رام الله-محمد خبيصة-الأناضول-اضطرت بنوك تعمل في قطاع غزة، قبل نحو أسبوعين، لإغلاق أجهزة الصراف الآلي بصفائح حديدية وأقفال لفترة وجيزة، تجنبا لتلف قد تتعرض له من موظفين عموميين غاضبين، تأخرت رواتبهم.
البنوك في غزة تعيش في قلب أزمة بسبب الانقسام الفلسطيني وتبعاته الاقتصادية والمالية، آخرها كما تشير معطيات سياسية، تأخر صرف راتب مارس/ آذار الماضي لقرابة 58 ألف موظف حكومي، يتقاضونها من الحكومة؛ التي صرفت رواتب موظفيها بالضفة الغربية، في الأسبوع الأول من الشهر الحالي.
البنوك في قطاع غزة عددها 9 من أصل 15 عاملة في فلسطين، وتشرف عليها سلطة النقد الفلسطينية (بمثابة البنك المركزي). يملك الغزيون في تلك البنوك ودائع ويحصلون على قروض، لكن أداء البنوك هناك ينمو بوتيرة أقل من الضفة الغربية، بفعل الحصار الذي دخل عامه الـ 12.
يتزامن تأخر رواتب الموظفين العموميين في غزة، مع ارتفاع حدة التوتر بين حركتي فتح وحماس، عقب استهداف موكب رئيس الوزراء رامي الحمد الله، بعبوة ناسفة داخل قطاع غزة، الشهر الماضي، حيث كان في طريقه لافتتاح مشروع لمعالجة مياه الصرف الصحي.
سداد أقساط
ويعني تأخر صرف الرواتب التي لم يصدر بشأنها تصريح حكومي رسمي، أن المقترضين سيواجهون صعوبات في سداد أقساط الديون البنكية المستحقة عليهم، وسط تخوفات مصرفية وشعبية من طول أمد الأزمة.
يبلغ إجمالي ودائع العملاء في غزة 1.1 مليار دولار تشكل نسبتها 10 بالمائة من إجمالي ودائع القطاع المصرفي ككل، وفق أرقام منشورة على موقع سلطة النقد الفلسطينية.
بينما تبلغ قيمة القروض غير المستحقة في غزة 991 مليون دولار، تشكل نسبتها 12.2 بالمائة من إجمالي القروض الممنوحة من القطاع المصرفي الفلسطيني.
وتشكل نسبة القروض إلى الودائع في غزة تبلغ 88.4 بالمائة، أي أن 88.4 بالمائة من الودائع في بنوك غزة مقدمة على شكل قروض.
بمعنى آخر، فإن أي تصعيد إضافي بين المنقسمَيْن، سيصعب من استعادة البنوك العاملة في القطاع لأقساط قروضها في موعدها، وقد يتجاوز ذلك إلى بدء انكماش في الودائع البنكية لحاجة العملاء إلى السيولة.
لكن البنوك في فلسطين، تملك ملاءة مالية مطمئنة، بإجمالي ودائع تبلغ 11.2 مليار دولار، وموجودات تجاوزت 13.8 مليار دولار.
عقوبات اقتصادية
يعتمد اقتصاد قطاع غزة (يعيش فيه مليونا نسمة) وقطاعاته التجارية والمصرفية والعقارية وغيرها، على رواتب الموظفين العموميين، التي تعد "رمانة القبان" للسيولة المالية في أسواق القطاع.
وكانت القيادة الفلسطينية قد نفذت في مايو/ أيار 2017، ضغوطات على غزة باقتطاع 30 بالمائة من رواتب الموظفين العموميين، ما أفقد أسواق غزة قرابة 20 مليون دولار شهرياً.
اضطرت سلطة النقد الفلسطينية على إثر قرار القيادة، لإصدار تعليمات تطلب فيها من البنوك، خفض قيمة اقتطاع الأقساط المستحقة بما يتناسب من قيمة الرواتب المصروفة، دون فرض رسوم أو فوائد إضافية على المقترضين.
الفرضية الأخطر
لكن الفرضية التي قد تؤثر سلبا بشكل أكبر من الضغوط السابقة، في حال تعثر جهود رأب صدع حركتي فتح وحماس، ستكون بتجميد العمليات المصرفية ووقف التحويلات النقدية من وإلى قطاع غزة.
حينها، ستكون البنوك العاملة في غزة أمام خيارين، إما تحمل خسائر الانقسام الواقعة عليها نتيجة هبوط حاد محتمل في العمليات البنكية والبقاء في سوق غزة، أو التفكير في مغادرة سوق غير مجدية مادياً بالنسبة لها.
لكن البنوك العاملة في غزة، إن قررت المغادرة، لن تكون قادرة على الانسحاب مباشرة في حال زادت الضغوط على حركة حماس لتسليم قطاع غزة دفعة واحدة، لوجود قروض لصالحها على عشرات آلاف المقترضين الغزيين.
حتى اليوم، لم تصدر رسميا أية أوامر بتنفيذ ضغوط نقدية ومصرفية على غزة، لا من جانب الرئاسة أو الحكومة أو سلطة النقد، وهي إجراءات إن تمت، قد تضيق الحلقة أكثر على السكان والبنوك معا.