رام الله-أخبار المال والأعمال-عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، يوم الأربعاء، لقاء طاولة مستديرة (الثامن لعام 2020) بعنوان "جائحة كورونا والحاجة لتطوير قطاع الحماية الاجتماعية في فلسطين"، قدم فيها د. بدر الأعرج أستاذ علم الاجتماع في جامعة بيرزيت الورقة الخلفية، وأدارها رجا الخالدي، المدير العام للمعهد. كما قدم المداخلات الرئيسية كل من داوود الديك وكيل وزارة التنمية الاجتماعية، وبلال ذوابة الوكيل المساعد لشؤون إدارات العمل في وزارة العمل، وأسامة عمرو رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين، ود. أحمد خالد أستاذ مساعد في كلية الحقوق والإدارة العامة في جامعة بيرزيت.
وعقد هذا اللقاء بدعم من قبل مؤسسة هنريش بل-فلسطين والأردن (Heinrich Böll Stiftung Palestine & Jordan). وشارك في اللقاء مدعوون من القطاعين العام والخاص وذوي الاختصاص.
الخالدي: إطلاق سلسلة من الأوراق البحثية والجلسات التشاورية حول الحماية الاجتماعية
وفي كلمته، تطرق الخالدي إلى خلفية سلسلة لقاءات الطاولة المستديرة وأهميتها في مناقشة القضايا الاقتصادية والاجتماعية الهامة وذات الأولوية لصانع القرار الفلسطيني، وبين أن المعهد سيطلق خلال الأشهر القليلة القادمة سلسلة من الأوراق البحثية والجلسات الحوارية المرافقة سيتم التطرق فيها لكافة جوانب إقامة نظام حماية اجتماعية شامل يستجيب للمرحلة التنموية الفلسطينية والمرحلة الاجتماعية التي نمر بها.
وبين أن هذه السلسة تهدف تحديدا لخلق منبر أهلي علمي بمشاركة جميع الفئات والشركاء والمؤسسات المعنية.
ورقة ماس: الضمان الاجتماعي هو أحد المكونات الأساسية لنظام الحماية الاجتماعية الشامل
استعرض الباحث الأعرج في ورقته حالة الانكشاف والضعف الشديدتين اللتان عانت منهما الفئات الأكثر تضرراً في مواجهة الآثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي نجمت عن الجائحة. وأبرز هذه الفئات الفقراء، والعمال، والأشخاص ذوي الإعاقة، والمسنين، والنساء. حيث أدت الجائحة وما نتج عنها من إعلان لحالة الطوارئ وتوقف معظم الأنشطة الاقتصادية إلى زيادة كبيرة في أعداد الفقراء والعاطلين عن العمل في الضفة الغربية وقطاع غزة. كما أدت الى ظهور "فقراء جدد" ارتبط ظهورهم بالظروف التي نتجت عن الجائحة.
وذكر الأعرج أهمية أنظمة الحماية الاجتماعية التي تهتم بمنع وإدارة والتغلب على الحالات التي تؤثر سلبا على رفاهية الشعب. والذي يتكون من "السياسات والبرامج الرامية إلى الحد من الفقر والضعف من خلال تعزيز كفاءة أسواق العمل، مما يقلل من تعرض الناس للمخاطر ويعزز قدرتهم على إدارة المخاطر الاقتصادية والاجتماعية مثل البطالة والإقصاء والمرض والعجز والشيخوخة". أما الأنواع الأكثر شيوعا من أنظمة الحماية الاجتماعية فتشمل الجوانب الأساسية الثلاثة التالية: (الضمان الاجتماعي، شبكة الأمان الاجتماعية، تدخلات سوق العمل).
