوك العاملة في فلسطين تحافظ على حسابات لها لدى البنوك الإسرائيلية لغايات التجارة الخارجية، والاعتمادات المالية، والحوالات، والاستثمار، ونتيجة لعدم استقبال البنوك الإسرائيلية للشيقل تنكشف حسابات البنوك العاملة في فلسطين ويترتب عليها دفع فوائد عالية.

واضطرت البنوك العاملة في فلسطين بسبب تكدّس العملة إلى اللجوء لإجراءات عدة بينها رفض الإيداعات بمبالغ كبيرة أو فرض عمولة تصل إلى نحو 2 في الألف على المبلغ المودع، ما ألحق ضررا بعمل الشركات والتجار الفلسطينيين وعزوفهم عن التعامل مع البنوك.

من جهته، يؤكد أسامة العبادي المدير العام للبنك العقاري المصري العربي أن النقد بالشيقل أصبح مشكلة تزعج المواطنين والبنوك على حد سواء، قائلًا: "لا يخفى على أحد أن السوق الفلسطيني استهلاكي كبير وخاصة للمنتجات والسلع الإسرائيلية سواء الأساسية أو المصنّعة"، لافتا إلى أن المورّد الإسرائيلي لا يقبل تسديد ثمن السلع إلا من خلال الحوالات أو الشيكات ويرفض استلام النقد وذلك وفق تعليمات البنك المركزي الإسرائيلي".

ويضيف "في ظل تحديد البنك المركزي الإسرائيلي سقف قبول الترحيل النقدي من البنول الفلسطينية، نرى أن الشيقل النقدي يتراكم في خزنات البنوك، في حين أن الالتزامات على عملاء البنوك لا تزال سارية ما يضطر البنوك إلى اللجوء إلى تغطية الالتزامات من البنوك المحلية أو الإسرائيلية بتكاليف إضافية تتحملهـا البنوك"، مشيرًا إلى أن تعديل حق الإيداع النقدي ليصبح بنفس يوم العمل فاقم من التكاليف التي تتحملها البنوك.

ويؤكد العبادي أن تكدّس الشيقل في البنوك على حساب العملات الأجنبية الأخرى يقيد إمكانية الاستيراد بحرية، لأن ذلك لايتم إلا بالعملات الصعبة، كما أن العمولات المفروضة على عمليات الإيداع النقدي وتكلفة تكدّس الشيقل بالخزنات تنعكس على التجار، وبالتالي على تكلفة البضائع بالزيادة ما يرفع من أسعار البضائع.

بدوره، يقول أسامة حرز الله المدير الإقليمي لبنك الأسكان في فلسطين إن فائض الشيقل في السوق الفلسطينية يتحول إلى مشكلة حقيقية لدى البنوك، وذلك نتيجة عدم تمكنها من تغطية حساباتها لدى البنوك الإسرائيلية وسلطة النقد من أجل تمرير حوالات وشیكات عملاء البنك، حيث إن العملاء يودعون النقد لدى البنك ومن ثم يقوم هؤلاء العملاء بإصدار شيكات أو إرسال حوالات إلى جهات أخرى من خلال البنوك الإسرائيلية أو سلطة النقد، مشيرًا إلى أن البنوك تقوم بشحن هذه الدفعات النقدية إلى البنوك الإسرائيلية لتغذية حساباتها وأنه في حال عدم تمكنها من شحن النقد لديها لن تتمكن من فعل ذلك.

ويشير إلى أن عدم التمكن من تمرير الحوالات يؤدي إلى توقفىالحركة التجارية لدى السوق الفلسطينية أو الاضطرار إلى الاقتراض من البنوك أو إجراء عمليات المقايضة بالعملات مع بنوك أخرى لتتمكن من تغذية حساباتها لدي البنوك الإسرائيلية بعملة الشيقل، وهذا يشكّل كلفة على البنوك ويعرضها لمخاطر السيولة النقدية، بالإضافة إلى أن تكدّس الأموال بالبنوك يعرضها لمخاطر عمليات السطو أو السرقة أو الاحتيال.

ويرى حرز الله أن مشكلة فائض الشيقل بالسوق الفلسطیني تترك أثرًا على القطاع المصرفي ويتلخص بجانبين مهمين وهما:

الجانب المباشر ويتلخص بالنقاط الآتية:

1- كلفة الاحتفاظ في الكمية العالية من المبالغ لعملة الشيقل بخزنات البنك، وتشكّل كلفة عالية نسبيًا، وذلك بسبب التكاليف المرتبطة بعملية التأمين على هذه الأموال.

2- رفض البنك المركزي الإسرائيلي دفع فوائد على الأموال المكدّسة، وبالتالي استنزاف أرصدة القطاع المصرفي الفلسطيني وفائض سيولته التي تمكنه من ربط الودائع  واللجوء أو الحصول علي تمويلات والاقتراض من بنوك خارجية لتغطية عملياته التشغيلية وتغطية مراكزه، وبالتالي عجزه عن تغطية عمليات عملائه.

3-  وجود فرق كبير ما بين المبالغ المودعة بعملة الشيقل وما يقابلها من صرف لهذه المبالغ، وفي ضوء أن المبالغ المودعة لها تكلفة تدفع على شكل فوائد مدفوعة للمودعين، بالإضافة إلى ما يتعلق بكلفة تأمين وتخزين هذه الأموال، ما يؤدي إلى تراكم خسارة للبنوك، لأن الشيقل المودع لا يتم استثماره داخل السوق الفلسطيني لوجوده بكميات عالية بينما الطلب بمبالغ عالية لتغطية عمليات العملاء والتجارة البينية مع الجانب الإسرائيلي.

