رام الله-أخبار المال والأعمال-خلصت دراسة حديثة لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية "ماس" عرضها خلال ورشة في مقره برام الله وعبر منصة إلكترونية، إلى أن انفكاك الاقتصاد الفلسطيني عن التبعية لإسرائيل ممكن تدريجياً.
وجاءت الدراسة بعنوان "الانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي: المفاهيم النظرية والإمكانات العملية"، وأعدها فريق من الباحثين يرأسه مسيف جميل والباحثان المساعدان عصمت قزمار وإسلام ربيع وراجعها البروفيسور فضل النقيب، وتهدف إلى وضع الأسس العملية والعلمية للحد من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي.
وقال مدير عام المعهد رجا الخالدي في افتتاح الورشة على أهمية الدراسة، وأوضح أن هذه الدراسة هي دراسة شاملة خاصة في موضوع العلاقات مع إسرائيل والتخلص من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، موضحا أن المعهد بادر إلى إجمال هذا النقاش النظري والتجربة الفعلية الفلسطينية، بهدف توضيح مفهوم الانفكاك وكيفية تحقيقه حتى في الظروف الراهنة، من خلال هذه الدراسة الشاملة والفاحصة لحقيقة العلاقة الاقتصادية البنيوية مع القوة القائمة بالاحتلال.
وأشار الخالدي إلى بدائل لتقليل مسار التبعية الضار الذي ما زال يقوض فرص نمو الاقتصاد الفلسطيني، عبر توجهات جديدة تؤدي الى خلق مسار إيجابي يحمي المنتج الوطني، وينوع الشركاء التجاريين، ويعيد تشكيل مصادر الاستهلاك الفلسطيني دون هيمنة المنتج الإسرائيلي، وبالتالي يؤسس لهيكل جديد لاقتصاد وطني منتج، كما تقدم بالشكر للصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي الذي مول إعداد الدراسة.
وفي عرضه للدراسة، ذكر مسيف أنها تناولت المفاصل والتوجهات السياساتية الاقتصادية التاريخية ما بعد احتلال العام 1967، لتوضيح وتحليل هذه التبعية، وتسهيل فهم الأدوات والسياسات لتحقيق الانفكاك التدريجي عن الاقتصاد الإسرائيلي.
وركزت الدراسة على المفاهيم النظرية والعملية للانفكاك الاقتصادي، وبينت المؤشرات التي تقيس درجة التبعية، حيث كان اتجاه هذه المؤشرات عبر السنوات الطويلة سلبياً باتجاه تكريس التبعية.
وأوضح الباحث أن الدراسة تناقش طبيعة العلاقات الاقتصادية الناجمة عن السياسات الإسرائيلية الاحتلالية لعقود عديدة، ضمن منهجية تعتمد على التوثيق والتحليل المترابط للسياسات الإسرائيلية التي رهنت الاقتصاد الفلسطيني وحبسته في غلاف يخدم مصالح الاحتلال على الرغم من اتفاقيات السلام والاتفاقيات الاقتصادية التي تنص على ضرورة ضمان حرية الاقتصاد الفلسطيني وتنميته.
وأشار الباحث إلى أن هناك مسارين يمكن اتباعهما لتحقيق الانفكاك: الأول من خلال استغلال ما هو متاح فلسطينياً بما لا يمس الاتفاقيات الاقتصادية بدون مجابهة اقتصادية، أما الثاني فهو المجابهة الاقتصادية في بعض الحالات، وبخاصة تلك الخروقات الإسرائيلية للاتفاقيات وقواعد التجارة الدولية، وهذا المسار يتطلب جهوداً سياسية، دبلوماسية واقتصادية متواصلة.
وأشار مسيف إلى أهمية التوجه إلى تبني الانفكاك الاقتصادي التدريجي، وذكر أن هناك العديد من التدخلات التي من الممكن تطبيقها فلسطينياً دون المساس بأي اتفاقيات مبرمة تجنباً للخوض في أي مجابهات اقتصادية قد نكون في غنى عنها، إلا في حالة الضرورة، بيد أن الرسالة الأساسية لهذه الدراسة هي: كيفية تقليل التبعية، أو الانفكاك بشكل ذكي بما يراعي المصالح الفلسطينية، من خلال القيام بسياسات تجارية وصناعية، وكذلك تدخلات قطاعية تخص الزراعة والصناعة والطاقة والتجارة والإيرادات، وتوجيه الاستثمارات المحلية. كما أشار الباحث إلى الدور الهام للقطاع الخاص والقطاع الشعبي في تعزيز المنتج المحلي، واستبدال البضائع الإسرائيلية التي لها بديل محلي ببضائع فلسطينية.
