رام الله-وفا-أجمع اقتصاديون، مسؤولون وأكاديميون ورجال أعمال، على أن "صفقة القرن"، ما هي إلا وصفة لتدمير الاقتصاد الفلسطيني، مرجحين أن تبدأ اسرائيل بتطبيقها خلال وقت قريب، ما يستدعي اعادة النظر في السياسات الاقتصادية الفلسطينية المتبعة لمواجهتها.
جاء ذلك خلال حلقة نقاش دعا إليها المعهد الفلسطيني للأبحاث والسياسات الاقتصادية "ماس"، في مقره برام الله، يوم الأربعاء، عرض خلالها ورقة بحثية تحليلية بعنوان "الرؤية الأمريكية-الإسرائيلية لإنهاء القضية الفلسطينية. الأبعاد الاقتصادية والآثار المحتملة للتطبيق".
وقال وزير الاقتصاد السابق ماهر المصري إن "الخطة تحاول ايهامنا بدولة غير موجودة ولن تكون موجودة في يوم من الايام"، مضيفا أنها "لم تكتف بتكريس القيود القائمة التي يفرضها الاحتلال على الاقتصاد الفلسطيني، وانما تضيف قيودا جديدة لما هو قائم".
ودعا المصري، الحكومة الى تشكيل فريق مهمته وضع خطط عملية وسريعة وقابلة للتطبيق، بما يتضمن اجراءات تفصيلية، لمواجهة الخطة.
من جهته، قال وكيل وزارة الاقتصاد، الرئيس التنفيذي لهيئة تشجيع الاستثمار هيثم الوحيدي إن "الصفقة" "هي لفائدة الاقتصاد الاسرائيلي وليس الفلسطيني، اذ تحول الفلسطينيون الى متعاقدين من الباطن للاحتلال".
بدوره، قال رئيس اتحاد جمعيات رجال الاعمال، امين سر المجلس التنسيقي لمؤسسات القطاع الخاص أسامة عمرو "ان كل مكونات القطاع الخاص الفلسطيني تجمع على رفض هذه الخطة، ولا يجد فيها أي رجل اعمال فرصه له فيها، لهذا اجمعنا على رفضها".
واعتبر استاذ الاقتصاد في الجامعة العربية الامريكية نصر عبد الكريم ان طالصفقة" "هدفها تصفية المشروع الوطني الفلسطيني، وتحليلها ونقاشها ليس من باب الاقناع بجدواها من عدمه، وانما من باب كيفية مواجهتها، والانطلاق في ذلك من الرفض التام لها".
وقال عبد الكريم ان الخطة "هي عبارة عن تحويل الازمات المرحلية في الاقتصاد الفلسطيني الى واقع دائم، وهذا سيؤدي الى نتاج كارثية. والمطلوب سياسات تزيد الحصانة والمناعة في مواجهة هذه الخطة وافشال تنفيذها، الامر الذي يستدعي تغييرا جديا في السلوك الاقتصادي".
من جهته، رجح رجل الاعمال سمير حليلة ان يقتصر سقف تنفيذ "الصفقة" من قبل سلطات الاحتلال على ضم الاغوار والمستوطنات، اضافة الى القدس، "فيما يبقى الحديث عن تنمية وميناء وممر آمن بين الضفة وغزة مجرد كلام فارغ ولن ينفذ منه شيء".
واقترح حليلة سياسة من أربعة محاور لمواجهة الخطة، الاولى خوض معركة لتوسيع وتطوير المصادر الطبيعية الفلسطينية، والثانية توسيع القدرة الانتاجية للاقتصاد الفلسطيني، والثالثة توسيع السوقين المحلية والخارجية امام المنتجات الفلسطينية، واخيرا تطوير قوة العمل الفلسطينية، مهنيا وتقنيا.
وجاء في الورقة البحثية، ان "طرح الرؤية الاميركية الاسرائيلية سبقه تهيئة للأرضية السياسية. أميركياً، بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ووقف تمويل الأونروا، وتصريحات وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو حول الاستيطان، ومؤتمر المنامة، فيما سرعت اسرائيل من وتيرة فرض الحقائق على الأرض".
وجاء في الورقة البحثية ان "الخطة وصفة لتدمير الاقتصاد الفلسطيني عبر تقطيع وشرذمة الجغرافيا الفلسطينية، ومحاصرة الفلسطينيين في معازل، وعدم اتاجة أي مجال للتوسع العمراني أو الزراعي، وتكرس سيطرة إسرائيلية مطلقة على حركة البضائع والأشخاص، وضم القدس، والأغوار وجميع المستوطنات، وسرقة المياه والمياه الجوفية الفلسطينية، والسيطرة على المجال الجوي الفلسطيني، والسيطرة على المجال السبيراني الفلسطيني والتحكم بقطاع الاتصالات".
وقالت "باختصار، كل هذا تكريس للقيود التي تفرضها إسرائيل على الاقتصاد الفلسطيني حاليا وتأبيد تبعيته للاقتصاد الإسرائيلي. النتيجة الحتمية لتطبيق هذه الرؤية هي تدمير الاقتصاد الفلسطيني وخنق الحيز المتاح للعمل والاستثمار، وليس تحقيق الازدهار."
وفندت الورقة الاهداف التي قالت "الصفقة" إن الشق الاقتصادي سيحققها: مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي، وخفض البطالة إلى مستوى قريب من 10%، وخفض الفقر بنسبة 50%، وخلق مليون فرصة عمل على مدار 10 سنوات.
وقال معدو الدراسة ان حديث الخطة عن مضاعفة الناتج المحلي الاجمالي خلال عشر سنوات حديث فارغ، اذ تشير البيانات خلال العقود الثلاثة الاخيرة الى ان الاقتصاد الفلسطيني يتضاعف كل عشر سنوات في ظل الوضع القائم، ولم تأت "الصفقة" بجديد بحديثها عن مضاعفته خلال لسنوات العشر المقبلة، ومع ذلك، فان البطالة والفقر بارتفاع مستمر.
وقال معدو الورقة ان "الاهداف ذات الطبيعة الاقتصادية التي تطرحها الوثيقة تعبر عن أقصى ما ترغب إسرائيل بالسماح به للفلسطينيين بهه، كما ان الإعلان عن هذه الرؤية هو محاولة إسرائيلية لإنهاء القضية الفلسطينية، بوصفها عائقا أمام قدرة إسرائيل على فرض نفسها وتكريس وجودها كمركز اقتصادي إقليمي مهين على اقتصادات الدول العربية المحيطة، والشق الاستثماري في الخطة لا يمثل إطار عام ومحدد للعلاقات الاقتصادية الفلسطينية –الإسرائيلية على غرار برتوكول باريس، ولا يعدو كونه خطة استثمارية أمريكية-إسرائيلية".