التكنولوجيا المصرفية.. ثروة أم استنزاف للاقتصاديات الناشئة؟

تاريخ النشر
التكنولوجيا المصرفية.. ثروة أم استنزاف للاقتصاديات الناشئة؟
صورة توضيحية-تصوير وكالات

رام الله-حياة وسوق-محمد رجوب-اتفق خبراء في عالم المصارف وتكنولوجيا المعلومات، على أن التكنولوجيا المالية باتت تشكّل مستقبل الصناعة المصرفية، وشجّعوا البنوك الفلسطينية على توسيع خدماتها من خلال الانترنت ولكنهم حذّروا في الوقت نفسه على أن التطورات المتسارعة قد تخلق تحديات غير تقليدية أمام القطاع المصرفي خلال السنوات القادمة.  
وانطلاقاً من الواقع الجديد لم تعد معايير تنافسية البنوك مرتبطة بعدد الفروع التي تملكها والانتشار الجغرافي للصرافات الآلية التابعة لها، بقدر ما أصبحت لصيقة بقدرتها على تطوير خدمات الكترونية تمكّن زبائنها من تنفيذ العمليات المصرفية باستخدام الانترنت أو الموبايل بشكل سريع وفعّال وآمن. 
وعلى مدار يومين تباحث عشرات المصرفيين والخبراء في تكنولوجيا المعلومات، الواقع الحالي والتطورات المستقبلية خلال أعمال "مؤتمر واقع القطاع المصرفي الفلسطيني في محيطه العربي بدورته الثالثة"، وانعقد على الجانب الأردني من البحر الميت في الخامس والسادس من الشهر الجاري. وكانت فعاليات المؤتمر تحت عنوان: "ابتكارات التكنولوجيا المالية ومستقبل الخدمات المصرفية". 
وارتفعت الاستثمارات العالمية في قطاع التكنولوجيا المالية من 928 مليون دولار عام 2008، إلى 4 مليارات دولار عام 2013، ثم نمت تلك إلى 20 مليار دولار عام 2015، فيما من المتوقع أن تصل إلى 46 مليار دولار بحلول عام 2020، بفضل التقدم التكنولوجي والمنتجات المالية المبتكرة.

مؤشرات مصرفية عامة
وتمتلك البنوك العاملة في فلسطين وعددها 14 مصرفا مرخصّا، 334 فرعا، و696 صرافا آليا، وبلغت إجمالي موجوداتها وفقاً لآخر بيانات مصرفية 14.6 مليار دولار، ويبلغ إجمالي الودائع 12.2 مليار دولار، واجمالي التسهيلات 8.4 مليار دولار. 

مؤشرات التكنولوجيا المصرفية
تمتلك كافة البنوك الفلسطينية والوافدة التي تعمل تحت رقابة وإشراف سلطة النقد الانترنت البنكي، و8 بنوك تمتلك "الموبايل البنكي"، ولدى 9 من البنوك صرافات آلية متقدمة تسمح بالقيام بعمليات السحب والإيداع، بما في ذلك ايداع شيكات لدى بعضها، وشهدت السنوات الأخيرة خطوة جرئية تمثلت بإطلاق المفتاح الوطني 194، وهو ما جعل حاملي بطاقات الصراف الآلي والبطاقات المدينة بأنواعها المختلفة استخدام الصرافات الآلية كلها بغض النظر عن تبعيتها للقيام بعمليات السحب. وتدير سلطة النقد من خلال دائر المدفوعات نظام براق للتحويلات النقدية الفورية بين البنوك. 
وينفرد البنك العربي باستخدام بصمة اليد، وهي آلية بدأ بها حديثا من شأنها أن تسرع الخدمة في الفروع وتمنع بشكل مطلق أي احتمالية للتزوير.

خدمات مالية مبتكرة
ويقول محافظ سلطة النقد عزام الشوا ان "التكنولوجيا الحديثة باتت تندمج مع الخدمات المالية التقليدية لتنتج جيلا جديدا وشكلا فريدا من الخدمات المالية المبتكرة التي تتسم بالكفاءة والسرعة والشمول لتشكل أساساً ورافعة رئيسية للاقتصاد الرقمي الحديث والمستدام الذي نسعى ونطمح للوصول إليه".  
ولكن الشوا طالب القطاع المصرفي بـ "تقييم التجارب وتحديد الخطوات اللازمة لاستثمار واستخدام التكنولوجيا في الخدمات المالية والمصرفية، والانطلاق لبناء خطة استراتيجية وطنية شاملة لتطوير الصناعة المالية والمصرفية بالاعتماد على التكنولوجيا"، لافتا إلى ان سلطة النقد تولي اهتماما لصناعة التكنولوجيا المالية انطلاقا من جانبين أساسيين: يتمثل الأول بالإدراك العميق للدور الهام الذي تلعبه تلك الصناعة في كافة مناحي الحياة واعتباره أداة لتقديم الخدمات المالية لكافة فئات المجتمع ويعزّز من وصول وانتشار الخدمات المالية الى كافة القطاعات، اضافة الى تسهيل تنفيذ خدمات التحويل والدفع والحصول على التمويل والاستثمار والخدمات المالية الأخرى. ويتمثل الثاني في ان استخدام التكنولوجيا في تطوير وابتكار خدمات مالية ومصرفية جديدة من خلال تشجيع الابتكارات والابداع وتطوير الأفكار والمشاريع الريادية من شأنه أن يساهم في خلق فرص عمل لجيل من الشباب من ذوي القدرات المميزة والتأهيل العلمي والمهني عالي المستوى من ناحية، وتخفيض التكاليف المرتبطة بتنفيذ هذا الخدمات، وبالتالي تشجيع استخدامها من قبل كافة الفئات.
ويلفت محافظ سلطة النقد إلى أن التكنولوجيا المالية تساهم في ضمان الامتثال للقواعد التنظيمية الداخلية والخارجية وزيادة كفاءة عمليات ادارة المخاطر، وتيسير التجارة الداخلية والخارجية وتسهيل تحويلات العاملين في الخارج وللمدفوعات العابرة للحدود، إضافة الى تسهيلات مدفوعات الحكومة وبالتالي رفع كفاءة الاقتصاد بشكل عام.