وفي تعقيبه على الدراسة، تحدث وزير الاقتصاد الوطني خالد العسيلي عن ثلاث مراحل مر بها الاقتصاد الفلسطيني: مرحلة الاحتلال حتى 1993، وفي ظل السلطة من 1994، وحالياً عن استراتيجية الحكومة للتنمية والانفكاك عن الاقتصاد الاسرائيلي.
وقال "الانفكاك ممكن تدريجيا، وهو أحد استراتيجيات الحكومة الحالية بموجب كتاب التكليف الذي تشكلت على أساسه، وهذا ليس له علاقة بوجود التنسيق الأمني من عدمه".
ولفت إلى ان خطة الحكومة "التنمية بالعناقيد" هي إحدى مكونات استراتيجية الانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي، "وبدأنا بسياسة تشجيع الاستيراد المباشر، حيث انخفضت حصة الصادرات لاسرائيل من الاجمالي من 83.6% في 2018 إلى 81.3% في 2019، وثبتت الواردات عندن 55% ونتوقع ان تشهد انخفاضا في العام 2020".
في المقابل، ارتفعت الصادرات إلى العالم من 16.4% إلى 18.7%.
وقال "نسعى إلى توسيع الأسواق العالمية أمام المنتجات الفلسطينية، ولدينا 20 ملحقاً تجارياً جاهزون للالتحاق بالسفارات لولا جائحة كورونا، ضمن خطة لتعيين ملحقين تجاريين في مختلف الدول".
وفيما يتعلق بدعم المنتجات المحلية، أشار العسيلي الى جملة من البرامج، لدعم الإنتاج المحلي، موضحاً ان السوق الفلسطينية باتت تتمتع باكتفاء ذاتي من الدجاج اللاحم، و85% من لحوم الخراف، و100% من بيض المائدة، وكذا منتجات زراعية أخرى كالبندورة والخيار.
من جهته، قال رجل الأعمال، الخبير الاقتصادي سمير حليلة ان أساس المشكلة بدأت حين اعتبر بروتوكول باريس ملحقاً للاتفاقيات السياسية والأمنية، وليس اتفاقاً اقتصادياً بين كيانين.
وقال إن أدوات فرض التبعية للاقتصاد الإسرائيلية لليس أدوات اقتصادية، وإنما أدوات أمنية عسكرية عنيفة.
وقال "منذ العام 1993، هناك عملية إفشال متواصلة لبروتوكول باريس، من قبل اسرائيل، حيث استمرت كل اللجان المشتركة بالعمل باستثناء اللجنة الاقتصادية، دون ان يكون هناك جهد جدي لتفعيلها.
وقال حليلة ان المؤشرات التي تضمنتها الدراسة لقياس التبعية، وبالتالي الانفكاك، هي صحيحة "لكنها ليست شاملة، داعياً إلى إضافة مؤشرات أخرى كالعلاقة النقدية (البنوك والعملات) حيث تشكل العملة الاسرائيلية عنصر ضغط كبير تمارسه اسرائيل ضد الجانب الفلسطيني، وكذلك قطاع التأمين، والقوائم السلعية (أ و ب)".
وحث حليلة على التعامل مع ملف تقليل التبعية بواقعية وعقلانية، والتحسب لتبعاته، كمصير نحو 200 ألف عامل فلسطيني في الاقتصاد الاسرائيلي، والصادرات، والعلاقة في قطاع الكهرباء، إضافة إلى الابتعاد عن المصطلحات التي لها ثمن سياسي، مقترحا استخدام "مناعة الاقتصاد" بدلا من "الانفكاك".
واستعرض حليلة جملة من الخطوات الضرورية لزيادة هذه "المناعة"، ابرزها العمل بجدية لتفعيل اللجنة الاقتصادية المشتركة، والعمل على اقامة موانئ جافة كمنطقة تخليص جمركي فلسطينية، وإحياء مشروع الضمان الاجتماعي، وتركيز حوافز الاستثمار بقطاعات محددة، والاهتمام بالمنشآت الصغيرة، واستهداف المناطق الأفقر بخطة العناقيد. واستعادة القدس وقطاع غزة كجزأين من السوق الفلسطينية.
وقال "توسيع السوق للمنتجات المحلية ليس بمجرد الترويج لها، وإنما باستعادة القدس وغزة اللتين تشكلان 50% من السوق الفلسطينية.
تاريخ النشر