رام الله-وفا-جعفر صدقة-وفق سلطة النقد، فإن حزمة التحفيز التي أعلنتها، يوم الأحد، ستتيح ضخ 1.5 مليار دولار في الاقتصاد على مدى أربعة أشهر، سيظهر تأثيرها في الأسواق التي تعاني ركودا، اعتبارا من بداية شهر نيسان المقبل.
الإجراء الأبرز ضمن حزمة التحفيز هذه، تأجيل أقساط القروض لجميع المقترضين الأفراد لمدة أربعة أشهر، وإجمالي هذه القروض حتى نهاية شهر كانون الثاني الماضي حوالي 3.7 مليار دولار، وتأجيل أقساط القروض للفنادق والمنشآت السياحية، الأكثر تضررا من أزمة "كورونا"، لمدة ستة أشهر، علما أن إجمالي القروض المقدمة لهذا القطاع تبلغ حوالي 81 مليون دولار. وكلا الإجراءين قابلين للتمديد، حسبما ورد على لسان محافظ سلطة النقد عزام الشوا.
"تأجيل التزامات الفنادق والمنشآت السياحية خطوة ايجابية، لكنها لا تكفي"، قال الياس العرجا، رئيس جمعية الفنادق العربية في فلسطين.
وأضاف العرجا: صحيح أن تعليمات سلطة النقد تقضي بتأجيل أقساط قروض هذه المنشآت لمدة ستة أشهر، لكن هذه المنشآت لن تتمكن من العمل قبل مرور عام على الأقل من انتهاء أزمة "كورونا"، وخصوصا في مدينة بيت لحم. استعادة السياحة لن تكون ممكنة حتى تنتهي الأزمة في دول المصدر، وخصوصا أوروبا، ولا مؤشرات على ذلك في ضوء تسارع انتشار الفيروس في الدول الأخرى، وتحديدا الأوروبية والولايات المتحدة".
في السنة الأخيرة، كان معدل النزلاء في فنادق بيت لحم 9 آلاف نزيل يوميا، ينفقون نحو 700 ألف دولار يوميا، نصفها للإقامة في الفنادق (بمعدل 40 دولارا للفرد)، والنصف الآخر ينفقونه في الأسواق، وخصوصا في محلات الهدايا والتحف والمطاعم، "هذه المبالغ تراجعت الى الصفر، واستئناف تدفقها يحتاج الى أكثر من عام"، قال العرجا.
وأضاف: "مطلوب جدولة لفترة أطول لالتزامات الفنادق والمنشآت السياحية، وخصوصا في بيت لحم".
الجزء الأكبر من السيولة المنتظرة في الأسواق، وفقا لتعليمات سلطة النقد، ستأتي من تأجيل أقساط قروض الأفراد، حيث وصل اجمالي هذه القروض الى 3.7 مليار دولار، يسددون اقساطا شهرية بعشرات ملايين الدولارات، ستكون متاحة للإنفاق في الأسواق على مدى الشهور الأربعة القادمة على الأقل.
تاريخيا، فان الاستهلاك، الحكومي والخاص، هو المحرك الأساسي لنمو الاقتصاد الفلسطيني، وخلال السنوات الأخيرة شهد النمو الاقتصادي تباطؤا ملحوظا، وانكماشا في بعض السنوات، نتيجة للتراجع الحاد في الاستهلاك، فيما يعزوه كثير من المحللين والمراقبين الى تآكل القوة الشرائية للمواطنين لأسباب عدة، أبرزها انخفاض الدخل المتاح للإنفاق في ايدي المواطنين بسبب التزاماتهم تجاه البنوك، اضافة الى الصعوبات المالية التي تعانيها الخزينة العامة بسبب اقتطاعات اسرائيل من المقاصة والانخفاض الحاد في تحويلات المانحين، وحتى قبل أزمة "كورونا"، كان الاقتصاد بحاجة الى حزمة تحفيز كالتي أعلنتها سلطة النقد.
"الهدف اتاحة سيولة كبيرة نسبيا، تتراوح بين 300 و400 مليون دولار شهريا على مدى الأشهر الأربعة القادمة. هذه الأموال ستكون متاحة بشكل فوري للإنفاق في الأسواق، وهذا جيد" قال الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم.
وفي وقت رأى عبد الكريم في تعليمات سلطة النقد "خطوة ايجابية بالمجمل، وضرورية خصوصا لجهة تأجيل أقساط القروض"، الا انه ابدى تحفظا على تعليق تصنيف بعض العملاء (الشركات الصغيرة والمتوسطة والأفراد المتضررين من الأزمة) على نظام الشيكات المرتجعة.
وقال: "نشهد منذ سنوات ارتفاعا في عدد وقيمة الشيكات المرتجعة، وهناك جهود كبيرة لخفضها. نظام التصنيف هو الإجراء الرادع الأهم في هذا المجال. التعليمات الجديدة لسلطة النقد توفر غطاء شرعيا لإعادة الشيكات وهذا يضر بجهود سنوات للحد منها".
وأضاف عبد الكريم: "نتفهم الصعوبات التي خلقتها هذه الأزمة، وكان حريا بسلطة النقد عدم الاعلان عن تعليق التصنيف، وترك الأمر للتسوية بين العميل وبنكه".