بين الباحث أن قطاع الحماية الاجتماعية في فلسطين يضم مجموعة كبيرة ومشتتة من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والمؤسسات الدولية على حد سواء. ويتصف بطابع إغاثي خيري، تغيب عنه المأسسة في العمل والاهتمام ببناء مؤسسات قوية تقدم خدمات ذات نوعية رفيعة المستوى. ولا شك أن وجود الاحتلال الإسرائيلي قد أدى إلى غياب مؤسسات الدولة، وضعف تلك المؤسسات، خاصة من حيث قدم أو غياب التشريعات والقوانين التي تنظم العمل في قطاع الحماية الاجتماعية. كما يعاني هذا القطاع من "ضعف في معايير الاستهداف"، ومن "قصور في الموارد البشرية"، كما يغلب عليه "الطابع التنافسي" أو هنالك خلط بالأدوار بين مختلف الشركاء/اللاعبين. هذا إلى جانب غياب عملية التنسيق بين كل هذه الجهات أو المؤسسات وأخذه طابعا "موسميا" أو اقتصاره على أغراض محددة أو فترات متقطعة. هذا بالطبع إلى جانب النقص في الموارد المالية، حيث تعتمد المؤسسات الحكومية وغير الحكومية الفلسطينية على المساعدات الخارجية لتمويل مشاريعها وأنشطتها. كذلك يعاني قطاع الحماية الاجتماعية من ضعف في البنية التحتية.
شدد الباحث على أن قانون الضمان الاجتماعي هو أحد المكونات الأساسية لنظام الحماية الاجتماعية إذ أن نظام الحماية الاجتماعية في أي بلد، لا يقوم دون إيجاد الضمان الاجتماعي، وفي الحالة الفلسطينية لا يوجد حتى الآن قانون للضمان الاجتماعي، وإن كانت تتم معالجة العديد من المسائل الاجتماعية كالتقاعد والعمل من خلال قوانين خاصة.
استعرضت الورقة الاختلافات في المصالح والرؤى بين الأطراف والأفراد المعارضين للقانون قد انعكست على شعارات الحراك الاحتجاجي الذي ظهر واتسع وخاصة في خريف 2018، فهناك من أكد على أهمية وجود القانون وتنفيذه لكن مع إجراء بعض التعديلات عليه، وهنالك من طالب بسحبه أو إلغائه، وهنالك أطراف وجدت في ذلك الحراك فرصة للانقضاض على القانون وإلغائه دون أن تعلن عن ذلك صراحة. بل إن مثل هذه الاختلافات في المصالح والرؤى قد عكست نفسها على مواقف نشطاء وقادة الحراك الوطني والمجتمعي، الذين طالب بعضهم بتعديل القانون فيما طالب البعض الآخر بإلغائه. وقد أدت هذه القضايا الخلافية والاحتجاجات والصراعات إلى تراجع حدة النقاشات والحوارات المتعلقة بالضمان الاجتماعي في المجتمع الفلسطيني إلى حد كبير وإلى فشل "المحاولة الثانية" لإقرار وتنفيذ قانون فلسطيني للضمان الاجتماعي، بعد أكثر من عقد من الزمن على ظهور وفشل "المحاولة الأولى"، ليترك بذلك حوالي مليون فلسطيني/ة من العاملين في القطاعين الخاص والأهلي وكذلك العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر دون حماية اجتماعية يواجهون المخاطر والأقدار كل بمفرده ووفقا لإمكانياته وظروفه.
تساءل فيما إذا كان لجائحة كورونا أثر إلى نفض الغبار عن هذا التحدي المصيري ليطلق الحوار المجتمعي (الثالث) حول مضمون وآليات تنفيذ نظام الحماية الاجتماعية الشامل المنشود. وأشار أيضاً إلى أنه ليس بالغريب أن يؤدي انتشار الجائحة في الأراضي الفلسطينية إلى بروز أصوات متزايدة تطالب بإعادة طرح موضوع الحماية الاجتماعية، بما فيها الضمان الاجتماعي للنقاش الجاد والحثيث، خاصة بعد التصريحات التي أدلى بها وزير العمل الفلسطيني بعد أقل من ثلاثة أسابيع على ظهور الجائحة في الضفة الغربية، وأكد فيها على أهمية وجود قانون للضمان الاجتماعي في ظل الظروف العصيبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني في مواجهة جائحة كورونا.
