رام الله-وفا–جعفر صدقة- "لدينا مخزون كبير من السلع الاساسية يكفي لفترة من اربعة اشهر إلى عام كامل، بحسب مدة صلاحية السلعة، وطالما المعابر مفتوحة أمام الاستيراد، ولا مبرر على الاطلاق لرفع الاسعار"، هكذا رسم الصورة مدير عام حماية المستهلك ابراهيم القاضي، بينما كان في جولة بأسواق رام الله برفقة عناصر من الضابطة الجمركية والمخابرات العامة والأمن الوقائي، الخميس المنصرم، كانت نتيجتها تحويل تجار ومصنعين الى النائب العام.
خلال الايام القليلة الماضية، ارتفع الدولار الأميركي امام سلة من العملات الرئيسية، بينما شهد الشيقل الاسرائيلي تراجعا لاسباب محلية تتعلق بالاقتصاد الاسرائيلي، ليضاعف نزيفه امام الدولار الذي يزداد قوة في الاسواق العالمية، وهذا الارتفاع هو الحجة التي اتخذها بعض التجار لرفع اسعار السلع.
وبحسب الخبراء، ارتفاع الدولار لا يعكس قوة تستند الى اداء الاقتصاد الاميركي، فعلى العكس من ذلك، فإن اداء الاقتصاد والخطوات المفاجئة للاحتياطي الفدرالي (المركزي الاميركي) بخفض الفائدة الى صفر وغيرها من سياسات التيسير النقدي كشراء سندات بخمسمئة مليار دولار، مدعاة لانخفاض الدولار، وهو هدف طالما سعى اليه الرئيس الاميركي دونالد ترمب منذ توليه السلطة قبل نحو ثلاث سنوات، فلماذا ترتفع العملة الاميركية؟
مع الانتشار السريع لفيروس "كورونا" المستجد، اتخذت جميع الدول تقريبا خطوات غير مسبوقة لعزل نفسها عن باقي العالم في مسعى لابطاء انتشار الفيروس، الامر الذي اصاب معظم القطاعات الاقتصادية بحالة من الشلل، وانهارت اسواق المال في العالم، رافق ذلك حرب اسعار في قطاع النفط، كل ذلك، مع التنبؤات السوداوية لاتجاهات الاقتصاد العالمي، دفع الناس حول العالم الى الذعر والفرار من جميع الاصول كالاسهم والسندات وعقود السلع وحتى الذهب، وتسييلها للانفاق على متطلبات مواجهة انتشار الفيروس، فتهافتوا على الدولار الذي بات الملاذ الآمن الوحيد في هذه الظروف، وهذا هو السبب الوحيد لتحليقه في مستويات عالية خلال الايام الاخيرة.
امام الشيقل الاسرائيلي (عملة التداول اليومية في الاراضي الفلسطينية في عمليات البيع والشراء)، ارتفع الدولار بحوالي 12% منذ بداية العام، ورغم انخفاضه خلال اليومين الماضيين بعد تدخل البنك المركزي الاسرائيلي، الا انه ما زال مرتفعا بنسبة لا تقل عن 10%، الامر الذي يزيد كلفة استيراد السلع من الخارج، ومعظمها يتم تسديد ثمنها بالدولار. هذه هي الحجة التي تذرع بها بعض التجار لرفع اسعار السلع على مدى الايام القليلة الماضية، لكن إلى اي حد هذه الحجة منطقية؟
"نحن نستورد بالدولار، وارتفاعه يعني كلفة اعلى خصوصا ان البيع يتم بالشيقل. كلما ضعفت العملة المتداولة محليا ارتفعت الاسعار"، يقول نصر عبد الكريم استاذ الاقتصاد في الجامعة العربية الامريكية.
لكن، يضيف، "رفع الاسعار بشكل فوري غير مبرر، خصوصا ان ما هو متوفر في الاسواق، وكذا المخزون الاحتياطي من السلع، تم استيراده بالأسعار القديمة."
ويتابع: تأثير تغير سعر صرف الدولار على اسعار السلع يحتاج الى شهرين على الاقل، هذا اذا كان هناك اخلاق وتركنا الامر لآليات السوق، لكن ما يحدث من رفع فوري للسلع هو استغلال للحالة التي نعيشها للتربح غير المشروع، وهذا ينطبق ايضا على اسعار النفط التي تتهاوي في الاسواق العالمي، لكن تأثيرها في الاسوق المحلية يحتاج الى شهر او شهرين حيث يشترى النفط بعقود آجلة".