تعليمات سلطة النقد شملت ايضا تأجيل استحقاق الاعتمادات المستندية والسحوبات للأشهر الأربعة القادمة قابلة للتمديد، وهي عبارة عن التزامات قدمتها البنوك لموردي السلع نيابة عن المستوردين، وايضا تسهيل إجراءات تمديد سقوف بطاقات الائتمان والسقوف الممنوحة للعملاء والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والعملاء الأفراد المتضررين من الأوضاع الاقتصادية، وتوجيه الائتمان الجديد للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة، ومنح سقوف ائتمانية مؤقتة للعملاء بما يسهم في الحفاظ على استمرار الدورة الاقتصادية، وتوفير الائتمان المباشر لقطاع الخدمات الصحية لما له من أثر مباشر في تمكين الحكومة والقطاع الخاص من التصدي للوباء.
خلافا لأزمات سابقة، والتي شهدت جدلا حول تقاسم أعبائها، فان البنوك تتحمل عبء تحفيز الاقتصاد في مواجهة تداعيات "كورونا"، بنسبة تقترب من 100%، بعدم استيفائها أية رسوم أو عمولات أو فوائد إضافية على تأجيل أقساط القروض أو رفع سقوف الجاري مدين أو بطاقات الائتمان، أو استيفاء أية كلف على الخدمات الالكترونية، وقال عبد الكريم "العبء تحملته البنوك هذه المرة. هذا سيؤدي الى تراجع أرباحها لهذا العام".
في العام 2007، ومع استئناف دفع الرواتب وجزء من المتأخرات بعد 16 شهرا من انقطاعها، وتزامن ذلك (تموز 2007) مع فترة تشهد مصاريف موسمية، كرمضان والأعياد والمدارس، شهدت الأسواق ارتفاعا كبيرا في الطلب على السلع ما أدى إلى قفزة في الأسعار، وهناك مخاوف من تكرار هذا السيناريو مع بدء ضخ السيولة في السوق تنفيذا للتعليمات الجديدة لسلطة النقد، خصوصا أن السيولة التي ستوفرها حزمة التعليمات (300-400 مليون دولار) تعادل حوالي ضعفي فاتورة رواتب موظفي الحكومة.
وحذرت جمعيات حماية المستهلك في بيان، من استغلال السيولة التي تتيحها تعليمات سلطة النقد واحتمال ارتفاع الطلب في الأسواق في رفع أسعار السلع، داعية الجهات المختصة، وخصوصا وزارة الاقتصاد، الى تشديد مراقبتها للأسواق خلال الفترة القادمة.
وقال رئيس الجمعية في محافظة رام الله والبيرة صلاح هنية: إن تعليمات سلطة النقد ستؤثر إيجابيا على المواطنين في حالة الطوارئ، وستؤدي الى ضخ أموال في السوق ستترك آثارا إيجابية على القطاعات: التجاري والصناعي والخدماتي، "وهذا قد يفتح شهية هذه القطاعات لرفع الأسعار خصوصا أن الوضع سيعود الى سابق عهده بعد انقضاء التسهيلات من قبل البنوك".
وأضاف: الأسواق شهدت تباطؤا واضحا في الأشهر السابقة وتعمقت خلال فترة الطوارئ بسبب أزمة "كورونا"، ونتوقع انتعاشها بعد تعليمات سلطة النقد التي ستؤدي الى زيادة في الانفاق ورفع الطلب وبالتالي ما قد يقود لارتفاع الأسعار بصورة غير مبررة.
بدوره، قلل وزير الاقتصاد خالد العسيلي من احتمالية أن تشهد الأسواق ارتفاعا ملموسا في الطلب قد يقود الى ارتفاع في الأسعار خلال الفترة القادمة، رغم السيولة التي تتيحها تعليمات سلطة النقد.
وقال العسيلي: هناك العديد من العوامل المرتبطة بتطورات الاقتصاد العالمي، الذي يشهد ركودا في معظم الدول، اضافة الى تخوف الناس في ظل انشار فيروس كورونا، تحول دون ارتفاع ملموس في الطلب في الأسواق، بما فيها السوق الفلسطينية.
وأضاف: كحكومة، نتطلع الى زيادة في الإنفاق لتحريك الدورة الاقتصادية، لكن الظروف التي نعيشها تخلق حالة من الحذر في الإنفاق لدى الناس، وميلا نحو ترشيد الإنفاق تحسبا للأيام القادمة.
واعتبر العسيلي المشكلة الأساسية التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني، كغيره من الاقتصادات في الدول الأخرى، تتمثل بارتفاع الدولار، ما يرفع كلفة الاستيراد في اقتصاد يعتمد بنسبة تصل الى 90% على الاستيراد في توفير احتياجاته الأساسية.
وأكد أن الطواقم المختصة في وزارة الاقتصاد "تراقب الأسواق على مدار الساعة لضمان توفر السلع بأسعار عادلة ومعقولة، ومنع أية حالات استغلال"، مشيرا الى تحويل تجار للنيابة العامة لرفعهم الأسعار مستغلين حالة الطوارئ.