الديك: كشفت الجائحة جوانب القصور في البرامج الاجتماعية امام أزمة اجتماعية متعاظمة
في تعقيبه على الموضوع، أشار الديك إلى أن مشكلة قطاع الحماية الاجتماعية تمتد إلى ما قبل جائحة كورونا، وما فعلته الجائحة هو الكشف عن هذا الواقع. لكن قطاعا لحماية الاجتماعية لا يمكن فصله عن السياسات الحكومية فهو يتأثر فيها ويعالج قصورها وإقصاءها للفئات الفقيرة والمهمشة، ومنها سياسات العمل، التنمية الريفية والمحلية، سياسات الاستثمار، والسياسات المالية. يجب العمل على تغيير النظرة لقطاع الحماية الاجتماعية على أنه قطاع خيري يقوم على التبرعات والموسمية إلى أن الحماية الاجتماعية حق أساسي من حقوق الإنسان. ويرتبط الحق بالحماية الاجتماعية بتحدي وقف إنتاج المزيد من الفقراء بسبب السياسات الاقتصادية والاجتماعية السائدة. ركز الديك على ضرورة منح فرص متساوية للفقراء والمهمشين في الحصول على الفرص الاجتماعية وتقليص اللامساواة في الفرص وبالتالي في الدخل. دعا الديك إلى ضرورة إصلاح برامج الحماية الاجتماعية التي تعمل من خلالها الحكومة في محاولتها استهداف الفئات الفقيرة والمهمشة من خلال توحيد مصادر التمويل وتوجيهها نحو الحماية الاجتماعية، وتحديث السجل الاجتماعي وبناء قاعدة بيانات تضم الأوضاع المعيشية للفقراء كافة مما يساعد في توجيه المساعدات لمن يستحقها بشفافية وعدالة، وضرورة حوكمة برامج الحماية الاجتماعية، وإطلاق حوار اجتماعي وطني حول منظومة الحماية الاجتماعية والحاجة لها.
وبين الديك أن وزارة التنمية الاجتماعية تقوم بالعديد من الجهود في محاولة لتوفير الحماية الاجتماعية للفئات الفقيرة والمهمشة إلا أن العديد من العراقيل تعيق عملها وأهمها؛ الموازنة الشحيحة المخصصة لوزارة التنمية الاجتماعية والتي لا تتعدى 5% من موازنة الحكومة أي ما لا يزيد عن (820 مليون شيكل سنوياً)، غالبيتها تخصص لبرنامج التحويلات النقدية. لا تزال الوزارة للسنة الثانية على التوالي تواجه صعوبة في دفع مستحقات الأسر المسجلة ضمن قوائم هذا البرنامج بسبب نقص المصادر المالية، كذلك وخلال أزمة كورونا أثبتت برامج الحماية الاجتماعية التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية قصورها عن الاستجابة السريعة في حالات الطوارئ فقد كان الحد الأدنى لعدد الأيام المطلوبة لتنفيذ الدفعات 70 يوم من إصدار قرار الدفع.
عليه أوصى الديك بضرورة إعادة إطلاق حوار اجتماعي حول قانون الضمان الاجتماعي. وتطبيق المادة (121) من قانون التقاعد العام والتي تنص على "فيما عدا موظفي القطاع العام، تتحمل خزينة السلطة الوطنية الفلسطينية تقاعداً أساسياً بمقدار (100) دولار شهرياً لكل من بلغ سن الستين سنة ولم يكن له أي دخل أو مصدر إعالة آخر، وفي حالة توفر مثل هذا الدخل بأقل من مائة دولار يدفع الفرق فقط". كما يشير إلى أن مجانية الحصول على تأمين صحي للفقراء المسجلين في قاعدة بيانات وزارة التنمية الاجتماعية ليس كافي في ظل أن نسبة التغطية ليست 100% وتعد الحماية الصحية جزء أساسي من الحماية الاجتماعية.
