غزة (رويترز) - كانت نصيحة شعبان خلف واضحة لأي شخص من سكان غزة يفكر في التوجه صوب أوروبا بحثا عن حياة أفضل: لا تخاطر، فالأمر لا يستحق المخاطرة والنفقات.
ولابد أن خلف يعلم ذلك علم اليقين. فخريج الصحافة الذي يئس من العثور على وظيفة كريمة في غزة، حيث الاقتصاد على وشك الانهيار، استقل طائرة إلى تركيا من مصر في يونيو حزيران 2018 وحاول ما لا يقل عن 18 مرة العبور إلى أوروبا بحرا في الأغلب.
قال خلف (25 عاما) ”في مرة من المرات قارب بحرية ضرب قاربنا والقارب انقلب وكنا راح نموت“، مضيفا أنه في كل مرة كانت السلطات التركية أو اليونانية ستعيدهم إلى شواطئ تركيا.
وبحلول فبراير شباط من ذلك العام استسلم وعاد إلى منزله في غزة أشد فقرا بسبب محنته، إذ اضطر لدفع أموال لمهربي البشر الذين حاولوا دون جدوى إيصاله إلى أوروبا.
وقال ”ما بنصح الناس تغادر إلا إذا في وظيفة مضمونة بتستناهم (تنتظرهم)، يعني الأفضل انهم يظلوا مع عائلاتهم هنا أو حتى يموتوا عندهم في غزة ولا إنهم يرموا حالهم للمجهول أو للموت في البحر“.
ومر آلاف من الفلسطينيين الآخرين بتجارب مماثلة لدى محاولتهم الإفلات من براثن البطالة المتفشية والفقر وعنف الحياة في قطاع غزة الساحلي الصغير الذي تديره حركة حماس.
ويئن سكان غزة تحت وطأة ثلاث حروب مع إسرائيل و12 عاما من الحصار الذي تقوده إسرائيل والذي يعرقل حركة الناس والبضائع وصراع طويل على السلطة بين الفصائل الفلسطينية.
ولقي عدد غير معلوم من مواطني غزة حتفهم وهم يحاولون العبور إلى أوروبا في رحلات بحرية مهلكة تاركين أسرهم في حالة من عدم اليقين بشأن مصيرهم النهائي. ووري بعضهم الثرى في تركيا أو اليونان أو أعيدوا إلى القطاع في نعوش.
ويعتقد نشطاء حقوق الإنسان في غزة بأن زهاء 30 ألفا من سكان القطاع البالغ عددهم مليونان حاولوا مغادرته في السنوات العشر الماضية وبأن الأعداد زادت بعد حرب الخمسين يوما في 2014 بين إسرائيل وحماس.
”لا عمل ولا مستقبل“
دمرت الغارات الجوية والقصف الإسرائيلي أحياء بأكملها في القطاع الذي تبلغ مساحته 375 كيلومترا مربعا في ذلك الصراع، مع إطلاق حماس وجماعات مسلحة أخرى صواريخ على مدن في قلب إسرائيل، التي تفرض إلى جانب مصر حصارا على غزة بذريعة المخاوف الأمنية.
ويشير مسؤولو الصحة الفلسطينيون إلى أن أكثر من 2100 فلسطيني، معظمهم مدنيون، قتلوا في حين تقول إسرائيل إن 67 جنديا وستة مدنيين لقوا حتفهم.
وقال خلف ”إسرائيل هي السبب الأساسي لمصايبنا، بس الانقسام برضه سبب رئيسي“. وكان يشير إلى العقوبات الاقتصادية التي فرضتها السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب للضغط على حماس للتخلي عن السلطة.
وانتزعت حماس السيطرة على غزة خلال قتال في 2007.
وقال خلف لرويترز في مركز لغات بغزة يدرس فيه التركية ”لأنه بسبب الانقسام ما في شغل للشباب، أغلب اللي تركوا غزة كانوا من الخريجين“.
وأضاف خلف أن رحلته من غزة كلفته ثلاثة آلاف دولار تشمل رسوم دخول مصر والتذكرة إلى تركيا وأموال المهربين الذين حاولوا نقله إلى اليونان بينما كان يتخفى من الطائرات المسيرة والدوريات الأمنية.
واليونان خطوة أولى معتادة للفلسطينيين والآخرين الذين يأملون في اللجوء للاتحاد الأوروبي، لكن دول الاتحاد وتركيا شددت بصورة كبيرة الرقابة على الحدود وكثفت دوريات الأمن لردع المهاجرين عن محاولة الوصول.
لكن كثيرا من الشبان الفلسطينيين لن يأبهوا بنصيحة خلف على الأرجح.
قال سامح السدودي (27 عاما) والذي ترك الجامعة لبيع الوجبات الخفيفة والمشروبات الساخنة قرب الشاطئ ”شو اللي بيخلي الشباب يهاجروا؟ فش شغل وفش مستقبل (لا عمل ولا مستقبل)“.
أما كريم أبو سيدو (17 عاما) فقال إنه مستعد لخوض غمار الرحلة بحثا عن عمل حتى على الرغم من وفاة شقيقه الأكبر حسام أبو سيدو (22 عاما) في يناير كانون الثاني عندما غرق قاربه قبالة اليونان، حيث دفُن.
وأضاف ”حتى لو خلصت جامعة عالفاضي، كل اللي خلصوا جامعات بيبيعوا شاي وقهوة وسجاير في الأسواق“.