القدس/غزة (رويترز) - قال محللون يوم الأحد إن عدة مشروعات كبرى في خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاقتصادية البالغ حجمها 50 مليار دولار من أجل إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين إنما تعكس مقترحات سابقة تعثرت جراء الصراع.
وتدعو الخطة، التي يقودها جاريد كوشنر صهر ترامب، إلى إنشاء صندوق استثمار عالمي لدعم الاقتصاد الفلسطيني واقتصاد الدول العربية المجاورة بنحو 179 مشروعا في مجالي البنية الأساسية والأعمال.
قال مفاوض السلام الإسرائيلي السابق شاؤول أرييلي إن كثيرا من أوجه هذه الخطوة ليس بالجديد.
وأضاف أرييلي، الذي يعمل الآن محللا في مؤسسة التعاون الاقتصادي التي تدافع عن حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ”معظم الخطط طُرح بالفعل في عهد إدارة (الرئيس الأمريكي السابق باراك) أوباما“.
وفي مقابلة مع رويترز، قال كوشنر إن واضعي الخطة بحثوا لماذا فشلت جهود السلام السابقة في صياغة مبادرة جديدة.
وأضاف ”حاولنا أخذ الأشياء الجيدة التي فعلوها ثم خرجنا بمقاربة جديدة لمحاولة دفع ذلك قدما“.
تستهدف الخطة، التي قُدمت في وثيقة من 40 ورقة، خفض معدل الفقر بين الفلسطينيين إلى النصف وزيادة كمية المياه الصالحة للشرب في الأراضي الفلسطينية إلى المثلين. لكن بعض الأفكار يستلزم موافقة إسرائيلية وجرى بحثه لعقود.
وقال طارق باكوني المحلل لدى مجموعة الأزمات الدولية ” هذه الخطة تفشل في الإقناع حتى بعرضها آفاقا اقتصادية مبتكرة - فيما يمثل الحد الأدنى من التوقعات“.
وأثار قرار إدارة ترامب الكشف عن الشق الاقتصادي من خطتها للسلام دون بحث الحلول السياسية سخرية واستياء الساسة والمعلقين العرب.
بيد أن محمد أبو جياب، الخبير الاقتصادي الفلسطيني في غزة، فقال إنه لا تزال هناك إمكانية لنجاح الخطة.
وأضاف ”أعتقد أن الصفقة تتوفر فيها فرص التطبيق: المال الخليجي والسياسة الأمريكية النافذة والتوافق على المستوى الإقليمي لتحقيق مصالح مشتركة“.
ممر عبر إسرائيل يربط الضفة بقطاع غزة
طبقا للخطة هناك اقتراح بإقامة ممر للتنقل بتكلفة خمسة مليارات دولار، ويشمل طريقا سريعا وربما خطا للسكك الحديدية، بين الضفة الغربية وقطاع غزة عبر إسرائيل.
وتبلغ أقصر مسافة بين الضفة وقطاع غزة نحو 35 كيلومترا. لكن المنطقتين منفصلتان ليس فقط جغرافيا بل بالانقسامات التي طال أمدها بين السلطة الفلسطينية بزعامة الرئيس محمود عباس والتي مقرها الضفة الغربية وحركة حماس منافستها الإسلامية التي تسيطر على غزة.
وكانت اتفاقات السلام الانتقالية التي وقعت في التسعينات تتضمن إقامة ”ممر آمن“ بطول 47 كيلومترا عبر إسرائيل بين غزة والخليل بالضفة الغربية. وتشمل المقترحات مد خطوط للسكك الحديدية وأنفاق وجسور معلقة وخط حديدي أحادي (مونوريل).
لكن هذه الأفكار ذهبت أدراج الرياح بفعل الاضطرابات السياسية وإراقة الدماء ونشوب ثلاث حروب بين إسرائيل وحماس وانهيار محادثات السلام الاسرائيلية الفلسطينية عام 2014.
وقال تساحي هنجبي الوزير بمجلس الوزراء الإسرائيلي يوم الأحد ”هناك منطقتان بهما فلسطينيون. كانوا يقولون على مدى سنوات .. دعونا نمر لا يمكننا المرور عبر حواجز طرق كل يوم أعطونا بنية اساسية لوجيستية مختلفة“.
وأضاف هنجبي للإذاعة الإسرائيلية ”سيكون ذلك مناسبا وأعتقد بكل تأكيد أن ذلك ينبغي أن يكون مناسبا عندما تكف غزة عن أن تكون بؤرة إرهاب موالية لإيران. هذا يعني أن ذلك الأمر ليس مناسبا لا الآن ولا في المستقبل المنظور“.
وتتضمن الخطة أيضا رفع كفاءة المنشآت في نقاط العبور الرئيسية على حدود قطاع غزة بما في ذلك مع مصر. وبسبب المخاوف الأمنية أبقت مصر على معبر رفح مغلقا في أغلب الأوقات مما حرم القطاع من الممر الرئيسي له إلى العالم.