يقول: ما نعلمه ان التجار استوردوا كميات كبيرة من السلع الاساسية استعدادا لشهر رمضان، وهي بالمعدل تكفي لاكثر من ستة اشهر، وبالتالي فلا مبرر لاي ارتفاع في الاسعار حاليا، واذا حصل فهو يعكس تشوها في السوق واستغلال بعض التجار للحالة التي يعيشها العالم في احتكار السلع، ومنع ذلك هو من مهمة الحكومة، اذ لا يحتفظ الناس بسجلات لأسعار السلع التي يشترونها".
كذلك، فإن التعليمات الاخيرة لسلطة النقد، خصوصا بتأجيل اقساط القروض لأربعة اشهر على المقترضين الافراد وستة اشهر للمنشآت السياحية، جنب هؤلاء المقترضين الضغوط الناتجة عن ارتفاع الدلار.
ويضيف عبد الكريم: ارتفاع الدولار يؤثر سلبا على من يتقاضون دخلهم بالشيقل وعليهم التزامات بالدولار، او الدينار الاردني المرتبط به، هذا يحمل الافراد والشركات الصغيرة والمتوسطة اعباء اكبر. لكن تأجيل اقساط القروض سيجنبهم بعض الخسائر".
خلال الايام القليلة الماضية، كثفت طواقم حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني والضابطة الجمركية من جولات التفتيش في الاسواق والمحلات التجارية، وهذه الموجة من الرقابة تتم برفقة عناصر من الاجهزة الامنية، وتحديدا المخابرات العامة والامن الوقائي، وتتخذ اجراءات فورية بحق المخالفين والتجار، اذ بادرت امس الى اغلاق محلات تجارية في اريحا، وقبلها بيومين احالت تاجرا في نابلس واثنين اخرين في رام الله الى النيابة العامة لرفعهم غير المبرر للاسعار، اضافة الى مالك مصنع ينتج نوعا من المعقمات يتلاعب بحجم العبوات خلافا لما هو مثبت على العبوة (400 سنتمتر مكعب بدلا من 500).
ابرز السلع التي لوحظ رفع سعرها بشكل فوري صنفا معينا من الارز (شقحة) بحسب وزارة الاقتصاد، لكن جمعية حماية المستهلك قالت إن الرفع طال سلعا اخرى.
وقال القاضي: بعض التجار حاولوا رفع الاسعار، وهو رفع غير مبرر اذ ان السلع موجودة اصلا في المخازن، فعلى اي اساس يتم رفعها؟"، مضيفا ان "بعض التجار حاولون استغلال الظروف التي نعيشها. ينشرون اخبارا لتهيئة الناس لرفع الاسعار، وهذا لن نسمح به."
واضاف: النتيجة اننا تمكنا من الحفاظ على الاسعار، وحصلنا على فواتير للتثبت من التزام التجار"، موضحا ان وزارة الاقتصاد اجرت حصرا لمخزون السلع المتوفرة "ومعظمها يكفي لعام كامل على الاقل، فيما يكفي مخزون الطحين اربعة اشهر، وهذا يعود لقصر مدة صلاحية الطحين، كما ان المعابر مفتوحة امام الاستيراد، ولا يوجد اي مبرر لرفع الاسعار".
غير ان القاضي اشار الى اتساع ظاهرة رفع الاسعار في القرى اكثر منها في مراكز المدن، مؤكدا ان "طواقم الوزارة بدأت بمتابعة هذه الظاهرة في القرى ايضا".
وفي وقت اشاد رئيس جمعية حماية المستهلك في محافظة رام الله والبيرة صلاح هنية باجراءات وزارة الاقتصاد، قال إن الجمعية تتلقى عشرات الشكاوى يوميا بشأن رفع الاسعار، في مختلف المحافظات، "ونحيل هذه الشكاوى الى الجهات المختصة".
واضاف: نتابع جهود ضبط الاسواق مع وزارة الاقتصاد، سواء فيما يتعلق بتوفر اسلع او الاسعار. تأكدنا ان المخزون يكفي لعدة اشهر، كما ان هناك جهودا لاستيراد المزيد من السلع الاساسية، حيث قامت العديد من الشركات العالمية بالاتصال بالمستوردين الفلسطينيين لترتيب توريد طلبياتهم قبل اغلاق محتمل لمسارات التجارة، كما ان تركيا على سبيل المثال، اغلقت مناطق تخليص جمركي امام التجار من جنسيات اخرى، لكنها ابقتها مفتوحة أمام التجار الفلسطينيين حصرا، في حين سرعت وزارة الزراعة اجراءات مناقصة توريد الاغنام الحية ضمن الكوتا السنوية ليتسنى استيرادها قبل شهر رمضان".
واضاف: كل ذلك يعزز المخزون من مختلف السلع الاساسية، وهو في الاصل على قدر كبير من الكفاية، لهذا لا نرى اي مبرر سواء لتهافت الناس على شراء السلع او لرفع اسعارها من قبل التجار".