غزة-الأيام-محمد الجمل-بات ما تسمى "قضايا الذمم المالية"، من أكثر المشكلات الاقتصادية تعقيداً في قطاع غزة، إذ طاردت وتطارد مواطنين من الفئات كافة، سواء كانوا تجاراً، أو موظفين، أو حتى أشخاصاً عاديين.
فالذمم المالية المستحقة قد يعجز صاحبها عن سدادها في الوقت المحدد، غالباً بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، ما يضطر صاحب المال لتقديم شكوى لدى جهات الاختصاص، وإبراز ما معه من كمبيالات أو شيكات موقعة، فتصدر أوامر حبس، أحيانا لا تنفذ بسبب دفع الشخص قيمة المبلغ أو إجراء تسوية مع الخصم، وكثيرا ما تنتهي بزج المديون في السجن.
كابوس مزعج
المواطن أحمد زياد، يعمل تاجراً، أوضح أن التجار كافة يتعاملون بشيكات بنكية مؤجلة، يضعون قيمتها في المصارف عند الوقت المحدد، فيتجه صاحب الشيك ويصرفه، وتدور العجلة بشكل طبيعي، لكن خلال العامين الماضيين تردت الأوضاع الاقتصادية، وتراجعت القدرة الشرائية، ما حد من السيولة في أيدي الباعة والتجار، بسبب عجزهم عن تصريف بضائعهم المكدسة في المخازن، وعجز معظمهم عن توفير قيمة الشيكات في موعدها.
وبيّن زياد أنه كان من بين هؤلاء التجار، فتراكمت عليه الديون، وأصبح بين عشية وضحاها مهدداً بالسجن، لكنه قرر أن يتوارى عن الأنظار لفترة، لأن زجه في السجن لن يحل المشكلة، فبقاؤه طليقاً قد يمكنه من توفير المبلغ المطلوب، وهذا ما فعله، إذ تمكن في نهاية المطاف من إقناع الخصم، بإعطائه جزءا من المبلغ المستحق، وجدولة الباقي، وقد بدأت تجارته بالتعافي مؤخراً، ويأمل بعودة الأمور إلى ما كانت عليه.
ونوه إلى أن حبس التاجر يفاقم المشكلة ولا يحلها، ويعقد الأمور، موضحاً أن التسوية والتفاهم بين الأطراف أفضل بكثير من اللجوء لتقديم أوامر حبس.
ووفق مصادر مطلعة فقد وصل عدد قضايا الذمم المالية العام 2019 إلى حوالى 160 ألف قضية "بعض الأشخاص عليهم أكثر من قضية"، يتم وفق المصادر حل جزء كبير منها ودياً، إذ تعطي الشرطة فرصاً لذلك، فيما يسجن آخرون بعد تعذر سداد الديون، وإصرار الخصم على تنفيذ الأوامر.
الدفع أو السجن
بينما تعرض المواطن خالد زكريا للسجن أكثر من مرة، لمدة "21 يوماً" في كل مرة، بعد عجزه عن تسديد قيمة أقساط أجهزة كهربائية اشتراها من عدد من الباعة جنوب قطاع غزة، إذ يقول زكريا إنه اشترى السلع وباعها لتوفير سيولة مالية لقضاء احتياجاته، لكنه تعثر بعد ذلك، ولم يتمكن من سداد قيمة القسط الشهري البالغ "300 شيكل" لتاجر، و250 شيكلاً لآخر، وتراكمت عليه ثلاثة أشهر، فتقدم صاحبا المال بشكوى ضده وسجنه.
وبين أنه استطاع لاحقا حل الأمر مع الخصوم، ووفر لهما جزءاً من قيمة المبلغ، واتفقوا على آلية سداد جديدة، وهو ملتزم بها، وقد شارفت على الانتهاء.
فيما يقول الشاب إبراهيم خليل، إنه فوجئ بإخطار من المحكمة يصله للدفع أو الحبس، فتوجه للمدين في محاولة لإقناعه بتأجيل الأقساط، أو خفض قيمة القسط الشهري، لكنه رفض ذلك وأصر على الدفع، وأمهلته جهات الاختصاص أسبوعا واحدا، وظل فترة لا يعلم كيف يمكن أن يتدبر أموره، إلى أن قرر بيع جزء من أثاث بيته، فهذا من وجهة نظره أفضل من الحبس.
فيما قال محامون، إن أكثر القضايا التي يترافعون فيها باتت قضايا الذمم المالية، وهي ما يقود المواطنين إلى السجون، وأبرز أشكالها الشيكات البنكية، والكمبيالات، والسندات المنظمة، وغالبا ما يعجز صاحبها عن سدادها بسبب الوضع الاقتصادي، فيقاد إلى السجن في نهاية المطاف.
ووفقا للمصادر المطلعة، فإن أكثر من 60% من المتأخرين يسارعون إلى الدفع عند وصول الإخطار لهم، خشية السجن، ومن يتخلف يتم استصدار أمر حبس بحقه، ويوضع في السجن المدة التي حددها القانون، فالذمم المالية وفق القانون تعتبر من الحقوق التي توجب الحبس في حال لم تسدد، فالمحكمة تخطر الشخص بضرورة السداد.
ويسجن الشخص 21 يوماً في حال كان مجموع المبالغ المستحقة "أقل من 500 دينار"، أو 91 يوما إذا كان المبلغ الكلي المتراكم أكثر من ذلك، ووفق القانون لا يجوز حبس المتهم على الذمة المالية أكثر من 91 يوما خلال العام، فبعد قضاء تلك المدة يخلى سبيله، وفي العام المقبل يقدم صاحب الحق طلبا آخر لتجديد الحبس 91 يوما أخرى.
فيما قال مدير العلاقات العامة والإعلام في غرفة تجارة وصناعة محافظة غزّة ماهر الطبّاع، إنّ قيمة الشيكات المرتجعة خلال العامين 2018 و2019، فاق 78 مليون دولار أميركي، ما شكّل أزمة مالية كبيرة بين المواطنين، وأدى إلى انهيار الوضع الاقتصادي في القطاع.