رام الله-الأيام-سائد أبو فرحة- "نحن أمام معضلة حقيقية، فموظفونا معتادون منذ نحو 45 عاماً على أخذ عيدية بقيمة نصف راتب قبل حلول عيد الفطر، لكن ما يتوفر لدينا من موارد لا يكفي لا لتغطية العيدية ولا راتب الشهر الحالي"، يقول تيسير أبو سنينة، رئيس بلدية الخليل.
بلدية الخليل تعتبر واحدة من أكبر البلديات على المستوى الوطني، لكن بشهادة رئيسها فإن وضعها المالي بات عقب أزمة كورونا "مأساويا".
يقول أبو سنينة: نحن في وضع مالي لا نحسد عليه، إذ انخفضت إيراداتنا بصورة هائلة، فمثلاً خلال الشهر الماضي وصلت إلى 240 ألف شيكل نقداً، مقابل 160 ألف شيكل شيكات، وهي أرقام لا تقارن مع حجم مواردنا في الأوضاع العادية.
ويضيف: التزاماتنا الشهرية مع بعض النفقات (الشيكات) للمقاولين تبلغ 9 ملايين شيكل شهرياً، من هنا فإن وضعنا المالي صعب جداً، علما أن وزارة المالية لم تحول لنا أي شيء من مستحقاتنا عن ضريبتي الأملاك، والسير على الطرق منذ العام 2014، بحجة أننا بلدية مدينة، ورغم تشكيل لجنة لحل هذا الأمر أي ملف دين البلدية للحكومة، لم يحصل شيء.
ويبلغ عدد موظفي البلدية مع المتقاعدين 1600 موظف، ورغم الوضع المالي الصعب الذي يلقي بظلاله على البلدية، فقد التزمت حسب أبو سنينة، بدفع رواتب موظفيها كاملة عن الشهرين الماضيين.
حال هذه البلدية يمثل نموذجاً على الواقع المالي المتردي للكثير من البلديات، مثل بلدية رام الله، التي قرر مجلسها الأسبوع الماضي، صرف راتب شهر نيسان بنسبة 60% وبحد أدنى 2000 شيكل، باستثناء الطواقم التي عملت فترة الطوارئ، حيث تم صرف كامل الراتب لها، إضافة إلى مكافأة مالية تقديراً لجهودها خلال الفترة الماضية، بعد أن بادرت نقابة الموظفين والعاملين بطلب اقتطاع 5% من رواتبهم لصالح زملائهم الذين داوموا في فترة الإغلاق.
"نحن نعاني من أزمة سيولة حادة، بسبب انعدام الإيرادات المتأتية من الرسوم التي تجبيها البلدية، نتيجة لحالة الطوارئ بفعل جائحة كورونا، وعدم صرف مستحقات البلدية الموجودة لدى وزارة المالية"، يقول موسى حديد، رئيس البلدية، التي تعمل وفق موازنة طوارئ.
ويقول: نحن كما سائر البلديات لم نتوقف عن تقديم الخدمة طوال الفترة الماضية، وأدينا مهامنا على أكمل وجه، لكن للأسف فإنه في خطة الطوارئ الخاصة بالحكومة لم يراع تخصيص جزء منها للبلديات، التي تقوم بسلسلة واسعة من التدخلات ليست كلها في الأصل ضمن مسؤولياتها.
حسب حديد، وهو رئيس الاتحاد الفلسطيني للهيئات المحلية، فإن الأخيرة بحكم الجائحة تتحمل أعباء إضافية، مثل أعمال التعقيم والتعامل مع النفايات الطبية، وغيرها من المهام التي لم تكن موجودة من قبل، ما يزيد من حجم الضغوط، والالتزامات الواقعة على كاهلها.
موسى يعتقد أن عودة الإيرادات إلى سابق عهدها سيستغرق عدة أشهر، مضيفا "قطاع الحكم المحلي يواجه معاناة حقيقية تستدعي تدخلا سريعا من الحكومة".
وهو يشير إلى أن عدد الهيئات المحلية في فلسطين 470 هيئة محلية، ما بين بلدية ومجلس قروي، لكنه يؤكد أن مستوى المعاناة متفاوت من هيئة محلية لأخرى.
ويقول: هناك بلديات لها مستحقات، بخلاف أخرى عليها ديون للحكومة، لكن عموما في ظل أزمة كالتي نعيش، يفترض أن يكون هناك مخصص من الحكومة لهذا القطاع، أسوة بسائر القطاعات، لكن هذا للأسف لم يحصل.
ومن وجهة نظره، فإن استمرار الوضع الحالي سيجعل البلديات غير قادرة على الاضطلاع بمسؤولياتها.
ويدلل على ما يذهب إليه ببلدية رام الله بالذات، ويبلغ عدد موظفيها 470 موظفاً، "إذ لن نكون قادرين على دفع رواتب موظفينا".