ذوابة: ضرورة فتح المجال للحوار الاجتماعي الوطني
من جانبه أشار ذوابة إلى انه لا أحد يختلف على ضرورة وجود منظومة حماية اجتماعية في فلسطين ولا على أهمية تحقيق العدالة الاجتماعية، وضرورتها لتعزيز صمود الفلسطينيين ومقاومة الاحتلال. ويرى ذوابة أنه على الرغم من تواضع برامج الحماية الاجتماعية الموجودة إلى أنه لا بد من الاعتراف بدورها وأهميتها. كما يرى أنه لو تم المصادقة على قانون الضمان الاجتماعي عام 2016 بالتأمينات السبعة التي كان يقترحها لتمكنا من مواجهة الآثار الاقتصادية لأزمة كورونا بالأخص على العاملين في الداخل، وعاملي القطاع الخاص. ودعا ذوابة إلى تكثيف الجهود وتوحيدها ليأخذ كل دوره وممارسة التدخل المطلوب وإلا لن يكون هنالك قدرة على توفير الحماية الاجتماعية، وذلك من خلال فتح المجال للحوار الاجتماعي.
عمرو: على الحكومة إعادة مفهوم الضمان الاجتماعي بطريقة أفضل
بينما أشار عمرو في مداخلته إلى أن هناك مشكلة تمثيل لمختلف الأطراف في فلسطين فإلى الآن لم تتمكن الجماعات في فلسطين من تمثيل نفسها للمطالبة بحقوقها سواء للقطاع الخاص أو العمال، أما عن دور القطاع الخاص فيرى عمرو أن القطاع الخاص الكبير والقوي يزود الدولة بالموارد المالية والضرائب. وعن المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص، رأى عمرو أن القطاع الخاص مشغول في بناء الدولة وتنميتها، وأن المسؤولية بالأساس حكومية ولا تقع على عاتق القطاع الخاص إلا في حال سنت الدولة قوانين تفرض على القطاع الخاص مساهمات معينة. لكن على الحكومة دور كذلك في توفير الظروف الاقتصادية التي تسمح للقطاع الخاص أن يزيد نشاطه ويخلق فرص عمل. أما عن قانون الضمان الاجتماعي، فأشار إلى ضعف ثقة العاملين في استرداد حقوقهم وعليه على الحكومة إعادة تسويقه بطريقة أفضل تجيب على تساؤلات المواطنين فيما يخص ضمان حقوقهم.
خالد: مراجعة الثغرات والمشاكل في القانون السابق وإعادة بناء الثقة بين أطراف الإنتاج الثلاث
فيما بين خالد أن سيادة القانون تعزز نظام الحماية الاجتماعية، كذلك وجود نظام حماية اجتماعية يحتاج لسيادة القانون. وتعطل قطاع القضاء والمحاكم بسبب جائحة الكورونا أدى إلى تجاوزات كبيرة في قضايا النفقة حيث تم استغلال هذا الوضع للتخلف عن الدفع. وأن إيجاد نظام للحماية الاجتماعية يتطلب وجود قانون للضمان الاجتماعي لا يعتمد على المساعدات إنما يعتمد على المساهمات مما يرفع العبء عن مؤسسات الحماية الاجتماعية، وعليه من المهم مراجعة الثغرات والمشاكل التي كان يعاني منها القانون السابق ومنها إعادة بناء الثقة بين أطراف الإنتاج الثلاث، وتوضيح آليات إدارة الصندوق والاتفاق على الجهة التي ستديره. وضرورة الحزم في تطبيق قانون الحد الأدنى للأجور في توفير الحماية الاجتماعية.
فيما تمحورت مداخلات المشاركين إلى أن هناك قصور شديد في ربط السياسات الاقتصادية في السياسات الاجتماعية على المستوى الوطني. وأهمية بناء سياسات اقتصادية حساسة للفئات الضعيفة والمهمشة. وبالأخص أن الأعباء المعيشية في فلسطين ترتبط بتكلفة المعيشة لدى دولة الاحتلال بينما الأجور تقل بكثير عن مستوى الأجور لديهم. كذلك إلى أهمية وضرورة توفير الخدمات الصحية وخدمات ذوي الإعاقة وضمان وصولهم لها في الأوضاع الطبيعية وحالات الكوارث كما في حالة جائحة كورونا، بالأخص الإناث ذوات الإعاقة حيث يعانين من التمييز في حال كن يعانين من إعاقة في عائلة فيها أفراد آخرين من ذوي الإعاقة من الذكور.