غزة- الحياة الجديدة- إسلام أبو الهوى- يتذكر الحاج أبو أنس حسن (60 عاما) كيف كانت أسرته تشتري البرتقال بكميات كبيرة بعكس ما يدور اليوم نظرا لارتفاع ثمنه وندرة تواجده أحيانا في الأسواق.
ويتحسر حسن أمام أطفاله على هذه الأيام الجميلة مؤكدا ان الحصول على البرتقال في السابق كان يتم في أحيان كثيرة دون مقابل ويأتي على شكل هدية من الأقارب والأصدقاء.
ويقول: "كل شيء اختلف عن السابق، ليس فقط في ارتفاع وندرة البرتقال الغزي، لكنه أيضا يطال الطعم والمذاق الحلو الذي كان يتميز به البرتقال.
وتابع بشيء من الحسرة: "كانت حقول البرتقال تملأ مساحات كبيرة من غزة، وأينما تنظر كنت ترى بيارات البرتقال بأنواعه المختلفة، لدرجة ان قطاع غزة كان يصدر كميات كبيرة من البرتقال إلى الأردن ومنه إلى الدول العربية من خلال مصانع التغليف والتشميع التي أقيمت في غزة واليوم يطويها النسيان وتعلو مرافقها الأتربة والأوساخ كأنها تبكي على الأيام الخوالي". وتابع: ان تستورد غزة الحمضيات بأنواعها امر يدعو إلى الحزن لم يكن أحد يتخيله.
ولا تختلف المزارع نصر حزر (58) عاما مع قصة المواطن "حسن" حيث يؤكد ان عائلته كانت تملك (185) دونما من الأرض معظمها مزروع بأشجار الحمضيات قائلا: "كنا نستفيد من هذه الثمار بشكل كبير الا انها شيئا فشيئا تلاشت ولم نعد نزرع الحمضيات بأنواعها بعد أن أصحبت تحتاج إلى رعاية كبيرة وأدوية كيمائية بعد ان زادت الأمراض التي تصيب الأمراض وهي أمراض حديثة لم نكن نسمع عنها".
ويؤكد حرز أن تكلفة زراعة الحمضيات ارتفعت كثيرا، بالإضافة إلى شح المياه العذبة وخاصة مياه الأمطار حيث لا تصلح المياه المالحة لهذه الزراعة فتوجه المزارع إلى زراعة استبدالها بأشجار الزيتون.
ويعزو المزارعون في قطاع غزة أسباب تراجع المساحات المزروعة بالحمضيات إلى الاجتياحات الإسرائيلية لأراضي قطاع غزة وتدميرها خلال التوغلات المتواصلة او القصف المتكرر الأمر الذي زاد في خسارة المزارعين.
ويقول حرز: "كنا نربي أشجار الحمضيات كأولادنا نسقيها من معاناتنا، وفجأة تذهب أدراج الرياح بفعل الاستهداف الإسرائيلي لها ما ألحق بالمزارعين الخسائر المتتالية فاندثرت أنواع عديدة من الحمضيات من أسواق غزة".
وأضاف لـ الحياة الجديدة: "كنا نزرع الليمون والبرتقال الشموطي بالأغلب وكنا على أطراف الأراضي نزع الخشخاش ثم نرقعه بالبرتقال لان الخشخاش قوي وجذوره قوية والكلمنتينة والمندلينة والانواع الأخرى كان يصعب وضعها في حاويات كبيرة للتصدير كونها لينة وحساسة لا تتحمل ضغط الاحمال وبالتالي كان الاعتماد الأكبر على تصدير البرتقال.
لا تتوقف أهمية الحمضيات عند ثمارها بل أيضا اخشابها لها حكاية في غزة حيث تعتبر اخشاب الليمون من أفضل أنواع الاخشاب التي تستخدم في صناعات يدوية تراثية منذ القدم مثل كراسي القش وايدي المطرقة والمجراف والعديد من المصنوعات الخشبية التي تصنع فقط من اخشاب الحمضيات.
بدوره، يؤكد الخبير المهندس نزار الوحيدي أن الحمضيات من أهم المحاصيل التي فرضت اسمها على الواقع الزراعي وارتبطت باسم فلسطين منذ سنين طويلة.
وشدد على أن الفلسطيني يرتبط بقصة عشق متبادل مع الشجرة اللطيفة وثمارها منذ ما قبل النكبة حتى هذا اليوم، لافتا إلى ان شجرة الحمضيات عانت ويلات النكبة وتقلبات الطقس وملوحة المياه والصراع مع الاحتلال ودفعت ثمنا قاسيا كالذي دفعه المزارع تماما.
وقال ان الفلسطينيين لجأوا بعد نكبة 1948 إلى زراعة الحمضيات حلا لمشكلة البطالة في قطاع غزة المتفشية الذي استقبل أفواجا كبيرة من اللاجئين أصحاب الخبرة في الزراعة وخاصة زراعة الحمضيات.
واستثمر المزارعون في قطاع غزة الأيدي العاملة الماهرة والخبيرة في هذا المجال وبدأوا في استصلاح الأراضي وزراعتها بالحمضيات في مناطق شمال قطاع غزة وجنوبه "مشروعي عامر وناصر" .وتابع: بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالحمضيات في عام 2000 حوالي 30 ألف دونم لكنها تراجعت مع مرور السنوات بسبب قيود الاحتلال في التسويق إلى جانب ندرة المياه وتملحها، مبينا ان الحمضيات لا تحتمل ملوحة التربة والمياه ما أدى إلى تراجع المحصول وخروج مساحات واسعة من دائرة الإنتاج
وأكد الوحيدي أن تطوير زراعة الحمضيات يتطلب الاهتمام بقطاع المياه وتطوير أنظمة الري ودعم المزارعين، واستجلاب أصناف جديدة مناسبة.