ويقول: موظفو البلديات لم يتوقفوا للحظة عن تقديم الخدمات للمواطنين، لكن الوضع المالي يستدعي منا قرع الجرس، لأننا في وضع عسير جداً.
وغير بعيد عن رام الله، وتحديداً توأمها البيرة، فإن رئيس بلديتها عزام اسماعيل، يصف الوضع المالي للبلدية بـ "السيئ"، لاعتبارات تتعلق أساساً بتوقف الإيرادات، وعدم تحويل وزارة المالية لمستحقاتها من ضريبة الأملاك، "فهناك أكثر من خمسة ملايين شيكل متراكمة لنا عن عدة سنوات".
إسماعيل يشير إلى مطالبة البلدية حتى قبل أزمة كورونا من وزارة المالية، بتحويل مستحقاتها من الضريبة، ما لم يتم، مضيفا: "الآن بعد الأزمة من الواضح أن الحكومة غير قادرة على تحويل هذه المستحقات".
ويوضح أن إيرادات ضريبة الأملاك تشكل نحو 50% من موازنة البلدية بشكل عام، مبيناً بالمقابل أن البلدية اضطرت مؤخراً إلى الاقتراض من ضريبة المعارف لتسيير أمورها.
ويقول: المصاريف الشهرية الثابتة للبلدية تصل إلى 2ر4 مليون شيكل، لكننا قمنا بخفضها إلى 2ر3 مليون شيكل، وقد تمكنا من دفع كامل الرواتب لموظفينا وعددهم 370 موظفاً عن الشهرين الماضيين.
بيد أنه يحذر من "أن البلدية تستطيع الاستمرار بالوضع الحالي شهرين إلى ثلاثة أشهر على أبعد تقدير، لكن دون تنفيذ أي مشاريع".
وإذا كان هذا حال بلديات الضفة، فإن نظيرتها في قطاع غزة، لا تبدو أفضل حالا، اذ أعلنت في وقت سابق عن تقليص خدماتها الأساسية المقدمة للمواطنين بشكل تدريجي، تجنبا للانهيار، وتقديم الخدمة لأطول فترة ممكنة تبعا للامكانات المتاحة.
وعزت البلديات قرارها خلال مؤتمر صحافي عقده عدد من رؤسائها خلال الأسبوع الماضي، إلى الانخفاض الحاد في الجباية، وعدم تسديد المواطنين للرسوم المستحقة عليهم، محذرة من توقف خدماتها إذا استمرت الأزمة المالية.
وفي المقابل، فإن وزارة الحكم المحلي تؤكد إدراكها لواقع الهيئات المحلية، لكنها ترى أن الأمور في طور التحسن مع التخفيف التدريجي للإجراءات الاحترازية المفروضة للتعامل مع "كورونا".
"يجب عدم وضع البلديات ضمن سلة واحدة"، يقول مجدي الصالح، وزير الحكم المحلي، مضيفا: "الشهر الماضي كان دخل البلديات صفراً، لكن بعد الإجراءات التخفيفية التي قامت بها الحكومة، استأنف الكثير من البلديات أعمالها، وبات المواطنون يدفعون لها بدل رسوم وغيرها، بالتالي فإننا نتوقع أن تتعافى شيئا فشيئا من الوضع الذي تعاني منه".
ويلفت إلى قيام الوزارة باتخاذ جملة من التدخلات لمساعدة البلديات مالياً، عن طريق صندوق تطوير وإقراض الهيئات المحلية.
ويوضح أنه سيتم تحويل دفعة مالية للبلديات عن رسوم الأملاك وضريبة النقل على الطرق غداً، على أن يصار انطلاقا من الشهر المقبل، تحويل هذه الدفعات من وزارة المالية بانتظام.
ويقول: هناك اتفاق مع وزارة المالية بخصوص آلية تحويل الدفعات عن ضريبتي الأملاك والنقل على الطرق، ولا أعتقد أنه ستكون هناك مشكلة على هذا الصعيد.
وهو يشير إلى أن الصرف سيراعي إعطاء أولوية للبلديات الأكثر تأثراً بسبب جائحة "كورونا".
وبالنسبة للبلديات المدينة، يبين أن ديونها ناجمة عن عدم تسديد رسوم الكهرباء والمياه، موضحاً أنه يفترض بهذه البلديات دفع رواتب موظفيها كالمعتاد، طالما أنها لا تدفع نظير الكهرباء والمياه، ويقع دفعها في النهاية على عاتق الحكومة.
ويقول: في طولكرم مثلاً لا يدفع لنا بدل فاتورة الكهرباء، لكن في النهاية فإنها تخصم مباشرة من المقاصة، بمعنى أن الحكومة تحمل أعباء كبيرة عن كثير من البلديات.