الجيل الجديد
ويقول مدير منطقة فلسطين في البنك العربي جمال الحوراني إن "الجيل الجديد بدأ يتخلى عن فكرة الذهاب إلى المتاجر من أجل شراء احتياجاته، وهو اليوم يستخدم مواقع على الانترنت وتطبيقات على الهواتف الذكية للحصول على احتياجاته، حتى لو كانت وجبة طعام في بعض الأحيان". 
ورأى الحوارني خلال محاضرة له في المؤتمر المذكور، أن على المصارف الاستعداد للعصر الجديد الذي لن يكون فيه الزبائن بحاجة الى الذهاب الى فروع البنوك لانجاز معظم عملياتهم المصرفية، أو قد يكون بامكانهم مخاطبة الموظف المعني في مكتبه من مكانهم بالصوت والصورة. 
ويلفت إلى أن البنك العربي شرع بتشغيل جيل جديد من الصرافات الآلية واستخدام بصمة الأصبع لمنع أي احتمالية للتزوير ولتسريع الخدمات التي يحصل عليها الزبون، وأضاف: "نسعى حاليا لإضافة بصمة اليد على أجهزة الصراف الآلي". 
ويدعو كل من يعتقد ان بامكانه أن يبقى تقليديا أو مواجهة طوفان التكنولوجيا المالية التي تتطور كل يوم إلى التخلي عن فكرته، والانشغال بالتفكير في كيفية تكييف التكنولوجيا لخدمة زبائنه واقتصاده. وتابع: لم تعد المعايير القديمة مثل عدد الفروع البنك أداة لتقييمه بقدر قدرته على توظيف التكنولوجيا". 

فرص هائلة ومحاذير جدية
ويقول الرئيس التنفيذي لمجموعة الاتصالات الفلسطينية عمار العكر إن "هناك حاجة ملحة لكي يسأل صناع القرار في الاقتصاديات الناشئة أنفسهم عن أثر توظيف التكنولوجيا في الاقتصاد في احتمالية الحد من توفر فرص العمل في ضوء عدم هيكلة قطاع التعليم للمواءمة مع الواقع الجديد". 
ويشير إلى أن أن سيل الاعلانات التجارية الممولة في وسائل التواصل المختلفة تؤدي الى خروج الاموال من الاقتصاديات الناشئة الى الاقتصاديات الكبرى، خصوصا الاقتصاد الامريكي، وهو ما ينعكس مزيدا من البطالة في العالم الثالث. وقال العكر: كنا في الماضي نضخ اعلانات تجارية في وسائل الإعلام التقليدية وبالتالي تبقى أموالنا في بلداننا وأصبحنا اليوم نضخها في الاقتصاد الأمريكي من خلال اعلانات "فيسبوك" وغيره. 
وأضاف خلال محاضرة في "مؤتمر القطاع المصرفي الفلسطيني في محيطه العربي": نحن في مجموعة الاتصالات الفلسطينية أكبر  مشغل في الاقتصاد الفلسطيني بعد الحكومة، ولدينا 3000 موظف، كنا في الماضي نشغل 300 موظف، ووجدنا أنفسنا أمام حقيقة أننا بحاجة للاستغناء عن موظفين في كل عام مقابل منحهم امتيازات. 
ويرى ان هناك حاجة للتدخلات التشريعية والسياساتية على غرار ما فعل الاتحاد الأوروبي الذي وجد نفسه مضطرا لأخذ خطوات في مجال حماية الخصوصية في التعامل مع موقع "فيسبوك". 
وقال العكر مخاطبا البنوك: ربما يؤدي انفتاح التكنولوجيا أكثر الى منافسة غير عادلة، في المستقبل ما يجعل من احتمال قيام الافراد بالحصول على قروض وتسيهلات من اي مصرف في العالم واردة، في ظل تزاحم الاقتصاديات العالمية ومحاول الكسب من الثورة التكنولجية. وتساءل مخاطبا قادة العمل المصرفي: هل نحن مستعدون لذلك؟. وتابع: لن يكون بامكان البنوك في المستقبل القريب الحصول على ايرادات تحت بند: إدارة الحساب. 
ويرى العكر أن سيناريو الانفتاح في مجال القروض ليس خياليا، مستشهدا في ذلك الأثر الذي احدثته تطبيقات المواصلات الحديثة مثل "اوبر" و"كريم" على سائق التكسي التقليدي في البلدان التي وصلتها هذه التطبيقات. 
وقال: علينا ان نسأل أنفسنا عن مستقبل الوظائف في ظل الثورة التكنولوجية الهائلة، كي لا نخسرهم عندما يضطروا للهجرة بحثا عن فرص العمل.