محطات الكهرباء
تقترح خطة كوشنر تطوير محطة الكهرباء الوحيدة في غزة بتكلفة قدرها 590 مليون دولار. ويعاني القطاع منذ سنوات من انقطاع الكهرباء بصورة يومية ولفترات طويلة. وخلال العام الأول من تنفيذ المشروع ستصل عدد ساعات استمرار خدمة الكهرباء في غزة إلى 16 ساعة على الأقل يوميا.
وقبل إعلان الاقتراح كانت قطر تجري بالفعل محادثات مع مسؤولين إسرائيليين بشأن إنشاء خط جديد للكهرباء يمتد من إسرائيل إلى غزة على أن تشارك قطر في تمويل هذا المشروع. ويوفر الخط الجديد 100 ميجاوات إلى غزة التي يصلها في المجمل حاليا 120 ميجاوات من إسرائيل. ويقول الفلسطينيون إن القطاع بحاجة إلى ما بين 500 و600 ميجاوات.
كما تتضمن خطة كوشنر 1.2 مليار دولار في شكل قروض وتمويل من القطاع الخاص لمحطات كهرباء تعمل بالغاز في الخليل وجنين بالضفة الغربية.
وصندوق الاستثمار الفلسطيني، وهو صندوق السلطة الفلسطينية السيادي، هو المستثمر الرئيسي في مبادرة حالية لبناء محطة كهرباء في جنين. ويقول الصندوق إن بناء المحطة يحتاج لرأسمال قدره 600 مليون دولار وهو نفس القيمة المذكورة في اقتراح فريق ترامب.
ووُضع حجر الأساس لهذا المشروع في أواخر عام 2016 وطرح صندوق الاستثمار الفلسطيني وشركاؤه عطاءات لبناء هذه المشروع. ووفقا لوثائق راجعتها رويترز سيمول الشركاء المشروع بقيمة 180 مليون دولار بينما ستمول ”مؤسسات تنمية ومالية دولية (المشروع بقيمة) 420 مليون دولار“.
وقال مصدر مطلع إنه حتى إذا جرى توفير التمويل والبناء الكامل لهذا المشروع فإن تشغيله سيكون مستحيلا بدون إمدادات الغاز وهو ما يتطلب موافقة إسرائيل.'
محطة تحلية المياه في غزة
تدعو الخطة الأمريكية إلى ضخ ”استثمارات كبيرة“ في البنية التحتية لزيادة إمدادات المياه في قطاع غزة، بما في ذلك منشآت لتحلية المياه تهدف إلى زيادة إمدادات المياه الصالحة للشرب للفلسطينيين، من حيث نصيب الفرد، إلى مثليها في غضون خمس سنوات.
وبالفعل، أعدت سلطة المياه الفلسطينية، بالشراكة مع مؤسسات دولية من بينها المفوضية الأوروبية وبنك الاستثمار الأوروبي والاتحاد من أجل المتوسط والبنك الإسلامي للتنمية، برنامجا استثماريا شاملا ومتكاملا لمحطة التحلية المركزية في غزة.
وفي عام 2018، قال الاتحاد الأوروبي إنه تلقى دعما ماليا دوليا للمشروع قيمته 456 مليون يورو.
ولم يتم تنفيذ أعمال المشروع حتى الآن، غير أن المفوضية الأوروبية أشارت في أبريل نيسان إلى ”تقدم كبير“ في المناقشات الجارية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بخصوص دخول مواد البناء إلى غزة. ولا تزال إسرائيل تفرض قيودا مشددة على الواردات القادمة إلى غزة، قائلة إن بعض مواد البناء قد تستخدم في تصنيع أسلحة.
حقل الغاز البحري ”غزة مارين“
تشمل اقتراحات فريق ترامب ما قيمته مليار دولار من المنح والقروض وتمويلات القطاع الخاص لتطوير حقل بحري للغاز الطبيعي في قبالة غزة. ويملك صندوق الاستثمار الفلسطيني حاليا حقل الغاز بالكامل.
وتشير تقديرات صندوق الاستثمار الفلسطيني إلى أن تطوير الحقل سيتكلف مليار دولار، وهو ما يتوافق مع الأرقام الواردة في مقترح فريق ترامب.
ويقول محللون إن خطط تطوير الحقل تأجلت عدة مرات على مدى السنوات العشر الأخيرة بسبب الخلافات السياسية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل، إلى جانب العوامل الاقتصادية.
وفي عام 2018، تخارجت شركة رويال داتش شل من الحصة البالغة 55 بالمئة التي حازتها في الحقل في إطار استحواذها على مجموعة بي.جي في 2016، بعدما كافحت لإيجاد مشتر. وصار صندوق الاستثمار الفلسطيني بعد ذلك المالك الوحيد للحقل، ويبحث عن مشغل ومشتر لحصة نسبتها 45 بالمئة.
يقع حقل غزة مارين على بعد نحو 30 كيلومترا قبالة ساحل غزة بين حقلي الغاز البحريين العملاقين لوثيان الإسرائيلي وظُهر المصري، وتقدر احتياطياته بأكثر من تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي.
ولطالما اعتبر حقل غزة مارين بمثابة فرصة للسلطة الفلسطينية التي تعاني من شح في السيولة للحاق بركب المستفيدين من طفرة الغاز في شرق المتوسط.