4- الحاجة إلى تصريف هذه المبالغ الفائضة بعملة الشيقل ما يؤدي إلى ضغط على القطاع المصرفي.

5- الزيادة في ايداعات العملاء بعملة الشيقل التي تقید في حساباتهم وتتكدّس في خزائن البنوك دون استخدام أو استثمار بسبب عدم الشحن للبنك المركزي صاحب العملة، يؤدي إلى إعاقة قدرة البنوك على الإيفاء بمتطلبات الحوالات والمقاصة التي ترد إليها، إضافة إلى حاجتها لتغطية أرصدتها في المصارف الإسرائيلية للوفاء بقيمة هذه الحوالات التي ترد على حساباتها.

الجانب غير المباشر:

1- هي كلفة تتجسد بالفرصة البديلة من ناحية وجود خلل واضح في تركيبة الموجودات النقدية في القطاع المصرفي من فائض عملة الشيقل وما يقابله من شح في عملة الدينار، وبالتالي وجود حاجة كبيرة لعملة الدينار لا تتوفر عند طلبها، ما يعمل على ضياع فرصة المصارف في تحقيق أرباح إضافية.

2- تخفيض أرباح البنوك والذي يؤثر على مصادر الدخل للدولة والناتجة عن قيمة الضريبة على أرباح البنوك.

3- الجانب المخفي من تحديد سقوف لشحن النقد من قبل البنك المركزي الإسرائيلي والذي يتمحور حول:

- الحد من عمليات التجارة مع فلسطينيي الداخل وعدم التعامل معهم كون أن معظم عمليات التجارة معهم تتم نقدًا.

- تخفيض السياحة الداخلية والتي تتم من قبل فلسطينيي الداخل إلى المدن الفلسطينية في عام 1967.

مع الحسابات الفردية والتجارية ويشكل واضح وصريح وأليات

ينكر أن اتفاق باريس الاقصادي يلزم إسرائيل باستقبال الأموال عن فئة الشيقل في ظل عدم وجود بنك مركزي فلسطيني (هذا من ناحية)، ومن ناحية أخری تفرض الاتفاقيات الدولية أن تعود العملة لموطنها الأصلي".

ما الحل؟

يؤكد مدراء البنوك ضرورة اتخاذ سلسلة خطوات لمعالجة المشكلة يمكن تلخيصها بما يلي:

1- رفع السقف الربع السنوي من قيمة المبلغ المتفق تحويله شهريًا من البنوك الفلسطينية إلى إسرائيل.

2- زيادة وسائل الدفع الإلكترونية، وخاصة لدى التجار وتخفيض العمولات المفروضة عليها، واستخدام البطاقات الائتمانية أو بطاقات خاصة بدلا عن النقد.

3- اعتماد فتح حسابات مصرفية للعمال الذين يعملون بالداخل، وتحويل رواتبهم لدى البنوك الفلسطينية بدلا من استلامها نقدًا.

4- قبول سلطة النقد للشيقل الفائض لدى البنوك حيث يتم ایداع النقد بخزنات سلطة النقد ويقيد المبلغ لحسابات البنوك، وعليه تستخدم الأخيرة هذه الأرصدة لغايات لتقاص، والحوالات، وتبديل العملات ما بين البنوك العاملة في فلسطين (RTGS).

5- وضع الحدود المقبولة من الإيداعات بعملة الشيقل بموجب اتفافيات يتم تنظيمها مع الزبائن.

6- إصدار تعليمات موحّدة وملزمة للبنوك لتحديد التعامل مع الحسابات الفردية والتجارية وبشكل واضح وصريح وآليـات توثيقهــا مــن طــرف البنــوك.

7- أن يــم اســتقبال النقــد بعملة الشيقل عن طريق حوالات أو (حث الزبائن على أن يتم استخدام بطاقات VISA تكون السحوبات عليها لحساب الزبائن الذين يتركز سياسة البيع لديهم جيمعًا نقدًا مثل محطات الوقود والمطاعم والسوبر ماركت وشركة توزيع الكهرباء).

8- إخراج النقد بعملة الشيقل بموجب شيكات مقاصة.

9- أن يتم تحديد سقف للايداعات النقدية على ألا تتجاوز مبلغًا معينًا، وفي حال تم التجاوز يتم استيفاء العمولة علی جميع المبالغ المودعة وبأثر رجعي.

10- تنمية القطاعات الاقتصادية الوطنية مثل المجالين الزراعي والصناعي لتقليل عدد العاملين في الجانب الإسرائيلي، ما يؤدي إلى تخفيض المبالغ النقدية المقدمة على شكل رواتب للعاملين في الداخل.

11- دراسة تطبيق قانون في فلسطين أسوة بما يعرف بـ "قانون لوكر" في إسرائيل الذي دخل حيز التنفيذ مطلع العام 2019 لتقييد المعاملات المالية (النقدية) التي تتجاوز 11 ألف شيقل.

نقلًا عن مجلة البنوك في فلسطين عدد كانون الأول 2021 الصادرة عن جمعية البنوك في فلسطين.