تحليل: قدرات القطاع الصحي تفرض على الحكومة التروّي في تحريك العجلة الاقتصادية

تاريخ النشر
تحليل: قدرات القطاع الصحي تفرض على الحكومة التروّي في تحريك العجلة الاقتصادية
قيود على الحركة في المحافظات الفلسطينية-الصورة من رام الله-تصوير وفا

رام الله-أخبار المال والأعمال- "اصبروا معنا الربع ساعة الأخيرة، صبركم هو الأهم لأن حياة أولادكم مهمة وحياتكم مهمة، وأنا أدرك التنازع بين الإجراءات الاقتصادية والإجراءات الصحية. ما نريده هو الاستمرار في التوازن بين صحة الناس وقدرتها على أن لا تنام جائعة. وعليه فإن إجراءاتنا مستمرة"، هذا ما أكده رئيس الوزراء محمد اشتية في ختام كلمته خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم الاثنين في رام الله.

دعوة رئيس الوزراء للصبر، تبدو موجهّة لكافة المواطنين الخاضعين لحجر منزلي إلزامي منذ إعلان حالة الطوارئ في الخامس من آذار الماضي، إلا أنها تحمل رسالة للقطاع الخاص وأصحاب الأعمال والتجار الذين بدأ صبرهم ينفد من إغلاق شركاتهم ومصالحهم، وباتوا يمارسون ضغطا على الحكومة باتجاه استئناف الحركة الاقتصادية تدريجيا.
اشتية، الذي يتمتع بخبرة وتجربة في مجال الاقتصاد، أكاديميا وعمليا، يعّي تماما أهمية دفع عجلة الاقتصاد، لكنه مقتنع تماما أنه من المبكر الحديث عن عودة النشاط الاقتصادي لحالته الطبيعية، في ظل تسجيل مزيد من الإصابات بفيروس كورونا، والخشية من تفشي أكبر للوباء.
وتستند قناعة اشتية، وقراراته في هذا الشأن، إلى درايته التامة بإمكانات القطاع الصحي الفلسطيني، وعدم قدرة المستشفيات والكوادر الطبية الفلسطينية على التعامل مع عدد كبير من المصابين بالفيروس في فترة زمنية متقاربة، وبالتالي فإن الخيار الوحيد أمام حكومته هو إغلاق شبه كامل للمنشآت الاقتصادية والصناعية والتجارية، مع استثناءات مدروسة وبسيطة لبعض القطاعات الهامة والضرورية لاحتياجات المواطنين.
ووفقا للمعطيات، فإن الحكومة هي المتضرر الأكبر من تعطل الحياة الاقتصادية، وقد يصل إنخفاض إيراداتها إلى 70% في حال استمرت الأزمة لعدة أشهر قادمة، إلا أن اشتية يرى أن صحة وسلامة أبناء شعبنا لا تحتمل المجازفة، رغم أن عدد من وزراء حكومته يحاولون الدفع باتجاه استئناف النشاط الاقتصادي بصورة تدريجية.

ويطرح اشتية مجموعة من الأفكار القابلة للتطبيق، بهدف اسناد الأفراد والقطاعات المتضررة من الأزمة، خاصة قطاع السياحة والخدمات والمشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، سواء من خلال السعي لتشكيل صندوق إقراض ميسّر، أو تأسيس صندوق "وقفة عز" وتسليم قيادته لشخصيات معروفة من القطاع الخاص، بهدف جمع تبرعات للأسر والعمال المتضررين اقتصاديا، أو من خلال التنسيق مع وزارة المالية وسلطة النقد لاتخاذ إجراءات مساندة للأفراد والشركات.

"أزمة كورونا" التي ستدخل الاقتصاد العالمي في حالة ركود وانكماش، دفعت حكومات العديد من دول العالم إلى تقديم رزم تحفيز مالية لدعم القطاع الخاص فيها، إلا أن الواقع الفلسطيني يختلف تماما عن دول الإقليم والعالم، وفقا لما أكده وزير المالية شكري بشارة.

وقال بشارة في لقاء خاص مع صحفيين عبر تطبيق "زووم" إن "فلسطين تفتقر الى الأدوات المالية المتوفرة في الدول الأخرى، إذ لا يوجد عملة تتيح طبع المزيد من النقود، كما لا يوجد سندات، ومحرومون من استغلال مواردنا، لهذا فإننا نعتمد على الاقتراض المباشر من البنوك، وهو نموذج فريد بين الدول".
وأضاف: "الحوافز للقطاع الخاص بحاجة الى نقاش طويل، أدوات التحفيز المتوفرة في الدول الأخرى غير متوفرة لدينا، وبدأنا من نقطة ضعيفة للغاية".
وتابع: "نسعى لوضع أسس لمساعدة الشركات الصغيرة، هناك أشكال عديدة يجري نقاشها ونأمل ان تتبلور بوضوح خلال شهر".

وفي هذا الجانب، يرى اشتية إنه رغم معاناة الاقتصاد تحت التدابير الحكومية لمواجهة الوباء، والتوقعات بأن النمو الاقتصادي سيتراجع بشكل كبير، وسيدخل اقتصادنا في حالة ركود وانكماش، إلا أن هذه الأزمة العالمية لم تدمر المنشآت كما في الحروب العادية وبالتالي انعاش الاقتصاد ممكن، ولكن يحتاج إلى وقت.

ويضيف: "في اقتصاد صغير الحجم مثل الاقتصاد الفلسطيني، فإن قدرتنا على التعافي سوف تتحقق خلال فترة زمنية أقصاها 12 شهرا".
ويمكن القول، أن الاقتصاد الفلسطيني بكافة مركباته، والذي مرّ بأزمات وتقلبات استثنائية، من اجتياحات الاحتلال للمدن وتدمير البنى التحتية، والحصار والحواجز والإغلاقات، وصولاً إلى الأزمات المتعلقة بشح المساعدات الدولية، وآخرها "أزمة المقاصة"، قادر على التعافي والعودة أقوى مما كان.
والمهم الآن أن يتعافى شعبنا صحيا ويتجاوز خطر هذا الوباء، ولن يتم ذلك إلا بإبقاء أكبر عدد ممكن من المواطنين في بيوتهم منعا للاختلاط وانتشار العدوى.